نشوى رجائى السماك تكتب: جميلة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
إذا أردت أن ترى كيف تكون ضحكة إنسان مبكية فلتتحدث مع "جميلة". إذا أردت أن تشمئز وتشفق وتلعن وترحم وتنصح وتسمع فلتتحدث مع "جميلة" .

كانت رحلتى اليوم إلى "ورشة الزجاج" التى تقع فى وسط السوق المكتظ بالسلع والبائعين والمشترين وتختلط الأصوات ويعلو الضجيج. بعد كثير من الأسئلة عن مكان الورشة استطعت أن أصل إليها.. وجدت سيدة نحيفة قليلة الحجم تجلس على "رصيف" الورشة.. ألقيت السلام عليها غيرعابئة بها فلم ترد.... ثم نظرت إلى الداخل فلم أجد أحدا فوجدتها تقول لى بكل ود "أشرف بيصلى وراجع"....ابتسمت فى وجهها فوجدتها تهب لتأتى لى بكرسى كى انتظر الرجل. جلست وراحت تنظر إلى وتريد أن تحادثنى وانطلقت تتحدث وكأنها كانت فى انتظار من يسمع حكاياتها..!!!.

دعونى قبل أى شىء أصف "جميلة"، سيدة فى العقد الخامس من عمرها تقريبا وإن كادت لتبدو أكبر من حقيقتها، زرقاء العينين، بيضاء البشرة، وكما ذكرت منذ قليل نحيفة قليلة الحجم. بدأت تحدثنى عن صاحب الورشة وأمانته ومهارته وتشجعنى على الاستعانة به... ثم ارتفع صوت إقامة الصلاة فقالت مبتسمة: "إنه هو" (تقصد إنه صوت "أشرف" الذى يرفع آذان الإقامة .


ثم انطلقت تحكى لى عن نفسها... ولا تسألنى كيف انطلقت إلى هذا المسار فى الحديث لأننى لا أعرف... تنظر إلى مبتسمة وتسرد لى آلام وهى تبتسم ابتسامات تقفز متعثرة على وجهها الأبيض المتجعد ..... تنظر إلى عينيى بعد أن رفعت عنهما نظارة الشمس وتتحدث عن صحتها التى تدهورت من الهم.... تحكى عن ابنها الذى يتعاطى المخدرات وتم سجنه سنة ونصف وانطلقت تشكو لى معاناتها مع هذا الشاب الذى لا يشعر بما حوله وهى تبتسم ابتسامات تجبر قلبك أن يدمع..... تتحدث عن أشياء قد تبدو بالنسبة لى غريبة.. لأنى أول مرة أجالس أم لبلطجى أو مدمن..!!!

كانت تحدثنى وكأننى من أهل المنطقة وأعرف كل الشخصيات التى لم أسمع مثل أسمائها إلا فى الأفلام والتى تطلق غالبا على البلطجية أو أولاد الشوارع ..... حدثتنى عن جريمة قتل فى المنطقة باستخدام الأسلحة الآلية لشخص بعد عرسة بفترة قصيرة ولكنها استطردت قائلة غامزة لى بعينها الزرقاء "بس يستاهل أصله كان بلطجى ومفترى".... ثم تنطلق فى الابتسام وتكمل حديثها عن معاناتها مع ابنها وتحكى لى عن محبة أهل المنطقة لها ومساعدتهم لها، وبالفعل خلال جلستى معها مر أكثر من شخص كانوا يلقون السلام عليها .

وفى إحدى الابتسامات المبكيات القافزات على وجهها خانتها دموعها فبللت العيون الزرقاء دموعا خفيفة سرعان ما أخفتها بابتسامة قافزة أخري... وجدت نفسى أسألها "أنتى بتصلى؟".... قالت لى: "لا" قلت لها: "جربى تقربى من ربنا وتشتكى له، أنتى بتشتكى لى وبسمعك وهمشى وأنساكى وهتشتكى لغيرى وكله هيسمعك وتصعبى عليه شوية وينساكى، روحى للى مش هينساكى"..... ابتسمت قائلة: "لا بيغفل ولا بينام، طبعا طبعا.. بس أنا أصلى بكفر كتير وبسب الدين كل شوية".... قلت لها: "هيقبلك، بيغفر أى حاجة مهما كانت" واستطردت قائلة: "اللى إنتى فيه ده ابتلاء هو عاوزك تروحى له، ويمكن برضو تخليص ذنوب، بيرحمك بأنه يفكرك عشان ترجعى له"....قالت لى: "آه صح، أصلى بشتم أمىو بضربها"...سألتها : "هى عايشة؟"... قالت لى "آه"...قلت لها: "قربى من ربنا"...قالت لى : "أنا مرة صليت".... وجعتنى هذه الكلمات حينما يكون العبد يعرف الله ويشكو لمن لا يملك ولمن رحمته محدودة بل وقد يشكو لمن لا يرحم ويترك أرحم الراحمين.

تجربة بالنسبة لى فريدة من نوعها، قد تكون ليست هكذا بالنسبة لمن يقرأ كلامى ولكننى لم أتخيل يوما أن أجالس أم لمن أتجنب أن أمر فى طريقهم وتحكى لى عن عالمهم الذى لم أعرفه سوى فى الأفلام. ابتسامات مبكيات، عالم مقزز مثير للشفقة والرحمة، راحة ربانية غائبة عنهم وهم أولى من يلهث وراءها.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تعرف على الطرق البديلة عقب قرار غلق الطريق الإقليمى لمدة أسبوع

رؤية شاملة لقانون الأحوال الشخصية للكنائس.. حماية حقوق الطفل وأهمية الأسرة في التبنى.. مراحل تحضيرية وضمانات قانونية في الخطوبة والقائمة.. والتوازن بين الشرع والعدالة الاجتماعية في قضايا الميراث

انتهاء دوري القسم الثاني والثالث والرابع قبل 16 مايو

ميسي vs رونالدو.. هل يعود الصراع التاريخى عبر بوابة الدوري السعودي؟

رجال الحماية المدنية يواصلون عمليات التبريد لحريق مبنى سنترال رمسيس


طب المنصورة قلعة طبية مصرية مصنفة من أفضل كليات الطب في الشرق الأوسط وأفريقيا.. دشنت برنامج "مانشستر للتعليم الطبي" في 2006 لمنح مستوى عالمي لدرجة البكالوريوس.. ويمكن للطالب السفر للتدريب فى جامعة مانشستر

الزمالك يجهز بدائل شلبى والزنارى بعد رحيلهم فى صفقة ربيع

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

"أمبرى": تضرر كبير لأرصفة ميناء الحديدة اليمنى جراء غارات إسرائيل

ثورة تطوير فى اتحاد اليد استعدادا للموسم الجديد


الجفاف يضرب العالم بقوة.. انخفاض مستوى المياه فى نهرى الدانوب وتيسا.. المكسيك تواجه طوارئ مائية.. مشاكل بالزراعة والطاقة فى ألبانيا.. فانكو بإيطاليا تظهر بمناظر قاحلة ومتشققة.. واستراتيجية أوروبية لإعادة المياه

وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت نتيجة عطل الاتصالات والإنترنت

نتنياهو يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام

وزارة الصحة توجه نصائح هامة لتجنب مخاطر ارتفاع درجات الحرارة

بعد عطل الاتصالات والإنترنت.. إقلاع 36 رحلة طيران وجار العمل على 33 أخرى

استكمال عمليات تبريد حريق سنترال رمسيس.. صور

موسم باريس سان جيرمان المثالى يهدد حلم ريال مدريد المونديالى

الصحة تعلن أرقاما بديلة للإسعاف فى بعض المحافظات بعد تعطل الخط الساخن 123

زلزال بقوة 5 درجات يضرب البحر المتوسط قبالة سواحل تركيا

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى