آخر سطر من قصة "لوليتا"

محمد مصطفى موسى
محمد مصطفى موسى
بقلم - محمد مصطفى موسى
متى تنتهى الثورات؟ وهل الثورة، أى ثورة، كما تتساءل صديقة أثيرة على سبيل الإنكار والاستنكار: حبة فيتامين تُلقى فى كوب ماء فتفور محض ثوانٍ حتى تذوب؟

إن شئت إجابة معلّبة، فلعلك تلتمسها فى مقولة إن الثورة تنتهى حين تُسقط النظام الذى خرجت ضده، وربما ترتأى أنها تخبو حين تسوق نخبة إلى المقصلة وترتقى بأخرى إلى سدة الحكم، كما قد يقال إن الثورات تصل إلى المحطة الأخيرة، حين تؤسس لنظام سياسى، يرضى عنه الناس، أكثر مما كانوا يرتضون بما كان قبله.

على أن الإجابات السالفة رغم صحتها مجتمعة أو منفردة، ليست جامعة مانعة، فانتهاء الثورات لا يكون إلا حين يتلاشى الوعى الذى حفرته بإزميلها على جدران القلوب، وسجلته أناملها على صفحات العقول، هذا بغض النظر عمّا إذا كانت انتهت إلى تأويل ما اختمر فى وجدانها من أحلام، أم سقطت فى ظلمات الإحباط.

بهذا المعنى فإن الثورات ليست حركة سائبة يحكمها قانون القصور الذاتى، كالأجرام فى الأفلاك، وإن بدت لحظة انطلاقها على ذاك النحو، بحكم ما يطفو على سطحها من فورة غاضبة وحماسة عفوية وربما غريرة.. ذاك مظهر وليس جوهرًا.

منذ يناير الثورة، وحتى الآن، يمكن رصد ملامح الوعى الناشئ، ما إن تجلس إلى كرسى بمقهى شعبى، أو تستقل وسيلة مواصلات عامة، فبسطاء الناس صاروا يتنفسون سياسة، حتى وإن لم تخلُ نقاشاتهم من غوغائية وعصبية وسطحية، ترجع تحقيقًا إلى بداءة وبدائية التجربة، لكن تغيرًا كهذا لا يمكن المرور عليه دون تمعن، خاصة بالنظر لما كان الأمر عليه قبل يوم الخامس والعشرين، وتحريًا للدقة قبل جمعة الغضب.

الناس صاروا يتكلمون، والكلام مبتدأ الوعى، بل هو أيضًا أول الحرب، إن شئت تأصيلًا.. وعليه فإن صرخات دعاة العودة إلى الوراء، ممن يريدون استنساخ مقولات: "امشِ جنب الحيط.. ومن خاف سلم"، لن تجدى نفعًا.. فمتى يجدى نعيق الغربان فى خرائب مهجورة ؟.. ومتى استوقفت الخرائب "الذين ينظرون إلى الشمس المضيئة هازئين بالسحب والأمطار والأنواء"؟ على حد تعبير شاعرنا الجميل أبى القاسم الشابى.

الوعى أيمّا بلغ مستواه، أدرك الجميع، سواء الذين اقتحموا الميادين بصدورهم العارية، أو أعضاء حزب الكنبة، الذين يشكلون النسبة الأكبر فى مصر، أو حتى أعداء الثورة ممن وجدوا فيها تهديدًا يحيق بمنظومة مصالحهم.

الوعى أدرك الجميع.. وعى ليس ظاهريًا هامشيًا، وعى له جذور راسخة فى أعماق الأعماق، وعى ترسخ حتى فى نفوس الأطفال، وهو ما عبر عنه الراحل أبو العز الحريرى ذات "دردشة بديعة" جمعتنا، حيث قال يرحمه الله: "ليس يساورنى خوف بعد يناير، ويكفينى أن أرى أحفادى يهتفون بسقوط نظام مبارك حتى أطمئن".

وعلى خطى حفيدة الحريرى، يمشى جيل من الصغار، ممن رويت براعمهم بمياه الثورة الطاهرة، ومنهم ابنتى فريدة ذات الأعوام العشرة، التى أصيبت مبكرًا ربما بفعل عوامل وراثية من الأب بـ"متلازمة عشق الكتابة"، وأصبحت تعبّر فى هذا العمر الغرير، عن كل ما يجيش فى خاطرها بالورقة والقلم، أو على الـ"آيباد"، حتى أنها شرعت تكتب قصصًا قصيرة أراها بعين الأب المتيم أروع مما كتب "ثربانتس" صاحب "دون كيخوت"، وأعمق من إلياذة هوميرس.

مؤخرًا كتبت "فريدة" قصة بعنوان "عصفورتى لوليتا"، تقول فيها ما معناه: "كان عندى عصفورة خضراء اسمها "لوليتا" أحبها وتحبنى، وأقدم لها الطعام والشراب، وفى مرة كنت أنظف القفص، فانتهزت الفرصة وحلقت هاربة عبر شباك مفتوح" .

وفى ليلة قمراء –والكلام لايزال لفريدة- كنت أقف فى الشباك، أفكر فى عصفورتى، فرأيتها ترفرف بجناحيها أمامى، ففرحت جدا وتخيلت أنها ستعود، لكنها وقفت على فرع شجرة وقالت: "أحبك يا فريدة لكنى أحب الحرية أكثر."
آخر سطر من قصة العصفورة "لوليتا"، يختزل الكثير، ويوحى بالكثير، ويكشف عن الكثير، لمن يقرأ ولمن يفهم.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

الأكثر قراءة

موجات الحر تتحول إلى كابوس اقتصادى جديد فى أوروبا.. زيادة غياب العمال وتراجع الإنتاجية يهددان النمو ويضعان الحكومات أمام تحديات غير مسبوقة.. وتقليص ساعات العمل وتقنين استهلاك الكهرباء والتكييفات أبرز الإجراءات

فرص عمل فى الأردن برواتب تصل إلى 24 ألف جنيه.. اعرف الشروط والتفاصيل

ترتيب الدوري الأمريكي قبل ظهور وسام أبو علي الأول مع كولومبوس كرو

محطة السد العالى تستقبل القطار الأسبوعى السادس للأشقاء السودانيين (فيديو وصور)

مشاركو مسابقة دولة التلاوة يروون تجاربهم فى حفظ القرآن الكريم (فيديو)


إحالة بدرية طلبة إلى مجلس تأديب بقرار من نقابة المهن التمثيلية

المتحدة تعلن الشراكة مع تيك توك لنقل الافتتاح التاريخى للمتحف المصرى الكبير

المولد النبوى الشريف 2025.. الأمة الإسلامية تستعد للاحتفال فى 4 سبتمبر

علم فلسطين يرفرف فى سماء مهرجان محكى القلعة.. صور

إيهاب توفيق يفتتح حفل مهرجان القلعة بأغنية سحراني


مياه الجيزة: جار إصلاح كسر خط طرد محطة صرف الطالبية وإنهاؤه خلال 6 ساعات

علماء: أحماض أوميجا الدهنية تحمي النساء من الزهايمر.. اعرفى مصادرها الغذائية

ساعات غامضة لا تعرض الوقت تنتشر بين لاعبى الأهلى.. إيه هي؟!

حكاية دين بقيمة 100 ألف جنيه رفض صديق الفنان طلعت زكريا سدادها

مصدر مقرب من أنغام يكشف آخر مستجدات حالتها الصحية

براءة المتهم بابتزاز الفنان طارق ريحان فى الطالبية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى