حــســـــن زايــــد يكتب: العصافير الملونة

عصافير - أرشيفية
عصافير - أرشيفية
أخشى ـ عادة ـ اللحظات المفصلية. أهرب من آلامها المبرحة، إلا تلك اللحظات المفصلية، بين الليل والنهار، فى الغزوة اليومية المتبادلة، بين ظلمة الليل، وضوء النهار. يحلو لى أن أزرع شوارع المدينة جيئة وذهابا، خاصة فى غبشة الفجر، حيث تخلو الشوارع من المارة، وتتوارى الكلاب والقطط فى أماكن مجهولة، والطيور تهجع فى أوكارها، ولا أسمع سوى نقر كعب حذائى على الرصيف المبلل بمياه المطر، تتراقص على ايقاعه أضواء المصابيح التى تتصدر واجهات المحلات المغلقة. نسمات الهواء الطرية تسبح فى مواجهتى من ناحية البحر، كأنما اغتسلت بماء المطر، وتطهرت، وتطيبت بأعطار الندى. هممت أن أجرى فاتحاً ذراعى، محتضناً نسمات الهوى بصدرى. نقرات الحذاء على الأسفلت تحدث إيقاعاً ـ راقصاً ـ متسارعاً، كأنما دخلت فى سباق مع نقرات آلة الزمن. لم أتمكن من الإجابة حين باغتنى السؤال: لماذا تجرى؟. أخشية من الفوت؟ أم هرباً من مطارد ؟. لا أدرى. وجدتنى جالساً وحيداً على تلك الرخامة الباردة، وليت ظهرى للمدينة بأشباحها الأسمنتية الشاهقة، ميمماً وجهى شطر البحر، أنظر بعيون شاخصة موجات البحر القادمة من بعيد، تتسارع حتى ترتطم بالحواجز الأسمنتية، فتتكسر على أعتابها، كأنما تبدأ حياتها من رحم البحر، وتأتى إلى هنا لتنتحر. بدأت الأفكار تداعب ذهنى، تحاول الإمساك به، وهو يفر منها، مستمتعاً بحالة الفراغ المهيمنة عليه. شخصت عيناى بعيداً بعيداً، حيث تلتصق السماء، بماء البحر، وتختلط السحب الداكنة بالأمواج، حيث لا أرض، ولا حواجز أسمنتية صلدة. وإذا بمشهد العصافير الملونة يقفز أمام عينى من جديد. تحمله الأمواج الصغيرة المتدافعة القادمة من المجهول، من عند تخوم العالم، حيث تلتصق السماء بماء البحر، عصافير محبوسة داخل قفص سلكية، كى نستمتع لرؤيتها، نطعمها ونسقيها ونحبسها داخل أقفاص. تطرب آذاننا لتغريدها بكاءً أو طرباً. لا نهتم. ألوانها مبهجة، وهذا سر شقاؤها. بالأمس القريب كمشت العصفورة وانزوت، وامتنعت عن الطعام، كأنها دخلت إضراباً مفتوحاً عنه. حملتها فى قفصها، وتوجهت بها إلى بائع العصافير، وبعد أن فحصها، نصحنى بالتوجه بها إلى الطبيب، ففعلت، وبعد أن فحصها هو الآخر، كتب الروشتة، ودلنى على أجزخانة. ونصحنى بعزلها عن الذكر طوال فترة العلاج. فأومأت بالموافقة. توجهت إلى البيت، وما أن دخلت إلى البلكونة، حتى وجدته يقفز من ركن إلى ركن، ويصدر صفيراً طويلا زاعقاً. فلم أعبأ لمشاعره، ولم أكترث لثورته. وجلست أرعى العصفورة المريضة، وبالأمس وبعد أن تناولت الأدوية، وجدتها قد تشنجت، فظننت أن ذلك عرضاً للعلاج، فأسرعت بوضعها فى القفص، فزادت حالة التشنج، ثم دفنت رأسها، وهدأت حركتها، وهمدت أنفاسها، وسكنت. حركتها بأصبعى فلم تستجب، وقد تخشب جسدها. ذهب جمالها بعد أن غاضت عنها الحياة. حملتها، وتوجهت بها إلى العصفور، وكأنى به قد هدأت حركته، وكف عن الصراخ، وهو ينظر ناحيتى وناحيتها. آثرت أن أحفر لها قبراً، وأدفنها، بعيداً عن القطط والكلاب المتنمرة، فذهبت إلى شاطئ البحر، ثم حفرت حفرة صغيرة بيدى، ودفنتها، وردمت عليها بالرمال، وكأنى أشعر تجاهها بالامتنان، لقاء ما شعرت به من متعة وسرور كلما شخصت إليها ببصرى.
أجدنى لا يفصلنى عنها سوى أمتار قليلة، أنظرها والأمواج تحملها من بعيد، ثم تأتى بها مسرعة من رحم البحر فى اتجاه الحاجز الأسمنتى الصلد، الفاصل ما بين البحر، وتلك المدينة ذات المبانى الأسمنتية الشاهقة. وقبل أن ترتطم، أغمض عينى وانصرف.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الآن نتيجة الدور الثانى للشهادة الإعدادية لمحافظة سوهاج بالاسم ورقم الجلوس

الرئيس السيسى يصل مطار نيوم بالسعودية والأمير محمد بن سلمان فى استقباله

حكومة الأردن: مصر الشقيقة الكبرى.. والرئيس السيسى والملك عبد الله ضمانة أمن الإقليم

الأعلى للإعلام يمنع مصطفى يونس من الظهور الإعلامي 3 أشهر فى شكوى الأهلى

إيما لاين تعلن انطلاق تصوير أحدث أعمالها مسلسل لينك.. صور


مكالمة دعم وحب من كريم عبد العزيز لزوجته آن الرفاعى بعد شائعات انفصالهما

استشهدت بـ"ياسمين تخلى الحجر يلين".. دعوى جديدة تطالب بحجب “تيك توك”

أمن البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة فى نيويورك يتصدى لمحاولة اقتحام من مخربين

موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

كشف ملابسات تداول فيديو لمتهمين بترويج مخدرات فى المرج


بين الخيانة ورسائل الكراهية.. خلاف ألبانيز ونتنياهو يتحول لـ"إهانات شخصية"

وفاة فرانك كابريو.. سر الشعبية الجارفة للقاضى "الأكثر لطفاً فى العالم"

التشكيل المتوقع للزمالك أمام مودرن سبورت فى مباراة اليوم

علشان تختار لولادك صح.. الفروق بين نظام البكالوريا والثانوية العامة

القصاص العادل.. تفاصيل إعدام قتلة الإعلامية شيماء جمال بعد 3 سنوات من الجريمة

قانون الإيجار القديم 2025.. بند جديد يمنح المالك حق الإخلاء الفورى دون إنذار

حملة رياضية كبرى لعزل إسرائيل ودعم سكان غزة.. ومحمد صلاح يتصدر المشهد

مفاجأة فى عينة تحليل المخدرات لسائق حادث كورنيش الشاطبى بالإسكندرية

تنفيذ حكم الإعدام فى دبور "سفاح الإسماعيلية"

الأهلى يعقد جلسة خاصة مع ريبيرو لحسم مصير أحمد عبد القادر

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى