مسيحى «بس» طيب!

استنكر صحفىّ مغربىّ ناشئ مقالا لى عنوانه «الدين لله، فهل الوطن للجميع؟»، ذاهباً إلى أن أصدقاءه بمصر «قالولو» إنه لا محنة طائفية فى مصر، والكل يعيش فى حبور ووئام، والحق أن كلامه صحيح، إلى حد ما، فى شقه الشعبى، فالمواطنون يتعايشون بمحبة مع جيرانهم وأصدقائهم دون كثير اكتراث باختلاف العقيدة، لكن المحنة، كل المحنة، فى النخبة والرءوس العليا.

أما مقالى ذاك فكان يطرح الصعوبات، التى تقترب من العراقيل، التى تواجه بناء كنيسة فى مصر، فى مقابل التيسيرات المفرطة فى بناء مسجد أو زاوية صغيرة للمسلمين، حد أن تُعفى ناطحة سحاب من الضرائب لو فقط بنى مالكها أسفلها زاوية للصلاة! هذا جميل، تيسير بناء دور العبادة أمر راق وحتمى وبديهى، ومتسق مع مبدأ جمال العالم، لكن ماذا عن الكنيسة؟ أليست دار عبادة أيضا؟ ولن أخوض، مجددا، فى تلك المعوقات التى ورثناها عن فرمان وزارة الداخلية 1934 الذى يشترط بنودا عشرة عسيرة للسماح ببناء كنيسة، ويناقض، فى توجهه العنصرى، الخط الهمايونى الذى كان أطلقه الباب العالى عام 1856 ويساوى تماما بين كل المواطنين المصريين متجاوزا عقيدتهم، ومن ثم تيسير تشييد الكنائس مثلها مثل المساجد. «هل نتقدم إلى الوراء فى كل شىء؟».

ليس هذا موضوعى الآن، مقالى هنا يطرح إشكالية تكاد تكون فولكلورية، بل هى فولكلورية مادام جذرها يكمن فى الثقافة الشعبية الراسخة فى لاوعينا بحكم التراكم الإرثى، وليس كل ما ورثناه عن السلف الصالح، صالحا.

ولابد هنا من استدراك لغوى ذى صلة، «لكن» أداة استدراكية فى اللغة العربية، وفى كل لغات العالم، تُفيد استدراك المعنى الأول بمعنى نقيض له، يعنى ما يلى مفردة «لكن» مفترض أن يناقض ما سبقها، منطقيا، نقول: عجوز، لكن جميلة، نحيف، لكن قوى، ثرى، لكن بخيل، فقير لكن سخى، إلخ، فالجمال والهرم، النحافة والقوة، الفقر والسخاء، ثنائيات متناقضة، لا يجتمعان فى شخص إلا وفصلت بينهما «لكن» الاستدراكية، وفى الدارجة المصرية تعادلها كلمة «بَس».

انتهى الاستدراك اللغوى، وأسأل: كم مرة قبضنا على أنفسنا نقول: عندى صديق مسيحى، بس طيب! أو: الدكتور بتاعى مسيحى، بس عنده ضمير! هذه العبارات لا يقولها متطرفون، بل هى جزء من موروثنا الشعبى المترسب والقار فى مكوننا الإرثى البالى، حتى المثقفون يقولونها وهم أول من ينادى بإلغاء خانة الديانة فى بطاقة الهوية، وكذا البند الثانى فى الدستور المصرى الذى يربط المواطنة بالعقيدة، نقول هذه الـ «بس» دون أن نقصد شيئا، نقولها من اللاوعى التراكمى دون أن نتأمل كم هى مريرة ورديئة ومضحكة، نقولها لأصدقائنا فى المقهى، ثم ننتقد بشدة دعاة غُلاة ممن يُشعلون الفتن الطائفية بكتابتهم التعبوية التحريضية مثل د. زغلول النجار الذى لا ينى يثير ضده المسلمين قبل المسيحيين باستفزازاته التى لا تنتهى، أذكر منها، مثالاً لا حصرا، مقالاً كتبه فى جريدة الأهرام قائلا فيه إن الإسلام هو الدين «الوحيد» الذى حرّم الربا!!

ورددتُ عليه فى مقال عنوانه «الفتنة فى مصر، أين تنام؟ ومن الذى يوقظها؟»، ساردة له آيات من الإنجيل، بل من العهد القديم أيضا، تساوى بين المُرابى وبين المشرك، كأنه لم يقرأ الأناجيل ولا التوراة، واكتفى بالقرآن!! وهو بذلك مسلم «وراثة» مثله مثل ملايين المسلمين والمسيحيين الذين ورثوا عقائدهم عن آبائهم دون فضل لهم فى ذلك ولا جهد ولا اختيار، ثم ينقلبون شرسين عتاة فى الدفاع عن هذا الذى ورثوه دون إرادة، ناهشين لحوم من ورثوا إرثا مخالفا عنهم!! أية كوميديا سوداء! وكثيرة هذه النماذج للأسف بين أدعياء، ولن أقول دعاة الإسلام، وفى المقابل نجد نماذج أخرى مثل «الأب يوتا» الذى أثبت بمدونته الأخيرة، الرديئة، أنه مسيحى «بس مش طيب»!! إلى أين أنت ذاهبة يا مصر الجميلة؟
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مصروفات وموعد سداد أقساط رسوم طلاب المدارس الرسمية 2026

وزارة التعليم تعلن رابط وخطوات تنسيق الثانوى العام والفنى للعام 2026

محافظ القليوبية يعتمد تنسيق القبول بالصف الأول الثانوى العام 2025/ 2026

انتداب مفتش الصحة لتوقيع الكشف على جثمان المطرب أحمد عامر داخل المسجد

النواب يوافق على اقتراح عدم إخلاء المستأجر الأصلى وزوجته قبل توفير بديل


مجلس النواب يوافق نهائيا على قانون الإيجار القديم

سيكو سيكو يتخطى الـ 188 مليون جنيه منذ طرحه فى السينمات

4 خدمات إلكترونية أتاحتها النيابة العامة للقضايا الجنائية المقيدة قبل 2023

الحكومة: "قانون الإيجار القديم ما ذكرش الإخلاء.. والمادة 8 ستثلج الصدور"

الأهلى يقرر تعديل عقد إمام عاشور لتأمينه من الإغراءات


قانون الإيجار القديم.. نواب يطالبون بتمديد العقود الإيجارية حتى 15 عاما.. الحكومة ترفض: مدة الـ7 سنوات كافية لتوفير مساكن بديلة بجانب الوحدات القائمة.. وراعينا مدة أطول في السكني لحساسية الموقف الاجتماعي

حمو بيكا يلمح لنيته اعتزال الفن بعد وفاة أحمد عامر: في أقرب فرصة

مجلس النواب يوافق على نص المادة 2 بمشروع قانون الإيجار القديم

الحكومة ترفض حذف المادة 2 من مشروع قانون الإيجار القديم

يانيك فيريرا يحدد السبت المقبل لبدء فترة إعداد الزمالك للموسم الجديد

اعتزال ورحيل.. نجوم بارزون يغيبون عن دورى نايل فى الموسم المقبل.. محمد عبد الشافى يُعلق حذائه.. معلول والمثلوثى يرحلان بعد انتهاء عقديهما مع القطبين.. السولية يبحث عن وجهة عربية.. والقندوسى يخوض تجربة احتراف

على رادار الأهلى.. نانت يرحب ببيع مصطفى محمد

موجة انفصالات تهز الوسط الفنى.. آخرها عبير صبرى

موعد مباراة ريال مدريد ضد دورتموند فى ربع نهائى كأس العالم للأندية

نجوم الغناء الشعبى ينعون المطرب أحمد عامر (صور)

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى