موت القهر

إسراء عبد الفتاح
إسراء عبد الفتاح
كتبت : إسراء عبد الفتاح
يبدو أننا لابد أن نتأقلم بأننا سنواجه هذا النوع من الموت الأيام القادمة، موت القهر الذى تختنق فيه الـ «آه» بين الضلوع وفى الحنجرة، فلا يستطيع الموجوع الصراخ بها، فتتحول الـ «آه» من وسيلة للتفريج عن الكرب إلى أداة تقتل المكروب.

وهنا لا أتحدث عن الموت قهرا من إهمال علاجى أو إهمال مؤسسى تذهب فيه أرواح الأبرياء، فهذا النوع من الموت اعتدناه منذ سنوات طويلة، فى ظل أنظمة فاسدة جاهلة مستعبدة لشعبها.

ولكن أتحدث هنا عن شباب فى عمر الورود تسرق أحلى أيام عمرهم خلف القضبان بدون ذنب، يحاكمون بانتهاك قانون غير دستورى، يواجهون أحكاما مغلظة خارج حدود المنطق والعقل، يمرض أبوهم ولا يستطيعون احتضانه، يموت أبوهم حزنا وقهرا دون أن يودعوه حيا، فنحمد الله أنهم ودعوه إلى قبره وكأن هناك عقلا حكيما فى ظل هذا الكبر أمر بالسماح لهم بدفن والدهم.

الأب الذى عاش مناضلا ومحاميا للغلابة ونصيرا وداعما لكل قيم الحريات باختلاف أيديولوجياتها، من يحمل هذه القيم أب جعله الله سببا فى حرية كثير من المظلومين، ولكنه يموت وهو محامٍ مدافع عن الحريات وأبناؤه فلذة كبده فى غيابات السجون، يا لها من سخرية القدر. سلك كل الطرق من أجل حريتهم ولم يتمكن من الدفاع عنهم أو رؤيتهم حتى لحظة فراقه، يدفنون والدهم ويعودون إلى سجنهم لا يجدون حضن الأم والأخت الذى هو بالنسبة لهم فى هذا الظرف وهذا التوقيت العزاء الوحيد، والملجأ الآمن المتبقى لهم، وخصوصا لفتاة تعد فى مرحلة الطفولة سنا وملامح.

أعلم عن تجربة مريرة ماذا يعنى فقدان الأب؟ فقدان السند والظهر؟ ولكن كنت بين أحضان أمى وأخى وأختى «أدعو الله أن يحفظهم لى» فكانوا بالنسبة لى كل شىء فى هذه اللحظات، فكيف يحرم هؤلاء الشباب من كل ذلك فى نفس اليوم، تلتقى الأحضان فقط عند القبور ثم يفترق الأخ والأخت إلى سجون القهر، تاركين الأم والأخت يعتصر قلباهما بين الفراقين، فراق ما بعده لقاء، وهو فراق الأب والزوج، وفراق الأخ والأخت والابن الذى يتخلله لقاء قاسٍ وموجع بين أركان زنزانة أو بين أسوار قيود.
سلكنا كل الطرق لتعديل هذا القانون الباطل الذى يتعارض مع دستور وافق عليه الشعب بنسبة %98 من تظلمات والتماسات وقضايا تنظر وطلبات للعفو، ولكن لا حياة لمن تنادى، لماذا كل هذا الكبر؟! لماذا تبقون على المجلس القومى لحقوق الإنسان وفى نفس الوقت تتجاهلون طلبه منكم الذى طلبه مرارا وتكرارا، من أجل تعديل هذا القانون، وإعادة محاكمة الشباب، والنظر مرة أخرى فى أوضاعهم، كل الشباب المحكوم عليهم احتياطيا أو صدر ضدهم أحكام بسبب هذا القانون! لماذا ترفضون؟ لماذا تتجاهلون؟ لا نريد عفوا ولكننا نريد عدلا أيها السادة!

الغضب يتفاقم ويفور ويتقارب من درجة الغليان، لماذا تزرعون فى نفوس هذا الشباب كل هذا الغضب، لمصلحة من؟ أجيبونا لمصلحة من؟ الشباب يضرب عن الطعام حتى الموت تحت شعار «جبنا آخرنا»! ألم تروا الغضب الممزوج بالقهر والعجز والحيرة والإحباط فى عيون شباب كل جريمتهم أنهم حلموا بوطن أفضل، يجوز، بل نعم وبكل تأكيد نختلف معهم من حيث الطريقة والآلية والأسلوب والألفاظ والأداء، ولكن لا يكون أبدا عقابهم بهذه القسوة المنزوعة من الإنسانية! من أجل اختلاف أو حتى من أجل خلاف!
وتذكروا أنكم أفرجتم عن مرتكبى جرائم بشعة من نظامين سابقين «مبارك والإخوان»، لا تقارن أبدا بما فعله هؤلاء الشباب لو فرضنا أنهم أخطأوا!

فهل تعتقدون أن هؤلاء الشباب هم الآن يمثلون خطرا على الدولة ويهددون الأمن العام ويضرون هيبة الدولة! لا أعتقد، فهناك من هم أخطر يضعون هيبة الدولة فى التراب، ويجعلون العالم يسخر منا، ويبثون سمومهم كل ليلة على شاشات الإعلام، ويقتلون وعى شعب وأجيال كاملة، ويحرضون على الفتن والانقسام والتخوين دون أدنى دليل، وينتهكون الأعراض والحرمات، وبرغم ذلك نجدهم متروكين يستمرون فى جرائمهم دون أدنى عقاب، بل على العكس التكريم يكون من نصيبهم! وسيكون لهم ضحايا قريبا يموتون قهرا من ظلم وتشويه للسمعة وافتراء وتذكروا كلمتى هذه لكم!

أتعلمون أين أغلبية الشباب الآن الذى شارك فى ثورتين من أجل وطن أفضل؟ فى السجون، خارج البلاد أو يسلكون كل الطرق ليغادورا البلاد، يجلسون على الكنبة ليشاهدوا وهم يعتصر قلبهم حزنا. إذا كان هذا هو هدفكم فاعلموا أنكم نجحتم، ولكن تذكروا أن هناك أجيالا جديدة قادمة ورثت قيم الحرية والنضال من أجيال دفعت الكثير من أجل هذه القيم! وإذا كان ذلك ليس هدفكم وهو خطأ جسيم نتيجة لسياسات خاطئة ومتخبطة أدت إلى ذلك، فاعلموا أن الوقت ما زال متاحا لتمدوا يدكم وتطلقوا سراح هذا الجيل، وتعطوا مثالا لأجيال قادمة أكثر حرية وأطول نفسا.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

عيد ميلاد علاء مرسى.. تميز بحسه الكوميدى و2025 وش الخير عليه

الأهلى يبدأ رحلة تمديد وتعديل عقود اللاعبين لإغلاق باب العروض الخارجية

طلاب العلمى بالثانوية العامة يبدأون امتحان الكيمياء والجغرافيا للأدبى

نانت يعاقب مصطفى محمد بالبيع بعد رفض دعم المثلية

صفحات الغش تزعم تسريب امتحان الكيمياء للثانوية.. والتعليم: غير صحيح


فيفا يخطر اتحاد الكرة بتواجد 21 لاعبا بقائمة منتخب الناشئين لكأس العالم

الطقس اليوم الخميس 3-7-2025.. أجواء شديدة الحرارة وشبورة ورطوبة مرتفعة

الكويت: التنمية المستدامة لا تتحقق دون سلام

بشاير المانجا.. فاكهة الصيف تبدأ غزو الأسواق من الأقصر.. صور

3 يوليو شهادة وفاة الجماعة الإرهابية ونهاية حكم المرشد.. الشعب يشهر الكارت الأحمر والجيش ينحاز لصوت الوطن.. بيان القوات المسلحة يرسم ملامح الجمهورية الجديدة.. سياسيون: ثورة مكتملة الأركان أنقذت مصر من مصير مظلم


الأهلى يترقب رد سيراميكا على صفقة أحمد هانى

السرقة.. جريمة تهدد المجتمع والداخلية تلاحق الجناة بلا هوادة

عيادات الموت.. تفاصيل ضبط مهندسة وسكرتيرة انتحلتا صفة طبيبة تجميل

كيلو السمك بـ30 جنيه بس.. قرية البشندى بالوادى الجديد تحصد الدفعة الثانية من مزرعة الأسماك الحكومية.. طرح المنتجات للمواطنين بأسعار مخفضة.. ورئيس المركز: خطة لتعميم التجربة فى القرى لتحقيق الأمن الغذائى.. صور

موسم خامس لمسلسل The Bear بعد أيام من طرح الموسم الرابع

جبانة الشاطبى الأثرية تروى قصة الحضارة اليونانية فى مصر القديمة.. أنشئت عام 232 قبل الميلاد بالإسكندرية.. اكتشفت بالصدفة وصدر قرار بترميمها 2019.. وتم افتتاحها رسميا لتكون ضمن تاريخ عروس البحر المتوسط.. صور

محمد الننى ضمن أفضل 12 لاعبًا أفريقيًا فى تاريخ أرسنال

تريلا تحطم وتدهس 7 سيارات على الطريق الدائرى بالمعادى.. صور

مسرح سوكسيه.. مشروع أشرف عبد الباقي الجديد بالساحل الشمالي

معلومة قانونية.. متى تحفظ النيابة القضايا وكيف يتم الطعن عليها؟

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى