بين المجاهرة والشرعنة

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف
بقلم - د. محمد على يوسف
ليس من إنسان على وجه الأرض اليوم لا يخطئ أو يضعف أحيانا فيقترف معاصى وآثاما يتمنى من الله أن يتوب عليه فيقلع عنها ولعله يندم أشد الندم إذا فرغ منها وزالت لذتها وانقضت متعتها. هذا الإحساس بالندم وعدم التفاخر بالذنب كثيرا ما يكون- بإذن الله- طريقا إلى التغيير للأفضل والمعافاة من ذلك الذنب وإصلاح ذلك الخطأ مهما بلغ قدره. المشكلة الحقيقية تكمن فى أمرين رئيسيين: المجاهرة والشرعنة، أما المجاهرة بالذنب والتبجح بالخطأ فيكاد يكون تصريحا وعلامة على استحلال المخطئ للخطأ والتمادى فيه لدرجة التفاخر به. المجاهر بالذنب لا يكتفى بذنبه المقصور على نفسه بل يجعله متعديا يفتن به غيره ويهون خطورته ويقلل من أثره بين الناس ولعل ذلك سبب تلك القاعدة النبوية المحكمة الحاسمة: «كل أمتى معافى إلا المجاهرين» رواه البخارى، ذلك لأنهم لا يجدون غضاضة من استعلانهم بالذنب ويكون فى ذلك نوعا من الترويج له واستحسانه فى قلوب المستمع، خاصة إذا كان المجاهر المستعلن فى مقام القدوة لدى البعض، لذا ضرب النبى مثلا فى باقى الحديث لهذه الأصناف، فقال صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ»، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ» ومما حفظ الناس من كلام النبوة الأولى: «إن لم تستح فاصنع ما شئت». الشريعة حضت دوما على الحياء والستر وهؤلاء المجاهرون يأبون ذلك ويصرون على المباهاة بخطاياهم بدلا من أن يستتروا بها فجمعوا مع خطئهم إصرارا واستكبارا وإفسادا لغيرهم وصار رجوعهم عن تلك الأخطأ أصعب وأشق.

أما المشكلة الثانية- والأخطر- فهى شرعنة الخطأ وتطبيع الذنب وتقليل حرمته فى القلوب شيئا فشيئا وتغليف ذلك بأطر شرعية متعددة، من تلك الطرق ادعاء وجود الخلاف أو تسويغ ذلك الخلاف، إن وجد، وتكلف افتراض المصلحة الراجحة فى فعل هذا الخطأ وكثيرا ما ينتهى هذا الطريق بما ادعاه الأولون حين اقترفوا فواحشهم فقالوا «والله أمرنا بها»: «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» «سورة الأعراف: 28» وأحيانا يسترون تقصيرهم والخلل الذى عندهم باصطلاحات شرعية وألفاظ دينية كالعورة والفتنة مثلا، هذان اللفظان اللذان استعملهما المنافقون فى حديثهم عن أسباب تخلفهم عن جيش رسول الله «إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ» هكذا برروا تخاذلهم عن الدفاع عن المدينة فى مواجهة الأحزاب وذلك أثناء غزوة الخندق الشهيرة والعورة لفظ شرعى وحكم إسلامى له وقع مألوف فى نفوس المؤمنين، هذه المرة علة التخاذل مصبوغة بصبغة شرعية ترهب أى رافض لها، إياك أن تتكلم أو تعيب عليهم لقد صدروا علة شرعية لتسكت وترضى بما يفعلون «إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ» لقد جعلوا لفظ العورة ذريعة للقعود لستر هذه العورة المزعومة، لكن يأتى الرد كاشفا «وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ» دعكم من هذا التلبيس واستعمال الألفاظ الشرعية الملجمة، ما هى بعورة وما هم إلا كاذبون جبناء يبررون خورهم والحقيقة أنهم (إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا) هذا هو الواقع الذى كثيرا ما تلبس بثياب الشرع والحكمة أو تدثر بدثار المصطلحات المختلفة، ولقد فعلوا مثل ذلك يوم تبوك حين قال

بعضهم للنبى: «ائذن لى ولا تفتنى» فجعلوا الفتنة، وهى هاهنا فتنة النساء حجة للقعود حتى لا يفتنوا بنساء الروم الشقراوات! هكذا زعموا وتحججوا فرد الله على دعواهم فقال: «ألا فى الفتنة سقطوا» وهكذا تتنوع الحجج والمعاذير وينساق الناس إلى الاصطلاحات التى استعملت لتغطية الحقيقة، بينما تكمن الخطورة الحقيقية فى كون الغطاء المستعمل فى تلك الحالات هو غطاء شرعى، من هنا يستمر التمادى فى الخطأ وبين المجاهرة والشرعنة تضيع محاولات الإصلاح ويبتعد الحل ذلك الذى كثيرا ما تكون بدايته أن يعترف الإنسان أصلاً بأن لديه مشكلة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هل تكون مباراة البنك الأهلى آخر لقاءات حامد حمدان بقميص بتروجت؟

كيف يساهم القطاع الخاص العالمي في مضاعفة صادرات المنسوجات المصرية؟.. طرح عدد من مصانع المحلة وشركات القابضة للغزل والنسيج لمشاركة القطاع الخاص تعظم الإنتاج وترفع مستوى الجودة.. وترحيب حكومي بالشراكة الدولية

عريس الأهلى يظهر فى التتش بعد انتهاء إجازة الزواج

سبورتنج يفوز على الأهلى ويتوج بكأس سوبر كرة السلة سيدات

اعترافات قاتل صديقه فى الإسكندرية: دفنت رأسه أسفل قاعدة حمام


التشكيل المتوقع لمنتخب مصر أمام زيمبابوى.. عاشور وزيزو وصلاح أساسيين

آثار اعتداء دون جروح.. تقرير الطب الشرعى يوضح حالة سارة خليفة

قاتل صديقه بالإسكندرية: تخلصت من الجثة وجلست على مقهى وتناولت رغيف كبدة

حسن مصطفى يحصد 129 صوتا ويفوز برئاسة الاتحاد الدولى لكرة اليد للمرة السابعة

إيمى سمير غانم تكشف كواليس اختيار أسماء أبنائها مع حسن الرداد


الطقس غدا.. أجواء شديد البرودة وشبورة كثيفة والصغرى بالقاهرة 12 درجة

موعد انطلاق مباراة مصر وزيمبابوى فى بطولة كأس أمم أفريقيا 2025

تردد القنوات المجانية الناقلة لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025

موعد مباراة المغرب ضد جزر القمر فى افتتاح أمم أفريقيا والقنوات الناقلة

ناصر البرنس يلتقي بشقيقه بعد حرق نفسه: كل دا عشان ما عزمتوش على الافتتاح

فريدة سيف النصر تنعي سمية الألفي بكلمات مؤثرة وتسرد ذكرياتهما معاً

وزيرة التضامن: دعم تكافل وكرامة قد يصل إلى 4000 جنيه للأسرة الواحدة

التفاصيل الكاملة لحادث سقوط سيارة نقل من أعلى الدائري واحتراقها.. فيديو وصور

قاتل صديقه بالإسكندرية: خبرتى فى الجزارة والذبح سهلت على تقطيع جثته

موعد حفل افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى