تحول الانتحار فى مصر من "حالة نفسية" لـ"شو" فأصبح "موت واستعراض".. الموت على كوبرى قصر النيل ولافتات إعلانات وعجلات قطار "شو" سينمائى.. والطب النفسى: "بوعزيزى" حوّله من وصمة عار لـ"بطولة"

المواطن المنتحر فى لوحة إعلانات
المواطن المنتحر فى لوحة إعلانات
كتبت إيناس الشيخ
بهموم ضاق صدره بحملها، ويأس امتد لخارج حدود عالمه البائس، أوقف السيارة التى يعمل عليها سائقاً بشركة "العبور" أمام لافتة إعلانات ضخمة، ترجل من السيارة حاملاً حبلاً سميكاً، لم ير سوى الظلام الذى أحاط بحياته ودفعه دفعاً من باب السيارة وحتى السلم المرتفع إلى أعلى، تسلق السلم ببطء، وصل إلى القمة قبل أن يحكم ربط الحبل فى الأعمدة الحديدية للوحة، ويحكم لف الطرف الآخر حول رقبته، لا يعلم سوى الله بماذا تمتمت شفتيه قبل أن يقفز إلى أسفل معلقاً بالحبل، ربما استغفر الله للمرة الأخيرة، وربما تذكر اسمه "فرج رزق فرج" الذى لم يكن له منه حظاً، قبل أن يبتسم ابتسامة صفراء، وينهى حياته متدلياً من لوحة إعلانات ضخمة على طريق مصر إسماعيلية الصحراوى، فى حادثة مفجعة تعيدنا إلى واقع أغفلناه فى زحام الحياة، وهو ما وصلت إليه حوادث الانتحار فى مصر من مشاهد مفجعة، لم يكن انتحار "فرج" هو أكثرها بشاعة فحسب، بل كان على الأرجح علامة واضحة على انتقال حوادث الانتحار فى مصر من الشكل التقليدى للمرض النفسى أو اليأس من الحياة، إلى "الاستعراض" أو "الشو" المصاحب للانتحار، نقلت الانتحار من حالة نفسية أو مرض اجتماعى إلى مصطلح جديد هو "الانتحار الاستعراضى".

الانتحار شنقاً أعلى لوحة إعلانات، أو من فوق كوبرى قصر النيل، أو إلقاء سيدة لنفسها تحت عجلات القطار بالمنيا بعد أن فاض بها الكيل من حياة تعيسة لا يعلم تفاصيلها سوى الله، هى المشاهد التى أصبحنا نعيشها يومياً، وكأن فاجعة الانتحار وحدها لا تكفى ألماً، فاختار المنتحرون طرقاً أكثر بشاعة لمواجهة المجتمع بحقيقة ما وصل إليه الأمر من واقع مؤلم فصبغوا على حالات الانتحار جانباً "استعراضياً" لا يخلو من "الشو"، وهو الشكل الذى زاد مع زيادة معدلات الانتحار فى مصر بنسب صادمة، حيث جاءت مصر ضمن أكثر الدول التى سجلت أعلى معدلات انتحار فى الوطن العربى فى الثلاث سنوات الأخيرة، وأشارت الإحصائيات أن مصر بها 3000 محاولة انتحار سنوية لمن هم أقل من 40 عاماً، ولكن يبقى أمر المشاهد المفجعة فى الانتحار فى الطرقات العامة وعلى الكبارى وأسفل عجلات المترو، مشهداً حصرياً لشوارع مصر التى أخذت منعطفاً أكثر بشاعة فى حالات الانتحار.

انتحار "صفاء حمدى كمال" أسفل عجلات قطار بالمنيا، حادث آخر لم يفصله عن حادث "فرج رزق" سوى بضعة ساعات، حيث أعاد للأذهان مشهد انتحار شاب أسفل عجلات المترو بمحطة "السادات" منذ عامين، سبقهما انتحار شاب شنقاً على كوبرى قصر النيل فى وضح النهار عام 2010، وهو الحادث الذى بدأ سلسلة الحوادث المفجعة، والمشاهد القاسية للمنتحرين فى الطرقات والشوارع وأسفل عجلات القطار.

"الانتحار الاستعراضى" أو "الشو" المرتبط بحوادث الانتحار الأخيرة، هو ما شرحته لـ"اليوم السابع" الدكتورة "هبه عيسوى" أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، محللة الحادثة الأخيرة للسائق الذى أنهى حياته من أعلى لافتة إعلانات ضخمة قائلة: الحادثة التى أنهى فيها هذا السائق حياته تدل على ما وصل إليه الانتحار فى مصر من جانب استعراضى أصبح مرتبطاً بحوادث الانتحار، وهو ما تؤكده هذه الحادثة التى تمت بتخطيط مسبق من جانب المنتحر، قبل أن يتوجه لنقطة بعينها حاملاً حبلاً يساعده على تنفيذ الحادث، وهو المشهد الذى تكرر بأكثر من صورة منذ حادثة "بو عزيزى" الذى أشعل النيران فى نفسه وكان رمزاً للثورة التونسية ثم المصرية، لذلك تحولت فكرة الانتحار بـ"الاستعراض" فكرة لا تخلو من بطولة، يلجأ إليها المنتحر لدفع وصمة الانتحار والكفر عن نفسه، ونقل الأمر من فعلة مشينة إلى حادثة بطولية قد يتحول بعدها إلى رمز للبطولة أو الثورة على الفقر، وغيرها من الأسباب.

وتكمل هبة عيسوى حديثها عن الانتحار من وجهة نظر الطب النفسى قائلة: الانتحار هو تصرف غير عقلانى للتخلص من معاناة ما فى الحياة، أو إنهاء الحياة بدافع الاكتئاب أو الضغوط النفسية، ولم يكن من قبل مرتبطًا بهذا الشكل من الاستعراض الذى نتابعه فى حوادث الانتحار اليومية، وهو ما خلق نوعا جديدا من الانتحار، يحمل طابعاً استعراضياً، يحاول به المنتحر أن يكسب تعاط الناس، ويمحى عن نفسه وصمة العار أو الكفر.

وأكدت على نقطتين يجب النظر إليهما بعين الاعتبار فى الفترة المقبلة، الأولى هى توجيه الخطاب الدينى المستنير بشكل مكثف، للحديث عن "الانتحار" كذنب من الكبائر، وتقديم حلول دينية لأصحاب هذه الرغبة، ودفعهم عن التفكير فى الانتحار وإنهاء الحياة مهما كانت الظروف.

أما النقطة الثانية التى أوصت بها "عيسوى" فتقول: جزء آخر لا يقل أهمية عن الخطاب المستنير، هو تعزيز ثقافة الكشف الدورى على الحالة النفسية لكل القطاعات، وخاصة العمال، من خلال الأطباء الموجودين فى أى شركة أو مصنع، وعلى الطبيب ملاحظة العلامات النفسية ان وجدت وتحويل الحالة لطبيب نفسى، كما يجب الاعتراف بالأمراض النفسية والاكتئاب، كسبب كافٍ قد يدعو للانتحار، ومحاولة التعامل معه كمرض خطير يجب علاجه قبل أن يتحول لحالة أخرى من حالات الانتحار التى نراها يومياً.





موضوعات متلعقة..

3 حالات انتحار تهز قلب مصر أمس والرابعة تفشل.."فرج" لم ينتظر "الفرج" وشنق نفسه بلوحة إعلانات.. ومدير بمصنع يلقى نفسه من الطابق الرابع.. وعامل مسجد يتخلص من حياته ويترك ورقة.. والمسطحات تنقذ شابا ‎


Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد إعلان بطل دوري 2025 بعد رفض المحكمة الرياضية الشق المستعجل لبيراميدز

تامر حسني وأبطال فيلم ريستارت يحتفلون بعرضه الخاص في أكتوبر اليوم

الطقس اليوم.. ارتفاع جديد فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة

أحمد حسن يحضر قرعة بطولة كأس العرب فى قطر.. اليوم

امتحانات نهاية العام.. موعد إعلان وظهور نتيجة الفصل الدراسى الثانى 2025


المتهم بالنصب على المواطنين: أوهم ضحاياه بتوافر فرص عمل بأجور مجزية

أحمد شيبة عن أغنية "أنا مش تمام".. درامية ومبسوط بنجاحها

غدا آخر فرصة للتقديم على وظائف فى مشروع الضبعة النووية.. اعرف التفاصيل

عزيمة لا تقهر.. حكاية شاب شرقاوى من معاناة السمنة المفرطة إلى بطل كمال أجسام بعد ممارسة الرياضة.. هشام حنفى: وزنى كان 155 كجم وصاحبتنى الأمراض وبالتدريبات أصبحت 95 كجم فى 6 أشهر فقط ويؤكد: العزيمة مفتاح النجاح

الأهلي يطلب من ريفيرو تحديد موعد ظهور الصفقات الجديدة فى التتش


حرائق تلتهم غابات الجبل الأخضر وتقترب من المناطق السكنية شرق ليبيا (فيديو)

قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل

العراق وإيران وفلسطين تفوز بجوائز مهرجان كان.. "حادث بسيط" يحصد السعفة الذهبية.. وجائزة Camera d’Or تذهب للمخرج حسن هادى عن فيلمه "كعكة الرئيس".. والفلسطينى توفيق برهوم يحصد Palme d’Or للفيلم القصير

مروة ناجي: مشاركتي في عرض "صوت وصورة" لكوكب الشرق وسام على صدري

ترتيب الحذاء الذهبي.. مبابي يقترب من حسم الجائزة متفوقا على محمد صلاح

اعرف أسعار الفائدة على شهادات الادخار ببنك مصر

العالم هذا المساء.. فلسطينى يروى كيف استخدمه جنود الاحتلال درعا بشرية فى شمال غزة..تسريب 184 مليون كلمة مرور من "آبل" و"فيسبوك" ومنصات أخرى.. 50 موقعا أثريا وتاريخيا بالمدينة المنورة يستقبل حجاج بيت الله الحرام

دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي الحجة لعام 1446فى هذا الموعد

مجلس الوزراء ينشر فيديو عن مشروع "سكن لكل المصريين"

قضية أحمد فاتح تُشعل الجدل.. حقيقة أول رجل عربى يلد طفلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى