محمود عبد الراضى يكتب: فى بيتنا شهيد

جنازة عسكرية لأحد شهداء الشرطة أرشيفية
جنازة عسكرية لأحد شهداء الشرطة أرشيفية
"الإرهاب" مصطلح سمعته لأول مرة فى حياتى سنة 1993، كنت وقتها طالبا بالصف الأول الابتدائى، سعيداً بملابسى الجديدة وحقيبتى المصنوعة من القماش، استقيظت كعادتى مبكراً لأشارك فى طابور الصباح.. يومها أسرعت نحو والدى لكى أحصل على المصروف، لكننى وجدته هذه المرة مشغولاً بالحديث مع "خفير" نقطة الشرطة، الذى أعطاه ورقة صغيرة، قائلاً له: "دى إشارة من المركز مش عارف مكتوب فيها أيه خلى حد يقراها لك يا حاج"، وحاول والدى الاستعانة بى لكن كنت لازلت أدرس حروف الهجاء بالمدرسة، فاستعانت بابن عمى الطالب الجامعى، فحضر ونظر فى الورقة كثيراً ثم نطق بحروف متلعثمة تخرج من بين شفتيه بصعوبة قائلاً: "البقاء لله يا عم ابن أخوك استشهد فى "طما".

والدى توقف عن الكلام دقائق صامتاً فى ذهول، ثم صاح فى ابن عمى "بتقول أيه يا ابن الـ.."، فكررها له، "ابن أخوك مات يا عم والله مكتوب كدا"، جرى والدى نحو المركز، وعدت إلى المنزل وخلعت ملابس المدرسة، بكيت كثيراً على ابن عمى الذى يكبرنى بسنوات كثيرة، فقد كان يعود آخر النهار كل يوم بـ"لبسه الميرى" ولم أكن ساعتها أعرف طبيعة عمله بسبب صغر سنى.

دموعى لا تتوقف والنساء يتشحن بالملابس السوداء وأصوات الصراخ تهتك الصمت الذى خيم على قريتنا "شطورة" شمال سوهاج، هكذا كان المشهد حول منزلنا، وبعد سويعات، يمتلئ الشارع بسيارات الشرطة، أصعد برفقة أطفال الجيران أعلى المنازل نراقب بأعيننا سيارات الشرطة المحملة بالورود والموسيقى العسكرية، وتحضر زوجة "الشهيد" لا تكاد تسطيع الوقوف على قدميها بسبب صدمتها، ثم نستقبل نعش الشهيد، نزفه إلى الجنة، وأصوات القرآن الكريم تعلو وتخالط دعوات المخلصين بالرحمة والغفران للشهيد، وتتزاحم كاميرات الصحفيين داخل سرادق العزاء، يجرى والدى نحوهم صارخا فيهم: "مش هنتكلم مع حد سبونا فى مصيبنا".

بعد ثلاثة أيام.. انتهى العزاء، عرفت أن ابن عمى "كبارى" اسمه فى الحكومة "أبو الفضل عيسى عبد الراضى" كان يعمل شرطيا بـ"طما" واستشهد فى أحداث الإرهاب الشهيرة بالصعيد، ولم أكن ساعتها أدرك معنى كلمة "الإرهاب"، لكنه ارتبط فى عقلى منذ نعومة أظافرى باغتيال أقرب شخص إلى قلبى، فكرهت الإرهاب، وكبرت وكبر معى هذا الكره طالما شاهدت بنات "المرحوم" الأربعة دون أب، وطالما شاهدت صورة داخل منازلنا، كرهت الإرهاب كلما سقط شهيد جديد على تراب الوطن.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مياه الجيزة: جار إصلاح كسر خط طرد محطة صرف الطالبية وإنهاؤه خلال 6 ساعات

الجيزة: كسر مفاجئ بخط طرد محطة الطالبية يتسبب فى انقطاع المياه عن كفر طهرمس

تنسيق الشهادات المعادلة.. التعليم العالى: بدء قبول الطلاب السبت 23 أغسطس

مصدر مقرب من أنغام يكشف آخر مستجدات حالتها الصحية

يايسله بعد اكتساح القادسية: الأهلى جاهز للقاء النصر فى السوبر السعودى


"دويتشه فيله": قصة محمد صلاح الملهمة مع ليفربول لم تنته بعد

الأهلى يكتسح القادسية 5-1 ويتأهل للقاء النصر فى نهائى السوبر السعودى

المخرج كوينتن تارانتينو يكشف عن الفيلم المفضل إليه في مسيرته الفنية

قطع المياه بين الهرم وفيصل من المساحة وحتى ابن بطوطة الجمعة 6 ساعات للصيانة

قبلة محمد صلاح وأليسيا ليست الأولى بين نجم ونجمة الدورى الإنجليزى.. فيديو


أدان هجوم نتنياهو الأخرق ضد ألبانيز.. مجلس يهود أستراليا يدعو لإنهاء التصعيد

حقيقة تفاوض الأهلي مع محمد عبد المنعم لضمه في يناير

إعدام قاتل شيماء جمال.. القصة كاملة من جريمة بشعة لقصاص عادل بالإعدام شنقًا

وسام أبو علي: كولومبوس كرو كان الأولوية بالنسبة لى وأشعر أنى فى بلدى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى