لبنة فى بناء

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف
«مثلى فى النَّبيِّينَ كمثلِ رجلٍ بنى دارًا فأحسنَها، وأَكملَها، وأجملَها وترَكَ منْها موضعَ لَبِنةٍ، فجعلَ النَّاسُ يطوفونَ بالبناءِ، ويعجبونَ منْه، ويقولونَ: لو تمَّ موضعُ تلكَ اللَّبنةِ، وأنا فى النَّبيِّينَ موضعُ تلكَ اللَّبنةِ»
«سنن الترمذى»، هكذا وصف النبى، صلى الله عليه وسلم، نفسه وبين حاله ومكانه، بالنسبة لباقى إخوانه الأنبياء، عليهم جميعا أزكى الصلوات والتسليمات، «لبنة».. جزء من بناء من متكامل تتم حسنه وتكمل قوامه، لكنها لا تقوم وحدها بدون باقى البناء، ولا يتم البناء بدونها، هذا الحديث رغم ما فيه من التواضع المبهر والذى هو ليس بجديد على نبينا، صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن النقطة التى أود التركيز عليها فى هذه السطور هى تلك القيمة التى أبرزها النبى من خلال هذا الحديث وغيره، قيمة التكامل والتضافر والتعاضد أن يدرك المرء أن عليه أحيانا أن يكون لبنة ليتم البناء.. أن يكون جزءا يعضد قيام الأعمال..

وأن هنالك أشياء لا تنهض إلا بالشراكة والتعاون، وأن الحياة لا تقوم عليه وحده «هارون أخى اشدد به أزرى وأشركه فى أمرى»، «وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءاً يصدقنى»، هكذا صرح نبى الله موسى، عليه السلام، بأن علة مطلبه بإشراك أخيه هارون فى أمره وإرساله معه ردءا أنه أفصح منه لسانا وأيضا بخلاف تواضع سيدنا موسى وتجرده المبهر فإن فى هذا المشهد إشارات وضيئة، أعتقد أن من أهمها حرص موسى على تمام الأمر وتفانيه وصدق رغبته فى بلوغ الرسالة إلى القلوب والعقول والإفهام، به أو بغيره.. من هنا آثر أن يتقدم الأكفأ والأقدر على البيان والتبليغ بجميل اللفظ، وواضح المعنى وفصيح اللسان، لذا قالها وبتجرده الرائع أصل تلك القيمة العظمى، قيمة الشراكة والمؤازرة والتكامل والتعزيز.. تلك الكلمة التى قالها الله فى سورة «يس» يصف حال الرسولين الذين أرسلهما إلى قرية فلما كذبوهما عزز الله بثالث «إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ» تأمل مرة أخرى اللفظ القرآنى «فَعَزَّزْنَا». لم ينقص من قدر هذا الرسول الثالث أن يوصف بأنه ضمن تعزيزات، ولم يمنع وجود تلك التعزيزات أن يأتى فى الآية التى تليها رجل من أقصى المدينة يسعى لا لشىء إلا لمزيد من الإعانة والتعزيز للرسل الثلاثة، ذلك لأنه كان يدرك تلك القيمة ويعلم معنى التكامل والتعزيز، وفى سورة الكهف لما طُلب من ذى القرنين أن يجعل سدًّا بين القوم وبين أعدائهم لم يسارع للتنفيذ، رغم قدرته على ذلك وهو الذى أوتى من كل شىء سببًا لقد قال لهم وهو المُمَكَّن القوى:

«فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما». «فأعينونى».. وهل يحتاج من أوتى من كل شىء سببا لعون؟! إنها القيمة التى أتحدث عنها، لقد أشركهم معه وغرس فيهم قيمة العمل والبذل، ثم هو لم يكتف بذلك، وما زال بهم حتى علمهم صناعة سبيكة الحديد والنحاس، وأطلعهم على سر بناء السد المتين، الذى يصمد ويقوى على حجز قوم يأجوج ومأجوج. يمكنك أن تقول إنه لم يعطهم سمكًا، ولكنه علمهم كيف يصطادونه بأنفسهم، وكذلك المتجرد ليست قضيته أن يظل الأتباع عالقين به لا يتحركون إلا بأمره، ولا يرون فى الكون غيره فلا يتمحورون إلا حوله ولا يدورون إلا فى فلكه، وإنما يعنيه أن تكون لديهم القدرة على العمل والحركة والتغيير والبناء. به أو بدونه.. فهو فى النهاية مجرد لبنة.. لبنة فى بناء.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صاحبة دعوى تعويض ضد الزمالك: تلقيت 1000 مكالمة سب وتنمر عقب نشر إعلان الدباغ

مان سيتي ضد توتنهام.. السيتيزنز يتأخر بهدف برينان جونسون "فيديو"

محمد صلاح ضمن أفضل هدافى القرن الحادى والعشرين عالميًا.. ميسي يتصدر

سيدة تطالب بتعويض 20 مليون جنيه من الزمالك لظهور رقمها في إعلان "الدباغ"

بيرس بروسنان يدلي بتصريح صادم حول تجسيد شخصية جيمس بوند مرة أخرى


أشعة جديدة تنتظر ثنائى الأهلى قبل مواجهة غزل المحلة

بعد إعلان المجاعة..ناجون من الهولوكوست يطالبون إسرائيل بوقف تجويع أطفال غزة

جينيفر لوبيز تستمتع بحياتها بعد الطلاق وتعلن انتهاء رحلتها مع الزواج

جلسات دعم نفسى لـ محمد الشناوى في الأهلى قبل مواجهة غزل المحلة

النصر ضد الأهلى.. رونالدو يخوض النهائي رقم 40 في مسيرته


"شكراً مصر".. متطوعو مبادرة "الأشقاء" الجنود المجهولة فى مساعدة العائدين لوادى النيل.. مصريون وسودانيون يتنافسون لخدمة المسافرين للسودان على محطة السكة الحديد بالسد العالى.. توفير خدمات طبية وكراسى متحركة مجانا

موعد مباراة مانشستر سيتي ضد توتنهام فى الدوري الإنجليزي

مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة

ابنة هوجان تطالب الشرطة بكشف لقطات الكاميرات لتوضيح ملابسات رحيل والدها

ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا

جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة بالحوامدية بالتعاون مع التحالف الوطنى

فيريرا يراهن على ثبات تشكيل الزمالك وتجانس الصفقات أمام فاركو

مقر عبادة الإله جحوتى.. مدينة الأحياء الأثرية تحكى تاريخ المنيا القديمة.. صور

اعرف الوزن المطلوب من الطالب المتقدم لكلية الشرطة لهذا العام

عرض حكاية "انت وحدك" ثالث حكايات مسلسل ما تراه ليس كما يبدو اليوم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى