سلام عليك يا سيدى

إبراهيم عبدالمجيد
إبراهيم عبدالمجيد
فى عام 1978 بينما أنا بعيد عن الوطن مثل كل الشباب ذلك الوقت للعمل، وجدت خبر وفاة الدكتور عثمان أمين، أستاذ الفلسفة الحديثة فى جامعة القاهرة وزائر كلية الآداب بالإسكندرية منذ الستينيات، ومن ثم أستاذنا فى بداية السبعينيات. تداعت علىّ ذكريات حلوة مع الرجل، ذكرت بعضها هنا مرة فى مقال عن أساتذتى الذين لا أنساهم. ذلك المفكر الكبير الذى كان حرا يؤمن بحرية الإنسان. يعادى مذاهب فلسفية مثل الوضعية المنطقية، لما يراه فيها من براجماتية ونفعية والوجودية بما يراه فيها من ضعف بشرى يشطح ليكون لنفسه مذهبا هو «الجوانية»، أى التأمل وليس الوقوف عند ظاهر النصوص، ولا يضايقه نقد الآخرين الذين اعتبروها طريقة تفكير وليس مذهبا قائما بذاته. والأهم لايضايقه أن نكون نحن الطلبة اليساريين ذلك الوقت أهم تلامذته، بل يمضى معنا نصف الليل بعد انتهاء محاضرته فى الساعة السابعة مساء. على رأس ما تعلمناه منه هو الحرية التى كان يراها قد ضاعت فى مصر منذ ثورة 1952، ويتأكد ضياعها مع إعلان السادات نفسه كرئيس مؤمن ومصر إسلامية كأننا كنا كفارا وتشجيع الدولة للأفكار الوهابية. وهكذا كتبت مقالى السابق منذ أسابيع أشير من بعيد إلى تردى حال التعليم العالى، ضاربا المثل على عظمة التعليم زمان باسأتذة كانوا يشجعوننا على البحث أكثر مما يشجعوننا على قراءة كتبهم. ثم قرأت أخيرا خبر حرق الكتب فى مديرية تعليم الجيزة. فعلها المتعلمون جاهلين أن هذا فعل فاشى فى التاريخ. فعل لايدعو إلى المباهاة بالتصوير والنشر أبدا. لا يختلف من فعل هذا باسم التقدم وتنقية الكتب عن الإرهاب الفكرى وعن داعش والإرهابيين. ببساطة كان يمكن أن يحمل الكتب بعيدا عن المدرسة ويمضى، لكن لابد من التباهى بالعبث. يختلفون الآن فيما نشرته الصحف من عناوين الكتب وما حرق فعلا، لكن المهم الفعل نفسه وحماقته. والأهم أننى تذكرت الآن أستاذى العظيم. أحسست به يتململ فى تربته. لقد أحرقوا كتابه عن جمال الدين الأفغانى ولم يقرأوه ولا أظنهم إذا قرأوه سيفهمونه. قالوا إنه يهاجم جمال الدين الأفغانى وهو الذى يعتبره أحد الأربعة الكبار رواد الفكر الإسلامى مع محمد عبده والكواكبى ومحمد إقبال، لكن لا يعنى ذلك عدم مناقشة أفكاره. هكذا بدت ثقافة من قرر ذلك غائبة. لا يعرفون أن عثمان أمين الذى كتب عن محمد عبده وديكارت وترجم لديكارت أيضا أهم الكتب لا يرى ولاء إلا للعقل والحرية. لن أعلق على أى كتاب آخر، وإن كنت أعرف أن بينها كتبا تافهة حقا مثل كتب أنورالجندى الذى حمل لواء الهجوم على العقل والتفكير فى السبعينيات وجعل من طه حسين كافرا خارجا عن الملة، لكن التسوية بين أنور الجندى وعثمان أمين جهل كبير وفعل الحرق لكتب الاثنين بربرية بلهاء. الحديث طويل، لكنى أريد أن أعتذر للرجل العظيم رافع لواء العقل والحرية عثمان أمين. سلام عليك يا أستاذى، فطعم الحوار الرائع بيننا كل مساء، ونحن حولك لايزال يجرى فى دمى بالفرح. لا تلمنا، صرنا غرباء فى أوطاننا منذ أن نبهتنا لذلك، لا تلمنا يحاصرنا الجهل فى الأرض والفضاء.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تحذير هام من الشبورة المائية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025

بعثة منتخب مصر تصل المغرب استعدادا للمشاركة فى بطولة أمم أفريقيا

مانشستر سيتي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة بثنائية أمام برينتفورد

لماذا تعجل فيفا فى إيقاف قيد الزمالك؟ السر فى صفقة شيكو بانزا

مراسم تتويج باريس سان جيرمان بلقب كأس القارات للأندية.. فيديو


باريس سان جيرمان يتوج بكأس إنتركونتيننتال على حساب فلامنجو بركلات الترجيح

باريس سان جيرمان ضد فلامنجو للأشواط الإضافية بتعادل إيجابى 1-1.. فيديو

قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

أهداف مباراة منتخب مصر واليابان الودية مواليد 2009.. فيديو

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا


أحمد صلاح: لا توجد نية لاعتزال الكرة الطائرة فى الوقت الحالى

باريس سان جيرمان بالقوة الضاربة أمام فلامنجو فى نهائى كأس القارات

رويترز: المملكة المتحدة تعفى حقل ظهر من العقوبات المفروضة على روسيا

الرئيس السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

مجلس الوزراء يوافق على 14 قرارا خلال اجتماعه اليوم.. تعرف عليها

تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص

إضراب الأطباء يكلف بريطانيا ربع مليار إسترلينى.. ووزير الصحة يعتذر.. ما القصة؟

السلامى فى رسالة نارية للمغرب: الأردن يملك مقومات التتويج بلقب كأس العرب

طليقة مصطفى أبو سريع تحتفظ بصورهما بعد انفصالهما رسميًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى