حين تستقيل الفكرة أولا

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف
بقلم - د. محمد على يوسف
إن انهيار الأمل فى التغيير للأفضل وتحطم أى احتمالية للارتقاء، يعد من أخطر ما يمكن أن يحدث فى مجتمع على الإطلاق.. تخيل أن تعيش فى مجتمع يحكم عليك بالمكث فى القاع إلى الأبد، وينفى عنك حقك فى الطموح وتحسين أوضاعك حتى لو كنت موهوبا مستحقا لذلك الرقى المنشود. تخيل أن يتصور البعض أن لهم الحق فى تقييمك وتحديد مصيرك بناءً على عوامل خارجة عن إرادتك وليست من كسبك بينما يفسحون الطريق منحنين باحترام لآخرين لمجرد أنهم ورثوا الاستحقاق المزعوم كابرا عن كابر. إنها الفكرة الطبقية المقيتة والكفيلة بنخر المجتمعات من جذورها من خلال غرس الأحقاد التى ترتوى شجرتها الخبيثة بمياه الظلم الآسنة لتخرج ثمار الكراهية العفنة التى تسمم تلك المجتمعات المنكوبة بتلك الآفة. لأجل ذلك أرى أن وزير العدل المستقيل أو المقال له فضل وجميل فى أعناق المصريين ربما لم ينتبه إليه الكثيرون فى خضم الانشغال باستنكار تصريحاته حول عامل النظافة والتى اكتظت بها وسائل التواصل الأسبوع الماضى، هذا الفضل والجميل يتلخص فى كلمة واحدة.. الصراحة، والصراحة رغم أنها ليست راحة خالصة كما يزعم البعض فإنها لا تزال جميلة ولها رونقها الذى لا تنفيه قسوتها، هى قاسية بلا ريب، لكنها مطلوبة ولعلها الحسنة الكبرى التى اقترفها الوزير المستقيل، لقد كان صريحا للغاية لكن كالعادة نسى المصريون ما حدث وتشاغلوا عن شكر الوزير الصريح بأحداث آنية أخرى وقضايا يومية جديدة كما هو دأبهم منذ أعوام، حيث يستيقظون كل صباح، متسائلين بلسان الحال عن الموضوع الجديد الذى «سيهرون» فيه اليوم! لقد نسوا موضوع ابن عامل النظافة أو تناسوه وكأن باستقالة الوزير أو إقالته قد انتهت المشكلة وصارت الحياة جميلة ورائعة وأصبح ابن عامل النظافة محاسبا على اجتهاده ومجازى باستحقاقه وليس بمهنة والده، والحقيقة أن المشكلة لم تنته ولن تنتهى أبدا بمثل تلك المسكنات، لن تنتهى باستقالة شخص أو شخصين أو حتى مائة شخص، لن تنتهى إلا باستقالة فكر طبقى توريثى متجذر استطاعت الأمم والشعوب المتحضرة أن تتخلص منه وتقيله قبل أن تلتفت للأشخاص والأسماء والمناصب، ذلك الفكر الاستعلائى المقيت والظلم المجتمعى الذى طالما حاربه ديننا وفنده كتاب ربنا خصوصا فى سورة الزخرف «وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» هكذا كانت العلة التى ادعاها مشركو قريش ليبرروا رفضهم لاتباع النبى والتى أبرزتها سورة الزخرف، لكن هل كانت تلك هى المشكلة حقا؟ هل كونه ليس من زعماء المجتمع يعد مبررا كافيا لرفضه وجحوده؟.

الحقيقة أن المشكلة كانت فى نمط الفكر الذى نتحدث عنه والذى لا يلتفت انتباهه إلا للمظاهر المبهرة ولا ينجذب بصره إلا لزينة براقة أو زخرف لامع ولا يقيس إلا بمقياس العظمة الدنيوية والمكانة المادية والمنصب الضخم والنسب الفخم والثراء الفاحش والنعيم الزائل وحسب.. «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ» هل هم من يقررون ويقسمون رحمة الله؟! هكذا دحض القرآن حجتهم الطبقية وأطاح بشبهتهم المادية بكل بساطة وعمق، وهكذا ينبغى أن يُدحض نفس المنطق المريض فى كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر وهو بالمناسبة منطق منقوص فاسد.. من قال إن أهل الأحساب والأنساب والمناصب والأموال هم الأعظم والأفضل؟ من قال إن معيار القوة والثراء والحسب والنسب هى المعايير الوحيدة للحكم على الأشخاص؟ كم من ابن عامل نظافة وابن حارس عقار وابن مُسلِّك بالوعات سبق فى الدنيا بعلمه وفهمه وبإذن الله يسبق فى الآخرة بتقواه وهمته.. وقد يرتفع فى الدنيا، لكن ذلك فقط إذا استقالت الفكرة الفاسدة قبل استقالة حامليها.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

استعدادات الكنيسة الكاثوليكية لاستقبال الميلاد.. تفاصيل

الظهور الأول لـ هدير عبد الرازق وطليقها أوتاكا أمام المحكمة

موعد مباراة الزمالك وحرس الحدود فى كأس عاصمة مصر

قتيلان على الأقل وإصابة آخرين فى إطلاق النار بجامعة براون الأمريكية

روبوت يختفى تحت جليد القطب الجنوبى 8 أشهر ويعود بمعلومات تثر الذعر.. ما القصة؟


لو أولادك مش على بطاقتك التموينية.. اعرف تضمهم إزاى

ابنة أحمد فهمى ومى القاضى تتعرض لأزمة صحية فى الحلقة الـ11 من 2 قهوة

شاهد أول صور من حفل زفاف التونسية دارين حداد فى دبى

مصر مدرسة التلاوة.. جابر البغدادى: حب الوطن عبادة الأنبياء واللى مع القرآن مبيخسرش أبدا.. مصطفى حسنى لمتسابق: أخلاقك أخلاق قيادة.. المتسابق محمد سامى يستكمل المسابقة وعمر ناصر يغادر.. واحتفاء بالشيخ حمدى الزامل

مقاتلات أمريكية تُلقى قنابل ضوئية على تدمر السورية بعد مقتل جنديين على يد داعش


المتسابق عبد الله عبد الموجود يحصل على أعلى الدرجات ببرنامج دولة التلاوة

نجوم الرياضة وجيل 90 وغادة عادل فى حفل زفاف ابنة ربيع ياسين.. صور

ابن جليلة محمود يكشف لـ اليوم السابع تطورات حالتها بعد دخولها العناية المركزة

التقديم لوظيفة معاون نيابة عامة دفعة 2024 من الذكور.. اعرف الشروط

فلامنجو يهزم بيراميدز 2-0 فى نصف نهائى القارات ويتوج بكأس التحدى.. صور

أول تعليق من آرني سلوت عن محمد صلاح بعد التألق في مباراة ليفربول ضد برايتون

الخارجية الأردنية تدين مصادقة إسرائيل على إقامة 19 مستوطنة بالضفة الغربية

منتخب مصر يخسر أمام الهند 3-0 فى نصف نهائي كأس العالم للاسكواش

كأس عاصمة مصر تُعجّل برحيل 3 لاعبين عن الأهلي.. تعرف عليهم

مساحته 5600 متر.. وضع حجر الأساس لأول مسجد يُنسب لقضاة مصر بالتجمع.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى