طارق ناجح يكتب: الحلم مستمر

ورقة وقلم
ورقة وقلم
ضاق به الحال فى القاهرة المكتظة بأهلها وبغير أهلها.. القادمون من الأقاليم وأقصى الصعيد باحثون عن حلم ضائع وزحام يبتلع همومهم ومآسيهم.. هاربون من جحيم الفقر وشر السؤال.. وأفواه مفتوحة تريد أن تشبع خبزًا.. وأجساد مرتعشة من برد الشتاء.. تلتمس الدفء فى جلباب وغطاء، إنه واحد من هؤلاء القادمين البائسين الباحثين عن كسرة خبز وبقايا ثوب لأمه وأخواته. ولكن لم يحالفه الحظ فى المدينة الكبيرة، جلس على أحد المقاهى الكائنة فى أحمد حلمى يحتسى الشاى. أخرج من جيب قميصه المفكرة والقلم اللذان لا يفارقانه أبدًا منذ أن ترك مدرسته الثانوية ولم يستطع أن يكمل تعليمه بكلية التجارة جامعة أسيوط.. ومن أين له بمصاريف الدراسة والإقامة بعد أن توفى والده العامل البسيط وترك له خمسة من الأخوة والأخوات الأصغر منه ووالدته. أخرج سيجارة من الأربعة (الفرط) التى ابتاعها للتو.. وأخذ يقلب فى مفكرته حتى وجد رقم تليفون سعد، أحد أبناء قريته والذى تربطه به صداقة، وهو يعمل بأحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان، أخرج من جيبه تليفونه المحمول عتيق الطراز والذى أعطاه له دكتور شهير بمصر الجديدة كان يقوم بنقل بعض المنقولات لشقته، ضرب الرقم ورد عليه سعد.. وبعد السلامات والتحية والأشواق.. شكا له عزيز سوء الحال.

عزيز: مالقيش عندك شغل يا سعد فى المصنع اللى أنت فيه أو أي مصنع تاني؟
سعد: هما حاليًا عايزين ناس فى المصنع اللى أنا فيه.. تعالى اشتغل وحط رجليك فى المكان.. بعد كده دور على شغل تانى براحتك.
عزيز: خلاص ماشى أنا جايلك النهاردة
سعد: وأنا هستناك.. لما توصل "الأردنية".. موقف الأتوبيس فى العاشر.. كلمنى وأنا هاجيلك أو هاوصفلك تجيلى أقرب مكان ليه.
عزيز: خلاص.. سلام.
أكمل عزيز كوب الشاى حتى الرشفة الأخيرة ولفظت السيجارة أنفاسها الأخيرة حتى كادت أن تحرق أصابعه. أحكم ربط الحبل على بطانيته القديمة والتى تحوى بداخلها كل ما يملك من حطام الدنيا من ملابس رافقته خلال الستة السنوات الأخيرة من حياته. أخرج من جيبه قطعتين معدنيتين فئة الواحد الجنيه ووضعها فى يد القهوجى.

اتجه إلى موقف الميكروباص المواجه للمقهى وسأل عن الميكروباص المتجه للعاشر من رمضان.. أشار له أحد السائقين على أحدها.. اتجه إلى الميكروباص الذى يحتل مقدمة الصف وبه بعض الركاب.. وقبل أن يضع قدماه داخل الميكروباص سأل عن الأجرة فأجابه أحد الركاب بأنها ثمانية جنيهات. ركب وهو يحمد الله أن معه ما يكفى الرحلة، وبعض جنيهات إضافية تكفيه عشاء الليلة من طبق فول ورغيفين وربما أيضا إفطار الغد.. وقد قال له سعد عبر الهاتف إنه يمكنه أن يتعامل بالآجل مع دكان البقالة القريب من مسكنهم حتى يحصل على مرتبه أول الشهر.

تحرك الميكروباص محاولاً أن يشق طريقه وسط زحام القاهرة القاتل.. وما أن وصل الدائرى حتى بدأ عزيز يأخذ نفسًا عميقًا.. فهو يشعر بنشوة وسعادة لا يدرى سرها عندما تنطلق به سيارة أو قطار.. فكأنما روحه تنطلق أيضا معها وتكاد تسبقها أحيانًا.. خاصة لو لمكان جديد لم يشتم رائحته من قبل.. ولم تصافح أقدامه شوارعه ومقاهيه.

مضت ما يقرب ساعة من الزمن حتى وصل "الأردنية"، وقبل أن يعاود الاتصال بسعد نظر ذات اليمين وذات اليسار.. وهو واثق من أنه سيجدها.. وهى واقفة بزيها الأحمر الشهير، ملتفًا حولها العديد من عشاقها.. وإن شئت قل دراويشها.. سأل عنها صاحب أحد المحلات فأشار بأصبعه ناحيتها.. فوجدها واقفة كعادتها وسط عشاقها ومحبيها، فسار نحوها مسرعًا وكأنه لم يرها منذ سنوات، على رغم من أنه رأها هذا الصباح.. وعندما اقترب منها جدًا.. قال: واحد فول بالزيت الحار وحياة أبوك!

وبعد أن مسح الطبق بآخر لقمة فأصبح الطبق صالح للاستخدام مرة أخرى دون غسيل.. اتصل بسعد صائحًا: أيوه يا سعد.. أنا فى الأردنيه.. اعمل ايه

سعد: اركب ميكروباص خط 6.. وأنزل عند النادى اللى قصد المجاورة 66.. وأنا هاجى اخدك
وعندما وصل عزيز كان سعد فى انتظاره، وأخذه إلى الشقة التى يقطن فيها مع 6 من زملائه وأصبح هو صاحبهم الثامن.. استلقا على مرتبة موضوعة على الأرض.. وبينما رفاقه يتحدثون معه راح فى ثبات عميق.. وإذا بكل مشاكله وهمومه تتلاشى فى أحلامه.. ويصبح إنسان آخر.. يعمل بأجر يصون كرامته ويكفى ضروريات عائلته.. يكمل تعليمه ويرتبط بفتاة جميلة رقيقة، تحبه ويحبها.. ويعيش حياة عادية هادئة.. مجرد حياة عادية أو حتى أقل من العادية .. ياله من حلم جميل يعيشه كل ليلة.. يهبه الأمل والقوة ليعيش يوم آخر من القلق والتوتر والمعاناة.. وهو يدعو الله أن يأتى الليل سريعًا حتى يعيش حلمه.. وكأنما الحلم بالنسبة له أصبح حقيقة.. والحقيقة أصبحت كابوس.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الزمالك يترقب عروض يناير لحسم مصير حسام عبد المجيد ومحمد السيد

الأهلى يدرس غلق ملف تمديد تعاقد أليو ديانج.. اعرف التفاصيل

الطقس اليوم.. أجواء باردة وأمطار وشبورة والصغرى بالقاهرة 13 درجة

اليوم.. بدء التشغيل التجريبى لمحطة هاتشيسون بميناء السخنة

القنوات الناقلة لمباريات كأس أمم أفريقيا 2025 بمشاركة منتخب مصر


مواعيد مباريات الجولة الثانية في كأس عاصمة مصر

التضامن تبدأ صرف مساعدات تكافل وكرامة لشهر ديسمبر 2025.. اعرف المنافذ

تعرف على أرقام جروس مع الزمالك فى ذكرى عودته لخوض الولاية الثانية

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى الجولة الثانية بكأس عاصمة مصر

موعد مباراة الزمالك ضد حرس الحدود فى كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة


كأس العرب 2025.. موعد مباراة المغرب والإمارات والقنوات الناقلة

سيدة مُسنة تحاصرها مياه الفيضانات فى أسفى بالمغرب.. فيديو

العوضى يحتفل بعيد ميلاده بتوزيع 300 ألف جنيه ويعلق: السنة الجاية مع المدام

مواعيد مباريات منتخب مصر فى أمم أفريقيا 2025

محاميه طلب البراءة.. الجنايات تكشف سبب عقوبة المعتدى على الطفل ياسين؟

حالة الطقس اليوم الإثنين 15 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار غزيرة بهذه المناطق

الإدارية العليا تنظر 31 طعنًا على نتائج 19 دائرة ملغاة فى انتخابات النواب.. غدا

موعد بدء تطبيق المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحى الشامل فى 5 محافظات

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى