تيار «عروبى» جديد (2–2)

عمار على حسن
عمار على حسن
بقلم - عمار على حسن
من الضرورى أن يؤمن «القوميون الجدد» تماما بالحرية، ويعلموا أن غيابها ساهم فى تردى أحوال النظام العربى، وساعد على ارتفاع درجة قابليته للاستعمار. كما أن عليهم أن يوجهوا جهدهم أولا إلى ترتيب البيت العربى من الداخل، حجرة حجرة، أو دولة دولة، عن طريق المضى قدما فى الإصلاح السياسى والاقتصادى والثقافى. فالديمقراطية أول علامات النجاح على إمكانية استعادة العرب حيويتهم فى النظام الدولى، لأنها ستجعل القرار فى يد الشعوب، وليس فى أيدى سلطات مستبدة، أو «ملوك طوائف جدد» باعوا السيادة الوطنية والاستقلال من أجل البقاء فى الكراسى أطول فترة ممكنة، وفسدوا وسرقوا مقدرات الأوطان وثرواتها، ودفعوا العقول العربية النابهة إلى نزيف منظم، أو خمول مزمن. وحيال هذا الوضع الشاذ بات التجديد السياسى «فرض عين» أمام العرب، وإلا مات مشروعهم القومى، المتيبسة مفاصله، والمدفوع عنوة إلى معركة غير متكافئة نسبيا، مع مشروع إقليمى شرق أوسطى، الذى وإن خفت الكلام عنه نسبيا فى الوقت الراهن، فإن تنفيذه ماض فى طريقه المخطط له، من دون هوادة ولا تراجع.

والتجديد السياسى يعنى فى المقام الأول مفارقة مثالب الأيديولوجيات، التى اعتنقتها تيارات قومية عربية عدة، على مدار القرن العشرين، وفى مقدمتها «الناصرية» و«البعثية»، وامتلاك رؤى وتصورات خلاقة قادرة على التكيف من واقع جديد، يختلف كلية، عن ذلك الذى مثل سياقا دوليا ومحليا للحركة والتفكير القومى العربى قبل أكثر من نصف قرن تقريبا. ويحتاج هذه التجديد إلى أمرين أساسيين، الأول هو رؤية يبلورها مفكرون قوميون عرب، ينتمون إلى مختلف المدارس السياسية العربية التى يجمع بينها الإيمان بفكرة «العروبة»، وإن اختلف جدول أولوياتها حول القضايا المحلية والدولية الراهنة، وحول ترتيب سلم القيم السياسية، كأن يقدم البعض الحرية على المساواة، أو العكس، أو يرى آخرون أن العدالة هى القيمة الأولى بالرعاية.

والثانى هو إيجاد مجتمع عربى يؤمن بهذه الرؤية ويطبقها فى الواقع المعيش. فكثير من الأفكار ماتت بين أضابير الكتب، مهما كان حد اكتمالها وحيويتها، بينما نجح من حازوا قدرة على الحركة، حتى إن لم يمتلكوا رؤية سياسية وفكرية مكتملة الأركان، قوية الحجة، فى أن يحشدوا وراءهم جماهير غفيرة، حملت الراية من جيل إلى جيل، وعملت على تطوير التفكير السياسى، أو ترميم إطار عام للحركة، بما يجعلها أكثر ملاءمة لواقع يتجدد باستمرار. ويمكن هنا أن نضرب مثالا دالا فى تاريخنا الحديث على هذا الأمر، فقد غابت التعبئة الجماهيرية وراء أفكار جليلة وعظيمة للإمام محمد عبده، انصرف فيها إلى التوفيق بين العروبة والإسلام بأدلة قوية الحجة وبراهين ناصعة، ضمن مشروعه الفكرى العميق القائم على تجديد الفقه الإسلامى، وإعلاء فهم رسالة التوحيد، ما أدى لغياب أى جمهور اجتماعى لأفكار الإمام سوى أفراد من النخبة الفكرية والدينية المستنيرة.

على النقيض من ذلك اهتم حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان» بحشد الناس حول تصوراته البسيطة والسطحية، التى رمت فى جزء منها إلى استعادة «الخلافة الإسلامية» على حساب التفكير العروبى، وساهمت بذلك فى جدل طويل حول «العروبة» و«الإسلام» كانت حدته قد بدأت تتراجع منذ تدشين «المؤتمر القومى - الإسلامى» فى مطلع تسعينيات القرن المنصرم، ثم أخذت تشتد من جديد بعد استغلال الإسلام السياسى للثورات العربية، فى محاولة تحقيق مشروعه الذى لا علاقة له بمن أطلقوا هذه الثورات ولا بمبادئها وشعاراتها. لكن حشد الجماهير يتطلب أولا وجود فكرة يتبناها تيار سياسى يسعى إلى إنقاذ الوطن العربى، بانتشال الوحدات المكونة له، وهى الدول القطرية، من التخلف السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى الذى تعيشه حاليا. فإذا تعافت الأجزاء أصبح بوسع «الكل العربى» أن يتفاعل على أرضية جديدة جيدة، بما يحصن الدول العربية ضد الهجمة الاستعمارية الحالية، أو على الأقل يجعلها فى منعة من الضغط الخارجى القاسى، الذى يرمى أساسا إلى هضم العرب فى استراتيجيات وضعها غيرهم لخدمة مصالحهم، واستغلوا الثورات والانتفاضات الشعبية فى تحقيق هذا الهدف.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"إنت الوحيد".. أغنية من كلمات وألحان تامر حسني في ألبومه بتوقيع شريف مكاوي

محمد صلاح يتفوق على يامال وفينيسيوس في سباق أفضل أجنحة العالم

منة القيعى بين "يا بخته" مع الهضبة و"كلام فارغ" مع أصالة

المقاولون العرب يقترب من ضم ثنائي كهرباء الإسماعيلية في الميركاتو الصيفي

غدًا.. انتهاء ماراثون امتحانات الثانوية العامة 2025


للأزواج.. إجراء بمحكمة الأسرة لو زوجتك طالبتك بنفقات غير مستحقة

اختبارات القدرات 2025 تبدأ السبت.. هل يمكن استرداد الرسوم حالة الرسوب؟

الجبهة الوطنية: القائمة الوطنية تضم كوادر وكفاءات تثرى مجلس الشيوخ القادم

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025


أخبار × 24 ساعة.. الإسكان: طرح كراسات شروط حجز 113 ألف شقة 15 يوليو

أيمن الرمادى: القبانى أخطأ فى تصريحاته ضدى وأنا مش زعلان منه

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

الزمالك يكرم أيمن الرمادى بعد التتويج بكأس مصر

بتروجت: علاقتنا قوية مع الزمالك ولكننا متمسكون باستمرار حامد حمدان

منتخب 20 سنة يواصل برنامجه التدريبى.. ونبيه يشيد بالروح الجديدة

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

الخارجية الأمريكية: ترامب متفائل بشأن التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة

بطل من الحماية المدنية.. يصر على عدم النزول من السلم حتى إخماد حريق سنترال رمسيس

استمرار التسجيل فى مسابقة دولة التلاوة عبر منصة وزارة الأوقاف حتى 8 أغسطس.. فيديو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى