افتح قلبك مع د.هبة يس.. خارج الجدول

الدكتورة هبة يس
الدكتورة هبة يس
أرسلت "ك" إلى افتح قلبك تقول:

أنا سيدة فى بداية الخمسينيات أم لشابتين على مشارف العشرينيات، أصبحت أرملة هذا العام بعد زواج دام لمدة تقارب الربع قرن، ربع قرن من المشاكل والعذاب والضغوط النفسية.

زوجى كان طفلاً كبيرًا، لا يتحمل مسئولية أى شىء، ولا يفكر أبعد من أصابع قدميه كما يقولون، كفاكى أن تعرفى أنه عاد خالى الوفاض من غربة قاربت على العشرين عامًا فى الخليج، بسبب أنه كان ينفق كل شىء أولاً بأول، بل وكان يستدين كثيرًا ولا يرد، ما جعلنى أعيش فى أزمات مادية لا حصر لها طوال حياتى معه.

سافرت معه فى بداية زواجنا، وأنجبت طفلتين هناك، ولكنى عدت إلى مصر بمفردى مع البنتين عندما حان وقت دخولهما المدارس، بحجة أن مصاريف التعليم فى هذا البلد الذى كنا فيه باهظة جدًا، لهذا عدت لأعيش أنا وبناتى منفصلين عنه تمامًا لمدة تقارب الخمسة عشر عامًا...تخيلي!!، لكنى قبلت على أمل أن يستطيع هو تدبير أموره وإرسال نفقات البنات، لكن المفاجأة أنه لم يكن يرسل شيئًا إلا بالكاد، وبعد نقاشات ومفاوضات وخلافات طويلة، حتى تطور بى الحال إلى أن أصبح والدى يدفع للبنتين مصروفاتهما المدرسية السنوية بشكل شبه منتظم، مع أن زوجى مهندس وكان يعمل فى شركة كبيرة، ومن المفترض أن نعيش ملوكًا بدخله ذاك.

هو لم يكن بخيلاً، ولم يتزوج بغيرى كما اعتقد البعض، ولكنه كان مسرفًا لدرجة لا تصدق، كان من الممكن أن يشترى بعض الأجهزة الكهربائية من على النت بعشرين ألف جنيه مثلاً فى المرة الواحدة، هذا إلى جانب أنه دخل عددًا لا أذكره من المشاريع الفاشلة مع أصحابه، والتى كنت أضطر أحيانًا إلى السداد عنه فيها بدلاً من دخوله السجن.. باختصار حياتى معه كانت شاقة جدًا، غربة، تحمل مسئولية بمفردى، ضغوط مادية ونفسية متواصلة، وأخيرًا صدمة وفاته المفاجئة فى نفس العام الذى عاد فيه لمصر.

وبالرغم من كل هذا فأنا أرسل إليك ليس من أجل نفسي، ولكن بخصوص ابنتى الكبرى، التى ألاحظ أنها مكتئبة طول الوقت، خاصة من بعد وفاة والدها، والتى حدثت منذ شهور، مع العلم أن علاقتها به لم تكن جيدة بالمرة، فهى بالكاد كانت تتحدث إليه كل بضعة شهور هاتفيًا، وكان من الممكن أن تمر 3 أو 4 سنوات بدون أن ينزل إجازه وتراه، لكنها وللعجب دخلت فى حزن شديد من بعد وفاته، وأصبحت منطوية أكثر على نفسها، منعزلة عن كل من حولها بمن فيهم أنا، ترفض الذهاب للكلية، والخروج مع أصحابها، وحتى الأكل أحيانًا.

لقد عشت حياتى كلها من أجل هاتين البنتين، لقد كنت أنا دائمًا فى آخر جدول اهتماماتى حتى أتمكن من الحفاظ على هذا البيت، فقد كانت البنات فى مقدمة أولوياتى، ثم زوجى وحل مشاكله وأزماته المتلاحقة، ثم والداى المسنان، اللذان كانا سندى الوحيد فى هذه الدنيا.. لم يكن لدى أى وقت أو مساحة لنفسي، وكنت أتحمل وأرفض فكرة الانفصال من أجل هاتين البنتين، لهذا أنا لا أتخيل فكرة أن تضيع إحداهما بعد كل هذا العناء، فأنا قد مر عمرى وانتهى الأمر، أما هى فما زالت صغيرة جدًا على أن تعيش هذه الحياة البائسة التعيسة التى عشتها، فهل لك أن تساعديني؟.
وإليك أقول:
أقدر جدًا خوفك وقلقك على بناتك، وأتفهم بشدة حجم المعاناة التى عشتيها من أجل الحفاظ عليهما، لكنك لن تستطيعى تغيير ما بها إلا إذا أرادت هى، لهذا كم أتمنى أن تتواصل هى معى، وتراسلنى وتكتب لى عما يدور بداخلها، فمن المؤكد أن لديها الكثير مما لا تعرفيه أنت، والذى لن تستطيع إخباره لك فى يوم من الأيام...أنا فى انتظار رسالتها فى أقرب وقت.
لكن اسمحى لى يا سيدتى أن أقول لك أنك جزء من هذه الحالة التى تعيشونها الآن، حتى وإن كنت لا تدركين ذلك، فقد شبت بناتك على صورة (ماما الحزينة)، المهمومة، التى تعيش للمشاكل، وتقضى حياتها فى الأزمات، وأنا أعرف أن كل هذا كان رغمًا عنك، وأنك بالتأكيد لم تكونى تخططين لمثل هذه الحياة البائسة، ولكن هذا ما حدث، وكان هذا قدرك، لكنه آن الأوان لأن يتغير كل هذا، فقد اختفى عنصر الضغط من حياتكم إلى الأبد... ربما لم تفكرى يومًا فى هذه النهاية، أو لم تتمنيها أو تطلبيها، ولكنها إرادة الله أن تنتهى هذه المعاناة بهذا الشكل، فلعل وفاة زوجك هى الوسيلة الوحيدة التى ستتوقف بها أزماتكم وديونكم وعثراتكم المتتالية، لماذا لا تنظرى للأمر -بالرغم من قسوته- على أنه بداية جديدة؟، وليس نهاية حياتك وعمرك كما تقولين؟.
بحسب كلامك يا سيدتى أنتِ عشت كل حياتك السابقة (خارج) جدول اهتماماتك، وليس فى آخره كما قلتى، فمن المؤكد أنه لم يكن لديك الوقت ولا الطاقة النفسية لأن تفكرى فى نفسك وفى حياتك أنت، هل سبق وفكرتى فى أى شىء تريدينه أنت لنفسك؟، تتمنين تحقيقه فى حياتك؟، كنتى تحلمين به ولم يكن لديك الفرصة لتنفيذه؟...من المؤكد لا، لأنك كنت مأخوذة رغما عنك فى دوامة لا تتوقف، وها هى توقفت.. قد تكون توقفت بشكل درامى أو محزن أو غير متوقع، لكنها انتهت أخيرًا، فلماذا تنهين حياتك معها بدلاً من أن تنفضى غبار الماضى عن نفسك وتلتفتين إليها أخيرًا؟.

لو فرضنا أن متوسط عمر الإنسان هو 75 سنة تقريبًا هذه الأيام، فهذا يعنى أنه ما زال أمامك ما يقرب من (20_25) سنة لتعيشيها فى هذه الدنيا -أى نصف عمرك الذى عشتيه- هل ستعيشيها على غرار الماضى فى اجترار الهموم والأحزان من جديد؟، أليس من الممكن أن تكون هذه فرصتك لتبدئى الحياة التى تريدينها لنفسك الآن؟، إن غيرك من النساء من بدأن حياتهن فى مثل هذه السن كثيرات، فأغلب النساء لا يفقن ويلتفتن لذواتهن إلا بعد أن يكبر الأولاد ويستقلون بحياتهم، وربما بعد وفاة الزوج كما فى حالتك، منهن من تتوجه إلى تعلم وحفظ القرآن، وتجعل من التبحر فى الدين وجهة وغاية لها، ومنهن من تتعلم وتمارس هواية كانت قد تجاهلتها منذ زمن، ومنهن من تهتم بصحتها ووزنها وهيئتها أخيرًا بعد إهمال دام لسنوات، ومنهن من تولى الاجتماعيات والصداقات والمعارف الجديدة اهتمامها، ومنهن من تكون أجرأ وأشجع وتدخل فى تنفيذ مشروعها الخاص أو حتى مشاركة آخرين فى عمل جديد، ومنهن من توجه طاقتها إلى مساعدة الغير من المحتاجين والأيتام عن طريق الجمعيات الخيرية المختلفة.. ألف مجال ومجال، المهم أن يكون هناك هدف ومعنى للحياة، فالإنسان لا يهرم ولا يعجز إلا إذا لم يكن لديه شىء يستيقظ من أجله كل صباح، فى هذه الحالة فقط يعيش لينتظر الموت.

قد تعتقدين أن نصيحتى لك بالتفكير والاهتمام بنفسك الآن بدلا من التركيز على ابنتك نوع من الأنانية، أو أنه لا علاقة له بالمشكلة، لكنه فى صميم المشكلة يا سيدتي، فنحن شئنا أم أبينا نورث أبناءنا طريقة تفكيرنا فى أنفسنا، وأسلوب حياتنا، ونظرتنا ورؤيتنا للحياة، حتى وإن كان لا شىء يعجبنا من كل هذا، فمن الصعب جدا أن يكبر الأولاد مكتئبون فى بيئة متفائلة، فيها الأم -والأم بالذات- مثالا للأمل وحسن الظن بالله، ونموذج ملموس للقدرة على تخطى العقبات والأوقات الصعبة.

صدقينى لم يفت الأوان، ما زال أمامك عمر طويل لتفعلى فيه ما لم تستطيعى من قبل، ربما ستبدأين متأخرة، ولكن هذا أفضل من ألا تبدأين مطلقًا، وأفضل بكثير من أن تعيشى فى انتظار النهاية التى لا يعرف أحدنا موعدها.. ساعدى نفسك وبناتك بأن تجددى الدماء فى حياتك، خذى القرار بأن تختلف حياتك من الآن فصاعدًا، بأن يكون بها قدر من البهجة والأمل فى بكرة، الفرحة معدية، كذلك الحزن، فكونى أنت أول من تعالجين نفسك من الكآبة والحزن، ولتكونى أنت مصدر العدوى بالفرحة فى بيتك بعد كل هذه السنوات العجاف.

الصفحة الرسمية للدكتورة هبة يس على "فيس بوك": Dr. Heba Yassin


Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كأس العرب 2025.. موعد مباراة المغرب والإمارات والقنوات الناقلة

سيدة مُسنة تحاصرها مياه الفيضانات فى أسفى بالمغرب.. فيديو

مصرع طفلة عقب وصلة تعذيب على يد والدها بكفر الشيخ

الإدارية العليا تنظر 31 طعنًا على نتائج 19 دائرة ملغاة فى انتخابات النواب.. غدا

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال


عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

تقرير مغربى: بلعمرى فى الأهلى مقابل 500 ألف دولار

7 معلومات عن شقيقة عادل إمام أرملة مصطفى متولى

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

هل سنرى أحمد السقا عريسا فى 2026؟.. النجم الكبير يجيب.. صور


تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

نتيجة كلية الشرطة كاملة لعام 2025/ 2026 ثانوية عامة ومتخصصين.. فيديو

كل ما تريد معرفته عن قتل وإصابة 42 شخصا بهجوم استهدف عيد حانوكا بأستراليا

جنايات المنصورة تحيل أوراق عربي الجنسية للمفتي لقتله صديقه وقطع جزء من جسده

ماذا ينتظر الأهلي في كأس عاصمة مصر بعد الخسارة من إنبى؟

ضبط المتهمين بإشعال النيران فى شخص أمام زوجته وإصابته بحروق خطيرة.. صور

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

مستشار الرئيس للصحة يوصى بالبقاء بالمنزل عند الشعور بأعراض الأنفلونزا "A"H1N1

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى