يا مولانا رفقا بالصبىّ!

عصا فى يد شيخ. وطفلٌ عيناه مربوطتان بنهاية العصا. حكايةٌ من طفولتى ذكرتنى بها حكايةُ صريع العلم: الطفل إسلام، الذى ركله المعلّمُ فأرداه قتيلا، لكى يعلّمه! والطفلة خديجة التى قتلها الخوفُ من العلم والمعلم! ثم، بالأمس فقط، حكاية ياسمين التى كسرتْ معلمةُ اللغة العربية ذراعَها لأنها لم تعمل الواجب!! أيٌّ غلٍّ وعداء وشراسةٍ يحملها هؤلاء الكبار ضد أطفالٍ صغار لا حول لهم ولا قوّة!! وأما حكايتى فيلزمها بعض التقديم.

كانت أمى تؤمن أن العلمَ مفتاحُ الحياة. مفتاحُ السعادة والمال، ومن ثم مفتاح كل شىء. كانت تراهن أنْ ستجعل من طفليها: شقيقى وأنا، كائناتٍ فوق العادة، فقط بالغذاء الطيب وبالعلم الطيب. تزوجتْ، هى ابنةُ الحسب والنسب والعائلة العريقة، رجلا بسيطا من البروليتاريين الكادحين، أبى الجميل. راهنتْ عائلتُها على فشل الزيجة غير المتكافئة طبقيًّا، وعلى فشل الذرية نتاج هذه الزيجة أيضا، وراهنت أمى على العكس. لم تدخر جهدا فى حشو رأسينا الصغيرين بالعلم والتفوق الدراسيّ حدَّ الاختناق. أدخلتنا مدرسةً قبطية لنحصّلَ صحيحَ العلم، وفى المقابل، ألحقتنا، أثناء الإجازات الصيفية، بأحد المساجد لنحفظ القرآن، فنحصِّلَ صحيحَ اللغةِ وصحيحَ الدين. والحقُّ أن الإجازةَ لم تكن إجازةً. ذاك أننا ما نكاد ننهى امتحانات نهاية العام ونعود البيتَ ركضا فَرحيْن بالإجازة واللعب، حتى نفاجأ بكتب العام الدراسيّ التالى مرصوصةً، بكل عناية، فوق مكتبينا. لنبدأ معسكرَ استذكارٍ جديدا، حتى ندخل المدرسة، بعد شهور، وقد شربنا المناهج. ولا يكون ذهابُنا إلى المدرسة مع الرفاق إلا من أجل «المراجعة» وحسب.

صحيحٌ أن شقيقى حصد الدكتوراه فى عمر مبكر وغدا طبيبا مرموقا وأستاذا فى الجامعة، وصحيحٌ أننى أصبحتُ مهندسة معمارية «لا يُشق لى غبار؟» ثم ركلتُ كل هذا وركضتُ للشعر والكتابة والغبار، وصحيحٌ أن أمى نسيتْ أن تعلمَنا «الحياةَ» فمازلنا نتعثرُ فى أبجدياتها الأولى، لكن كل ما سبق ليس هو الطرفة.

القصةُ أكثرُ طرافةً وعجبا. ذاك أننا، شقيقى وأنا، ذات طفولة، كنا قد أنهينا حفظ جزء «عمَّ»، وبدأنا فى «تبارك». وحلَّ موعدُ درس المسجد يوما وأخى فى النادي. فلم يجد الوقت الكافى للعودة إلى المنزل لارتداء ملابسَ لائقةٍ بالمسجد. ولكى يفرَّ من عقاب التأخر عن درس القرآن، قرر الذهابَ إلى المسجد رأسا بملابس الرياضة: تى شيرت وشورت. فما كان من مولانا الشيخ إلا أن انهال على جسده الصغير بالعصا مشيرا إلى ساقيه العاريتين صارخا: هذه عورة، عورة، عووورة!!! وكانت المرةَ الأخيرة التى نذهب فيها إلى درس الدين. مشهدٌ كهذا كفيلٌ أن «يُعقّدَ» أخى ويجعله طوالَ العمر كارها فكرةَ الدين بكاملها. مازلتُ أذكرُ دموعَه الطافرةَ وصُراخه فى وجه أمي: مش حاروح تاني، مش حاروح تااااااني!!! صحيحٌ أنه لم يكره الدينَ، بل هو موغلٌ فيه، لكنها رحمةُ الله وحسب، أو فلسفةُ المصادفة، حسب نظرية مفكرنا الكبير محمود أمين العالم.

لكن أهى المصادفةُ أيضا، فى هذه الأيام النكد، أن يروّعَ أطفالَنا، لا سفاحو الأطفال والمجرمون، بل رجالُ العلم والتربية؟ هل فى دستورنا مادةٌ تُجرّمُ ترويع الأطفال Child abuse، مثلما عند العالم المتحضر؟ ألا يحقُّ لى أن أعتبرَ أن عدمَ موت كلِّ زملاء إسلام خوفا وهلعا، مثلما ماتت خديجة، هو الصدفةُ عينُها. مثلما أن عدمَ انحراف أخى وعدمَ كراهتَه الدينَ وطقوسَه محضُ صدفة؟ ذاك أن الطبيعيَّ كان عكس ذلك. ولو رسمنا شجرة أقدار بديلة، يمكن، بشىء من الخيال الشرير، أن نتخيل كيف كان من الجائز أن يكون هذا الصبيُّ الصغير بعدما «أرهبه» كهلٌ جاهلٌ يزعمُ العلمَ والأدبَ. ويزعمُ الدين!.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مقتل أستاذ طاقة نووية أمريكى قرب بوسطن بطلق نارى

المخرج أشرف فايق: محيى إسماعيل بخير وإصابته بغيبوبة شائعة

مواعيد إجازة نصف العام 2026 لصفوف النقل والثانوية والإعدادية

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى كأس عاصمة مصر والقنوات الناقلة

ملياردير نيجيري يتبرع بـ20.7 مليون دولار لموظفي إمبراطوريته التجارية


شبورة وأمطار على عدة مناطق.. تفاصيل طقس اليوم الأربعاء 17-12-2025

أحمد عبد القادر نجم الأهلى يحتفل بزفافه وسط أسرته فى الدقهلية.. فيديو وصور

أمم أفريقيا 2025.. منتخب مصر يفوز على نيجيريا بعد غياب دام 9 سنوات

نتيجة مباراة منتخب مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس الأمم الأفريقية

أول تعليق من المخرجة كوثر بن هنية بعد ترشيح صوت هند رجب للأوسكار


أهداف مباراة مصر ونيجيريا الودية

أسطورة ليفربول يوجه رسالة نارية إلى كاراجر: محمد صلاح لم يخطئ

تعرف على جميع الفائزين فى جوائز ذا بيست 2025

محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت

يورتشيتش: حزين على خسارة الدورى.. وهناك أندية لا تتوقف فى الإشارة الحمراء

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية

حدث غير مسبوق.. قطر تستضيف نهائيين عالميين فى كرة القدم خلال 48 ساعة

الطقس غدا.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار والصغرى بالقاهرة 12 درجة

تعرف على مهن الفنانين قبل الشهرة والنجومية

تعرف على رسالة حمزة عبد الكريم إلى الأهلى بسبب عرض برشلونة

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى