فى صالون الرئيس مبارك

قبل عشر سنوات، فى عهد فاروق شوشة، رئيسًا لاتحاد الكتّاب، التقى الفنان التشكيلى فاروق حسنى، وزير الثقافة، بأعضاء مجلس إدارة الاتحاد فى اجتماع مغلق، ثلاثون عضوًا حرصوا على الحضور بزيّهم الرسمىّ، استمعوا إلى كلمة الوزير حول إنجازات الثقافة، ودور الأدباء والكتّاب التاريخى فى تقدم الأمم، وحينما جاء الدور ليتحدث المثقفون، بعدما سألهم الوزير عما يشغلهم، جاء قولهم عجبًا! إذ انحصرت مداخلاتهم، أو كادت فى أمور شخصية ضيقة وعابرة! إلى حدّ أن أحدهم اشتكى من عدم صدور كتاب له فى مكتبة الأسرة، وتشكّى آخر من أنه لا يستطيع دخول مبنى ماسبيرو بكارنيه الاتحاد! ما جعل بهاء طاهر يتدخل قائلاً إن اجتماعًا كهذا، حرىٌّ به أن يناقش السياسات العامة لوزارة الثقافة، ومُساءلة المسؤول التنفيذى عن خططه المستقبلية، ومدى تأثير ذلك على الثقافة والمثقفين، وعلى الوطن، ذاك إن اجتماعات كتلك، يجب أن تنشغل «بالثقافة» ومشاكلها، لا مشاكل «المثقفين» الفردية!
تذكرتُ تلك الواقعة وأنا أتابع لقاء الرئيس بنخبة من مثقفى مصر.

أما لماذا ذكرنى هذا بذاك، فلأننى أتصوّر، وفق ما نشر عن لسان، أو بأقلام، بعضا ممن حضروا اللقاء، أن المثقفين شُغلوا بأحد أمور ثلاثة: كلام حول عدم وجود خطة مستقبلية لمصر 2020 و2050، وهو ما كان يشغل السيد ياسين. أمور نخبوية مثل دعم مشروع الترجمة، وصندوق المعاشات باتحاد الكتاب، وهو ما يشغل جابر عصفور ومحمد سلماوى. وأخيرًا مسائل هامشية، على خطورتها، مثل سعر الطماطم والخيار!

قد يُقال، وهو حق، إن الثقافة فى ذيل اهتمامات المواطن، والوطن، والسلطة التنفيذية، وإن المثقفين والأدباء خارج حسابات الجميع، وقد يقال أيضًا إن لقاء الرئيس فرصةٌ للحصول على هذه المكاسب/الحقوق، خاصة إن توجيهات الرئيس فى بلد يملك فيه، دستوريًّا، معظم مفاتيح السلطة، تعد أوامر واجبةَ النفاذ، وقد يستشهدون بما حدث من مماطلات وزير المالية فى تنفيذ قرار رئيس الوزراء بمنح مبلغ مليونى جنيه لصندوق المعاشات والإعانات باتحاد الكتاب، تلك المماطلات والمماحكات المستطيلة التى توقفت، فى لحظة، حين تدخل الرئيس، إثر مذكرة رفعها له رئيس الاتحاد.

لكنه الحقُّ المنقوص، إذ إن اجتماعًا على هذا المستوى النخبوىّ الرفيع، فى هذا الظرف المصيرى الدقيق الذى تمر به مصر، استغرق لحظة زمنية محترمة، (أربع ساعات وربع الساعة)، ظل يترقّب المثقفون حدوثه، بشغف، سنواتٍ خمسًا، اجتماع كهذا إذن، كنّا نعوّل على الكثير من ورائه، نحن المواطنين والمثقفين والكتّاب والمهمومين بحاضر مصرَ وغدها.

كان حريًّا به أن يفتح الملفات الشائكة جميعَها: ملف الحراك الشعبى الذى يطالب بتغيير الدستور لصالح تقليص سلطات رئيس الدولة، وإقامة نظام حكم تسهُل محاسبته به من قِبل الأجهزة الشعبية والرقابية، ملف الاجتياح الظلامىّ العنيف الذى يغيّم سماء مصر وينذر بعواقب وخيمة، ووشيكة، ملف توحيد بناء دور العبادة، الكنائس مثل المساجد، والبحث فى طرائق إنهاء الاحتقانات العقائدية، التى خرجت من السر إلى العلن، إنهائها بأمر رئاسى سيادى مباشر وحاسم، ملف البند الثانى فى الدستور الذى يجعل المسيحى المصرى مواطنًا من الدرجة الثانية، ملف إلغاء خانة الدين من بطاقة الهوية، مثل كل بلاد الله، ومثل جوازات السفر، ملف تفعيل اتفاقية CEDAW لوقف الانتهاكات ضد المرأة، التى وافقت مصرُ عليها، وإن تحفّظنا على بعض بنودها، بينما مازال وضع المرأة المصرية مهينًا، ملف أطفال الشوارع الذى يهدد بكارثة مروّعة وشيكة، ملف التفاوت السافر بين الأغنياء والفقراء فى مصر، الذى عاد بنا إلى مجتمع النصف بالمائة، حيث يمتلك حفنة من الرجال معظم ثروتها، بينما يموت الناس جوعًا وينتحرون فقرًا كل نهار، ملف إهدار كرامة المصريين فى الخارج، (وفى الداخل طبعًا)، انطلاقًا من مبدأ العزيزُ فى بلده، عزيزٌ خارجها، والرخيص على أهله، رخيصٌ على العالمين، ملف زواج المسيار بين البيزنس والسلطة، لدرجة أن رجلا مثل المهندس أحمد عز «يهندس» شكل البرلمان المقبل باليمين، بينما يحتكر ويبيع ويشترى ويتحكم فى الأسواق باليسار، إضافة إلى الفضائح التى تم الإعلان عنها مؤخرًا فى موضوعات توت آمون وأرض التحرير والعلاج على نفقة الدولة، وغيرها..

ملف الوضع الشاذ لجماعة دينية محظورة اسمًا، بينما، بقوة الفعل، تسيطر على الشارع المصرى كأنما تحكم، ملف إقصاء دور المثقفين فى الوصول بأفكار التنوير إلى البسطاء، خوفًا من تأثيرهم السلبى على النظام القائم، كأنما النظام يفضل نار الجماعة عن جنة المثقفين! ملف غياب أحزاب معارضة حقيقية تلعب دورًا حيويًّا فى إعادة التوازن إلى السلطة، فى ظل التضييق المتعمد على التنظيمات الشعبية الحقيقية وعلى حريتها فى تكوين أحزابها، والسماح، بالمقابل، لأحزاب شكلية لا يعرف الناس أسماءها.

منَّيتُ نفسى كثيرًا بمناقشة أمور كتلك، أو بعضها، فى لقاء جمع المثقفين برئيس الدولة، ذاك أن المثقف الفاعل، كما أفهم، هو ضمير أمته ولسانها الناطق، بدل البحث فى مصالح هامشية، وإن كانت مهمة. > >
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ربيعة وفيصل وفتحي على دكة بدلاء منتخب مصر أمام نيجيريا

إمام عاشور وزيرز وصابر في تشكيل منتخب مصر ضد نيجيريا

غرفة ملابس منتخب مصر جاهزة قبل مواجهة نيجيريا الودية.. صور

محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت

هجوم سيبرانى مريب يضرب مجلس النواب الألمانى خلال زيارة زيلينسكى


إقبال كبير على الأتوبيس الترددى بعد عزل حارته بالطريق الدائرى.. صور

كبيرة موظفى البيت الأبيض: ترامب لديه شخصية مدمن كحول وماسك يتعاطى كيتامين

يورتشيتش: حزين على خسارة الدورى.. وهناك أندية لا تتوقف فى الإشارة الحمراء

رحلة محمد صلاح مع جائزة THE BEST.. أسطورة مصرية على الساحة العالمية

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية


الطقس غدا.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار والصغرى بالقاهرة 12 درجة

الخارجية تتابع حادث غرق مركب بالقرب من جزيرة كريت على متنها مصريين

موعد مباراة منتخب مصر ونيجيريا فى التجربة الأخيرة قبل أمم أفريقيا

بعد إثارة جدل فى لقاء رئيسة وزراء إيطاليا.. كم يبلغ طول رئيس موزمبيق؟

الإعدام لسيدة وعشيقها بالمنوفية بعد قتلهما الزوج بحيلة شيطانية

مفاجأة فى مستقبل محمد صلاح مع ليفربول قبل أمم أفريقيا 2025

أمين عمر حكماً رابعاً وأبو الرجال مساعد احتياطى فى نهائى كأس الإنتركونتيننتال

أحمد عبد القادر نجم الأهلى يحتفل اليوم بزفافه فى حفل كبير

حادث قطار طوخ.. 10 مشاهد من سقوط حاويات البضائع بمنطقة السفاينة

أحمد السقا: أصحابى دعمونى أمس والنهاردة قالوا عليا عندى إيجو

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى