زينب خاتون

كنت بمنطقة الأزهر فى انتظار بعض الأشخاص لمقابلتهم بعد صلاة الجمعة. أخيراً جاءتنى الفرصة لزيارة بيت زينب خاتون الذى لم يمنعنى عن زيارته غير الاندفاع اللاشعورى وراء زحام اليوم بتفاصيله يوماً بعد يوم، حتى مرت سنوات دون أن أزور بيت السيدة التى كانت تؤوى مقاومى الاحتلال الفرنسى وترعى جرحاهم.

كنت أنوى زيارة هذا البيت لأننى أتذكر أيضاً هذا الإحساس العميق بأن روح القرن الخامس عشر الذى بنى فيه عادت، أو ربما لم تغادر أبداً صحنه بأحجاره ومشربياته. كنت أريد زيارة بيت زينب خاتون وكلى أمل بل يقين أن السعادة ستغمرنى لرؤية هذا الأثر فى ثوب جديد جميل بعد كل ما سمعت وقرأت ورأيت بعينى أيضاً عن ترميم وتجديد القاهرة الفاطمية.. دخلت بالسيارة خلف مستشفى الأزهر الجامعى، وياليتنى ما دخلت! لم أرَ أى لافتة »ممنوع الدخول« ولم يستوقفنى أى رجل مرور.

لقد نسيت فعلاً معالم الشارع، فاستمررت فى السير حتى تمنيت لو كانت السيارة تعطلت أو أن أمين شرطة سحب رخصتى قبل أن أصل هنا. على بعد أمتار قليلة جداً من البيت كان الزقاق لا يسع بالكاد إلا سيارة واحدة، ولكن بما أن أحدا لم يمنع السيارات الآتية من نفس الاتجاه الذى أتيت منه ولا تلك الآتية من الاتجاه العكسى، فقد كان خلفى فجأة أربع سيارات ملاكى وأمامى سيارة أجرة واثنتان ملاكى وواحدة شرطة!

حاول الجميع المناورة بالرجوع للخلف والاحتماء بالأزقة المتفرعة وتغيير الاتجاه والصريخ ومحاولة نصيحة الآخرين وكل أشكال الفوضى غير الخلاّقة. وكانت المفارقة أن صوت الخطيب عبر الميكروفون ينذر بأن إقامة الصلاة قد أوشكت والسائقون سجناء الزقاق بسبب مَن ترك السير فيه على سجيته، فكانوا لحرصهم على الصلاة يزدادون عصبية وتشنجا وألفاظا بذيئة ولم ينجح «راكبو» سيارة الشرطة فى تخفيف وطأة الورطة!

بعد نصف ساعة من المعاناة من أجل لاشىء، تركت السيارة خارج الزقاق ودخلت أخيراً البيت، وياليتنى مادخلت! الصحن مهجور ومهمل، ولا صوت يوحى بوجود آدمى حتى ظهر رجل ألقى السلام وطلب جنيها رسم دخول.

سألته:«البيت اترمم مش كده؟« قال:«طبعا. السلالم من هنا.« صعدت وأنا أنظر بدقة لروعة الحوائط والأخشاب وأتخيل كيف يمكن أن يكون ما أنظر إليه فى غاية الإبهار والجمال إذا طالته ولو كل أسبوع أداة نظافة. كنت آمل وأنا أدخل كل غرفة أن تكون بها علامات صيانة ونظافة واهتمام لتمحى ما رأيته فى سابقتها. بدا بيت الوصيفة زينب خاتون التى تزوجت بأمير فأصبحت أميرة، كأنه يبكى لحاله، بيت حزين أرضه مردومة بالأتربة، لا يَعنى أحدا أن يفتح نوافذه الخشبية بعناية ليحميها حتى لو كانت لا تُقدّر بثمن، ولا من شأن أحد أن يزيل أوراق الشجر الجافة المتراكمة فى كل ركن كما لو كان لدينا آلاف البيوت مثله فلا يعنينا ما يحدث له.

بعد أن كان لدينا 600 من هذه البيوت الأثرية الرائعة إبان الحملة الفرنسية، تناقصت إلى 70 أوائل هذا القرن حتى لم يتبق منها إلا 29 اليوم، ليس كثيراً عليها أن نعاملها كما يجب أن تكون معاملة ما لا يُقدر بثمن. صحيح أن مشاكلنا الحياتية والسياسية أصبحت تطغى على أى شىء آخر، ولكننى أرى أن حال بيت زينب خاتون كحالنا جميعاً.

لقد رُمم هذا البيت مثل »جيرانه« بيت العود/الهراوى، وبيت الشعر/الست وسيلة اللذين لا أخفى احترامى للمجهود الذى يبذل فى الحفاظ عليهما، ولكن بيت زينب خاتون يبكى من الإهمال وعدم المتابعة وفقدان إرادة حقيقية فى إعطائه حقه.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

منتخب مصر يحافظ على التقدم أمام نيجيريا 2 - 1 بعد مرور 75 دقيقة

«اليوم السابع» ينشر القائمة القصيرة الكاملة لجوائز الأوسكار الـ98

أسطورة ليفربول يوجه رسالة نارية إلى كاراجر: محمد صلاح لم يخطئ

تعرف على جميع الفائزين فى جوائز ذا بيست 2025

شيرين عبد الوهاب: أنا فى بيتى وتدهور حالتى الصحية شائعات


محمود صابر يحقق إنجازا خاصا مع منتخب مصر فى ودية نيجيريا

كارديف ضد تشيلسي.. تشكيل البلوز فى موقعة كأس الرابطة

محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت

هطول أمطار وانخفاض فى درجات الحرارة بشمال سيناء.. صور

أحمد صلاح وسعيد يعودان للقاهرة بعد فسخ التعاقد مع طائرة السويحلى الليبى


كبيرة موظفى البيت الأبيض: ترامب لديه شخصية مدمن كحول وماسك يتعاطى كيتامين

يورتشيتش: حزين على خسارة الدورى.. وهناك أندية لا تتوقف فى الإشارة الحمراء

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية

فتح باب التقديم للإشراف على حج الجمعيات الأهلية حتى 31 ديسمبر.. مؤهل عالٍ والسن لا يزيد عن 60 عامًا.. حصول المشرف على حد أدنى 65 درجة من أصل 100 لاجتياز الاختبار والقبول.. ومشرف لكل 46 حاج

مواعيد مباريات منتخب مصر فى أمم أفريقيا.. ضربة البداية أمام زيمبابوى

تعرف على مهن الفنانين قبل الشهرة والنجومية

تعرف على رسالة حمزة عبد الكريم إلى الأهلى بسبب عرض برشلونة

الإعدام لسيدة وعشيقها بالمنوفية بعد قتلهما الزوج بحيلة شيطانية

مفاجأة فى مستقبل محمد صلاح مع ليفربول قبل أمم أفريقيا 2025

حادث قطار طوخ.. 10 مشاهد من سقوط حاويات البضائع بمنطقة السفاينة

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى