فى لا معنى الصورة

محمد شومان
محمد شومان
بقلم محمد شومان
يقال إننا نعيش عصر الصورة، فائض من الصور عبر شاشات السينما والتليفزيون والهاتف المحمول، علاوة على صورة الصحف التى هى أصل الصورة الحديثة، قبلها كانت لوحات الفنانين، ونقوش القدماء تقدم صور الواقع، إما مختزلة أو رمزية أو دقيقة، لذلك يقال دائمًا إن الصورة سبقت الكلمة المكتوبة، فالإنسان اخترع الكتابة بعد قرون من اعتماده على الرسم والصورة. الصورة هى محاولة لمقاومة الموت والفناء، محاولة للإمساك باللحظة وبالواقع، أى بالزمان والمكان، وهى بهذا المعنى محاولة مستحيلة لأن أى صورة لا تمسك إلا بجزء يسير من زمانها ومكانها، ومع ذلك هى تمسك بشىء نادر ومهم. صورتك عزيزى القارئ وأنت صغير وحولك العائلة، هى ليست تمامًا صورتك أو صورة عائلتك، هى جزء من ماض عزيز وغالٍ عليك، لكن ربما لا تشبهك كثيرًا الآن، أو تشبهك.. لكنك فى الصورة لست أنت الآن، لأن الصورة ليست دائمًا الواقع، إنما هى محاولة ناقصة للإمساك به وتثبيته.. كيف؟ عليك أن تسأل نفسك: هل كنت حقًا سعيدًا وفرحًا فى صورتك مع العائلة أو زملاء الدراسة؟ هل كنت كذلك بالفعل أم أنك تدعى ذلك لضرورات التقاط الصورة.. أى تبتسم للصورة وخداع اللحظة؟ وهل تتذكر ظروف التقاط الصورة أو أسماء زملائك فى الفصل والذين يظهرون إلى جوارك فى أول صورة لكم فى فناء المدرسة وأنت فى الصف الأول الابتدائى؟.. لا أظن أنك ستتذكر كل هذه التفاصيل أو حتى بعضها.

إذا انتقلنا لتأمل صور المسؤولين.. زياراتهم وجولاتهم الرسمية، سنجد مظاهر للنفاق والتمظهر تفوق بكثير معانى ودلالات الصور الشخصية، إنها محاولة لتزوير التاريخ والتلاعب بمشاعر الناس وتزييف وعيهم.. ستلحظ من الوهلة الأولى أن المسؤول الكبير يتصدر الصورة، وستجده يبتسم - لازم يكون مبتسمًا - والجميع حوله كذلك.. ابتسامات مزيفة، وجماهير تشاهد وتصفق أو ترفع يافطات ترحيب وتأييد، وشوارع نظيفة، لكنها ليست كذلك فى الواقع، فقد خضعت لعمليات تنظيف سريعه قبل زيارة المسؤول الكبير بأيام وربما بساعات.. وإذا لم يتمكن المصور من التقاط الصور المطلوبة بشروط السعادة والنظافة والالتفاف الجماهيرى، فإن تكنولوجيا التصوير وبرامج الكمبيوتر تتيح إدخال كل هذه المؤثرات، ومن دون أن يميز القارئ بين الأصل والتركيب فى الصورة، ولاشك أن التلاعب بالصورة أسهل فى صناعة التليفزيون والسينما، من هنا فإن الصور التى تهيمن على حياتنا المعاصرة تفقد كثيرًا من معانيها ومصداقيتها وقوتها الرمزية، لأنها باختصار مفارقة للواقع، ويتم بسهولة واتقان التلاعب بها، وترتيبها وطرق عرضها. لذلك أصبح كثير من الصور بلا معنى، والمفارقة أنه كلما ارتفعت أعداد الصور والأفلام وتنوعت، تراجع معناها ومصداقيتها، لأن المعنى الحقيقى للصور والأفكار يأتى من ندرتها! فالجديد ضد التكرار وضد الندرة، خذ مثلًا صور الرئيس مبارك كانت تنشر يوميًا فى الصفحة الأولى فى كل الصحف القومية، حتى صارت من فرط تكرارها بلا معنى وبلا أى تأثير، لأن المهم هو الندرة لا الكثرة، وعندما أصبح التصوير تقانة سهلة ومتاحة باستخدام الهواتف المحمولة، نستخدمها كلما نريد بدون تكلفة، أصبحت معانى الصور الشخصية أو صور الأحداث والمسؤولين أقل أهمية، وربما بلا معنى، فآلاف الصور تنفى بعضها بعضًا، ولا نكاد نتذكر متى وأين التقطت هذه الصورة، عكس ما كان يحدث قبل عشرين عامًا عندما كانت هناك تقاليد وترتيبات لمجرد التقاط صورة شخصية أو عائلية، كان لابد من ارتداء ملابس معينة، وشراء فيلم جديد للكاميرا، ومحدودية اللقطات المتاحة «ندرتها»، ومراعاة الدقة حتى تكون نتيجة التصوير مرضية ويمكن طباعتها، ثم لابد من الانتظار لحين تسلّم الصور.. كل تلك الطقوس والخطوات تؤكد معانى كثيرة ضد الكثرة المفرطة، والاستهلاك السريع للصورة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

جلسة مع عدي الدباغ فى الزمالك خلال ساعات

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

وزارة التعليم: سداد رسوم امتحان الصف الثالث الإعدادي إلكترونيا وهذه قيمتها

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

الطقس اليوم.. أجواء شتوية أمطار واضطراب بالملاحة والصغري بالقاهرة 13 درجة


5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا

اعرف حقوقك.. لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات في اليوم

2025 THE BEST.. عثمان ديمبيلي يسعى لتحقيق الثنائية تحت أنظار محمد صلاح

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر

فتح الحركة على السكة الحديد بموقع سقوط حاويات من قطار بضائع بطوخ


كواليس مفاجأة مونتيري المكسيكى لـ"أهلى البدري" لحرمانه من تكرار إنجاز المونديال

انهيار سد فى ولاية واشنطن.. والسلطات الأمريكية تصدر أوامر إخلاء للسكان

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

سيف زاهر: توروب رفض رحيل عابدين وعبد الله.. وهيثم تلقى عرضا من الدورى البرتغالى

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

لحظات رعب في المغرب.. فيضانات إقليم آسفى تخلف 51 قتيلا ومصابا والحصيلة فى تزايد.. استمرار البحث عن مفقودين.. تعليق الدراسة 3 أيام.. الوكيل العام للملك يفتح تحقيقا موسعا.. والأرصاد تحذر من طقس عنيف غدا.. فيديو

دخل علينا غرفة النوم.. تفاصيل اقتحام أتوبيس مدارس شقة سكنية فى بدر.. صور

لا يفوتك

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:00 ص


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى