دكتور سليم العوّا.. شكرًا على استنارتك

◄◄أكد أن الدولة الإسلامية مدينة قائمة على فكرة تولى المناصب للمدنيين الأكفاء
علّ هذه الحلقةَ درسٌ رفيعُ الطراز يجب أن يُدرَس بتدبّر، ويُدرَّس ليكون نبراسًا ينير الطريق أمام مرضانا الروحيين، علّه يشفيهم من احتقاناتهم ودمويتهم. حلقة برنامج «آخر الكلام»، على قناة On tv التى حاور فيها الإعلامىُّ المثقف يسرى فودة، أستاذَ القانون والداعيةَ الإسلامى د. سليم العوّا. قدم فيها خطابًا رفيعًا ورفيقًا بأبناء وطنه أقباط مصر، أعلمُ تمامًا كم سيكون له من أثر طيب، ليس على الأقباط وحسب، بل على المصريين كافة. لكَم أتمنى أن تُعاد إذاعة هذه الحلقة كلَّ يوم من أيام ثورتنا الشريفة، التى لا يعلم إلا اللهُ متى ستضعُ أوزارَها، حتى تخرجَ مصرُ من النفق الضيق نحو براح الديمقراطية الليبرالية العادلة، التى تليقُ بمصرَ، وتليق بها مصرُ، أعرقُ بلاد الله على الأرض.

شاهد د. العوا الفيديو العجائبىّ الذى نعت فيه «الشيخ» حسين يعقوب استفتاء 19 مارس بـ«غزوةَ الصناديق»، ثم راح يكبّر تكبيرةَ العيد، لأن «الصناديق قالت للدين: «نعم» (!) داعيًا أصحاب «لا» للهجرة إلى كندا، وذراعه مبسوطة بامتداد الكون!! تفاجأ العوا مما رأى، واندهش من تسمية استفتاءً سياسيًّا بالغزوة، كأنما نحن فى حرب، بها نصرٌ وهزيمة، ومغانمُ وأسرى ومستوطنون ومطرودون من الوطن! نفى العوّا عن الإسلام تبنّى الدولة الدينية، جازمًا بأن الدولة الإسلامية ليست إلا مدنيةً. قائمةً، منذ عهد الرسول، على فكرة تولية المناصب للمدنيين الأكفاء، لا لرجال الدين. دولةٌ يدير الحكمَ فيها المتخصصون وفقًا لسيادة القانون، بما لا يتعارض مع النصوص قطعيةِ الدلالة، تاركين للمشرّع الوضعىّ والعلماء المعاصرين الأمورَ التى تتعلق بنصوص مُختَلَف فى تأويلها. كما ردّ «لليبرالية» اعتبارها بعدما شوّه تعريفَها «الشيخ» حازم شومان، صاخبًا بملء فمه وطول ذراعيه وعرض جسده: «المدنية يعنى أمك متلبسش حجاب(!) ليبرالية يعنى مفيش حاجة اسمها راجل وست، مفيش رجولة أصلا يا حبيبى. ليبرالية يعنى مفيش عبودية لله(!)» بدأ د. سليم العوا بتصحيح عبارة «أهل الحَلِّ والعقد» التى نطقها شومان بكسر الحاء، (حِلّ)، وهو الحلال، وصحيحها طبعًا: (حَلّ) من الفعل: يحلّ عكس يربط. ثم انتقد مقولة شومان: «الشعب مبيفهمش حاجة»(!) فقال العوا، فيما يشبه الغضبة المهذبة، إن الشعب الذى قام بثورة قوامُها ثمانية عشر يومًا حتى أسقط النظام، واستمر فى اعتصامه كل جمعة لتكتمل مطالبه، ثم توقف عن الاعتصام حين شعر بخطره على مصر، هو شعبٌ «بيفهم كل حاجة»، ولا يصح نعته بالجهل والغفلة. شكرًا يا د. سليم. ثم شرح مصطلح الليبرالية بمعناها القارّ فى المعاجم، يعلمها الصبىُّ واليافع ولا يعلمها شومان، بأنها مذهبٌ اجتماعىّ - سياسى نشأ فى أوروبا ليحرر المواطنين من الطغاة والإقطاعيين، ثم تطور مع الوقت، شأن كل المذاهب. ولكن لا علاقة له، من قريب أو بعيد، بالشأن الدينىّ.

ونفى العوّا فكرةَ الأغلبية والأقلية فى الشأن الدينى، رادًّا هذه الفكرة إلى مَردِّها السياسى. فلا أغلبيةٌ مسلمة، ولا أقليةٌ مسيحية، ولكن هناك شعبًا مصريًّا ذا نسيج مواطنىّ واحد.
ثم تكلم عن فتوى: «لا ولاية لكافر»، التى صدعنا بها نفرٌ من «المشايخ»، فقال إن مواقع الكفر التى وردت فى القرآن بشأن غير المسلمين تخصُّ العلاقة بينهم وبين الله، ولم ترد فى شأن إنسانىّ يخصُّ علاقتهم بالبشر أو بالوطن. وتولية غير المسلم منصبًا سياديًّا، شأنٌ مدنى أرضىّ يخص البشر، وليست شأنًا سماويًّا يخصُّ الله تعالى. واتفقَ د.العوا فى ذلك مع الداعية المستنير د.أسامة القوصى فى مشروعية تولى قبطى رئاسة مصر، إن كان الأكفأ والأصلحَ.

سألتْ متداخلةٌ مستنيرة، السيدة ناهد، سؤالاً ذكيًّا، فقالت: بالأمس القريب كان بيت المال فى يد مسيحى، وزير المالية يوسف بطرس غالى، فلماذا لم يخرج المتطرفون من السلفيين يرفضون هذا؟!

حسم العوا أمر كاميليا الذى أخذ أكبر كثيرًا من حجمه قائلا إنه الآن أمرٌ بين القضاء ومواطنة مصرية حرّة، وليس لجهة ثالثة حق الزجّ فيه بالأنف. وتكلم عن حال الفوضى والارتباك التى تعيشها مصر الآن، وعن استحالة استمرارها، مؤكدًا انتهاءها مع الانتخاب البرلمانى. وطمأننا بأن مصرَ بعد تنحى الرئيس مبارك، بدأت رحلةَ العودة إلى ثوابتنا القديمة وقيمنا المصرية الأصيلة من التوافق المتناغم بين مسلمى مصر ومسيحييها. تلك الروح الراقية التى فقدناها منذ 1952. عمّا قريب، سيعود التنافس الجمعىّ الرفيع على العمل السياسى المشترك لصالح الوطن، وليس «التنافس على الإقصاء» كما يجرى الآن. ستعود روحُ العمل التى تولد الأمل فى غدٍ أجمل لمصر.

حوارٌ رفيع راقٍ، حتى وإن تهرّب د. العوّا، بذكاء، من سؤال حول تصريحه، فى حديث سابق، بوجود أسلحة بالأديرة. وبكل احترام وامتنان لحديثه فى هذه الحلقة الفريدة، سأعتبرُ قوله: إن أحدًا لم يقل إن بالكنائس أسلحةً، بمثابة اعتذار محترم ومحمود للشعب المسيحى أبناء وطننا، عن تصريحه السابق. ذاك التصريح الذى سبب لمصر الكثيرَ من المتاعب، ما كان أحوجنا لتجنّبها.

ألفُ مقال لا يفى هذا الحوار ثناءً، وألفُ تحيةٍ للمتحاوريْن المثقفيْن: العوا وفودة، لا تفى حقهما. هنا درسٌ رفيع ليس فقط فى تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى مَن يظنون أنفسهم «أصحابَ الفطانة»، فيما هم ليسوا إلا مضلِّلين «ذوى مكرٍ»، كما وصفهم أبوالعلاء المعرّى فى قصيدته الشهيرة، بل هو أيضًا درسٌ فى الرصانة والتهذّب وفن إبداء الاختلاف فى الرأى بهدوء ورقىّ وفى غير تعالٍ أو تطاول. ليت المتطاولين بالحناجر، المُشوّحين بالأذرع، الجارحين بالألسن الحادة، يتعلمون من د. سليم العوّا ذلك الدرسَ الرشيد!

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

بعد تطهير الخرطوم كاملة.. سلطات السودان تعلن ولاية النيل الأبيض خالية من الدعم السريع.. الجيش يواصل ملاحقة عناصر الميليشيا.. والمتحدث باسم الحكومة فى رسالة لمواطنى دارفور وكردفان: كونوا مطمئنين الجيش قادم إليكم

مواعيد مباريات اليوم الخميس 22-5-2025 والقنوات الناقلة

القصة الكاملة لواقعة سرقة منزل الدكتورة نوال الدجوى من البداية للنهاية

توتنهام يحصل على مكافآت ضخمة بعد تتويجه بلقب الدوري الأوروبي

ريكوبا أسطورة ميلان: مصر محظوظة بمحمد صلاح الاستثنائى


ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو من أجل المنتخبات

شبورة ورياح وأتربة.. حالة الطقس اليوم الخميس 22 مايو 2025 فى مصر

بالأسماء.. قائمة ضيوف شرف فيلم المشروع x بطولة النجم كريم عبد العزيز

هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبى وأهم تكريم فى حياتى

مدبولى يكلف وزير التعليم بدراسة إعادة هيكلة مدارس "دبلوم التجارة"


النيابة تأمر بإحالة 6 متهمين بشركة مقاولات للمحاكمة فى قضية حادث خط الغاز

شاهد.. لحظة إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسى يضم سفير مصر.. فيديو وصور

"أصحابه حاولوا ينقذوه وفشلوا".. غرق طالب بالمرحلة الإعدادية فى النيل بدسوق

بعد حذفه بيان الانفصال.. مها الصغير تحذف بوست ردها على أحمد السقا

توم كروز يعلن بدء العمل على فيلم Top Gun 3

عرض العين الإماراتي يهدد بقاء رامي ربيعة في الأهلي

البحوث الفلكية تكشف موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

نهى صالح: تعرفت على زوجى منذ عامين وهويته الشخصية ما تهمش حد

أول جلسة لمعارضة نجل محمد رمضان على حكم إيداعه فى دار رعاية 19 يونيو

عصام صاصا وجهاد ماهر بين شائعات الانفصال ودعم زوجها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى