"عشى ليلى" لـ"ماهر مهران".. البقاء للأقوى

غلاف الرواية
غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف
العالم لا يحتاج سوى نميمة وحيدة صغيرة حتى يشتعل ولا يهدأ، هكذا تبدأ الحروب ويشتد التربص وتزيد الرغبة فى الإفناء والقتل، ويأتى الصراع بسبب سلسة من الرغبات النزقة التى تتعلق بالسلطة والجنس والمال، والذى فقط يحتاج لمن يكسر قشرة البيضة ويشعل النار، لا يهم أن يحدث ذلك فى دولة كبرى أو فى قرية صغيرة تكمل عشاءها نوما منتظرة الفرج من ربها، واضعة فى يد أطفالها بنادق الكلاشنكوف وقاذفة فى أرواحهم حب القتل، وجاعلة منطقهم الوحيد فى الحياة "البقاء للأقوى".

وفى مصر توجد قرى ونجوع لا أحد يعرف عنها شيئا، تكمن بين جبل ونهر وحيدة بمشاكلها وجوعها وفقرها ورغبتها فى الانتحار، والشاعر والروائى ماهر مهران مشغول بهذه المناطق وتلك القرى ويرغب بشدة فى كشف مكانها ووضعها تحت "ميكروسكوب العاصمة" حتى تبصرها ومخاطبة الذات الجمعية ويكشف ما يصيب تلك البلاد من همٍّ يبيتون فيه ليلا ونهارا، وفى ذلك الأمر قدم ماهر مهران مشروعا روائيا ظهر منه حتى الآن ثلاث روايات هى "قاو أسطورة الدم، وبنات قبلى، وعشى ليلى".

ورواية "عشى ليلى" الصادرة عن دار الساقى، تحمل من أول عنوانها، تعبيرا يكشف ما ستلاقيه داخل العمل الروائى من الرؤية الناقصة فى الحكم على الأشياء، كل الشخصيات مصابة بعشى ليلى، كل المواقف السياسية والاجتماعية لا ترى ما أمامها إلا "مختلطا ألوانه"، فالمكان وما يحدث فيه يعكس طريقة التفكير التى كانت سائدة فى مصر كلها منذ ثورة الـ 25 من يناير 2011 وحتى الاستعداد لإسقاط الإخوان بعد وصولهم للسلطة.

الرؤية القاصرة التى حملت معنى رمزيا فى الرواية، فضحت طرق التفكير المتخبطة التى تفكر بها شخصيات الرواية، الصراع الدموى المكشوف والمعلن والعهر الزائد عن الحد والخوف المسيطر على الفقراء والتجبر والتسلط الذى يسوقه القادرون على الضعفاء كل هذه التداخلات قدمت نموذجا لعالم إنسانى يفقد بريقه جزءا جزءا.
الصراع فى الرواية له مستويات عدة منها السياسى والاجتماعى والوجودى، وكل نوع من ذلك له دائرته فى الرواية، فالخط العام الذى يسيطر على الرواية يأتى فى مستويين متوازيين، وفى الوقت نفسه متناقضين من حيث إنسانية كل واحد منهما.
الخط الأول يمثله "حميد رزق السقا" وزوجته "سنية" بحلمهما البسيط وصراعهما من أجل الوجود فلديهما إحساس طاغٍ بالضياع الذى يهددهما، وبأنهما سينقرضان لأنهما لا ينجبان، هو رجل تجاوز الستين، تقريبا، لا يجد قوت يومه، وامرأته تعدت الخامسة والأربعين، لا يملكون شيئا وليس لديهم ما يورثونه لحلمهم، لكنها غريزة البقاء والإحساس بالاستمرار وحكمة "البوابة المفتوحة"، فالليل الذى يتأمله "حميد" ولا يراه بسبب "العشى الليلي" يجعله يحلم بطفل يكبر أمام عينيه يرقص فى الأفراح كما يرقص الرجال، لذا يصدق الوهم/المرض ويظن أن الأمر انفرج، ولم يكن يعلم أن النهاية ساكنة فى التفاصيل، وأن الموت يختبئ تحت ابتسامة الفرح، ويظل "حميد السقا" الشخصية الوحيدة، تقريبا، غير المشوهة فى الرواية.

الخط الثانى يمثله كل من "الوزير" و"مرسى أبو كرسى"، وهو صراع آخر مختلف وبعيد لكنه أيضا صراع عن البقاء وخوف الضياع، صراع السلطة والمكانة الاجتماعية، صراع الحزب الوطنى بتاريخه الفاسد وصراع الرابحين من الثورة المنتهزين لها ولظروفها، كل منهم لا يحده ضمير ولا يمنعه خوف، وفى طريقهما يأكلون ويفسدون كل ما يجدون يضيعون الأعراض ويهينون الكرام ويكشفون عن فساد طبقة كبيرة ممن يعول عليهم، هم شخصيات هشة لكن صنعها الخوف والمحيطون بهم.
كل شخصيات الرواية مأزومة حتى الفقراء الذين يمرون فى الشارع بين الفريقين يعانون أيضا وأرواحهم ممتلئة بالخوف، فالقرية التى يرسمها "ماهر مهران" بنماذجها المشوهة تعيد كتابة حكايات "الظالم والمظلوم" بشكل مختلف، حيث تداخل هذا المعنى وأصبح كل واحد "ظالم ومظلوم" فى الوقت نفسه.


الحنين الذى قدمه ماهر مهران للحياة القديمة، حيث الفلاحون يعملون "مناجلهم" فى حقول القمح، والأمهات ينتظرن فى البيوت الطينية الفقيرة أن يرزق أطفالهن فى المسافرين فى البلاد البعيدة بقليل من الرزق يسد رمق الحيطان المتهالكة.

استخدم ماهر مهران فى "عشى ليلى" كثير من الألفاظ المحلية التى تحمل دلالة مقصوده للاختلاف الذى أصاب عالم القرية وأحدث فيها جروحا لا تندمل.


موضوعات متعلقة..


صدور ديوان "جسمها جنينة" للشاعر ماهر مهران عن "هيئة الكتاب"
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

البنك الأهلى يخشى اليوم مفاجآت الظهور الأول لحرس الحدود بالدورى

تعرف على الفرق بين اختصاصات مجلسى النواب والشيوخ وفقا للقانون

آخر فرصة.. محافظة القاهرة تغلق باب التحويلات المدرسية اليوم

حصاد تاريخي من الألقاب لـ فابيان رويز مع باريس سان جيرمان ومنتخب إسبانيا

من البطاطس إلى القهوة.. موجة الغلاء تضرب موائد العالم.. الأرز والكاكاو وزيت الزيتون ضحايا جديدة للتغير المناخى.. ارتفاع الأسعار تصل حتى 280%.. سعر القهوة يزيد 100%.. والزيتون يواصل الصعود بنسبة 50% سنويا


المقاولون العرب يختتم استعداداته لمواجهة الزمالك بالدوري

حمدي فتحي في اختبار صعب مع الوكرة ضد العربي في الدوري القطري

لمسة الأبطال.. محمد صلاح ضمن قائمة ملوك الحسم في تاريخ الدوري الإنجليزي

مشهد مرتبك فى لبنان.. مساع لتوحيد المواقف بشأن حصر السلاح قبل زيارة مبعوث ترامب لبيروت.. مسئول إيرانى يبث رسائل طهران من بيروت.. عون يرد: نرفض التدخل فى شئوننا ولا استثناءات فى حمل السلاح.. وترقب لخطة نزعه

محمود سعد: أرقام تحاليل أنغام تتحسن لكن موصلتش لمرحلة الخروج من المستشفى


مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة

وادى دجلة يدخل معسكرا مغلقا اليوم استعدادا لمواجهة إنبى في الدورى

موعد مباريات اليوم الجمعة 15 -8 -2025 في الدورى المصرى

ورطة نتيناهو تنسف وهم "إسرائيل الكبرى".. فشل تمديد استدعاء قوات الاحتياط فى جيش الاحتلال.. ائتلاف نتنياهو يفشل فى تأمين الأغلبية للتصويت على تمديد الخدمة.. انتقادات للحكومة وضباط يرفضون الامتثال للخدمة العسكرية

الأزهر: المسجد الأقصى لن يكون لقمة سائغة والحق سيعود لأهله والباطل إلى زوال

الاتحاد يغادر إلى هونج كونج استعدادا لمواجهة النصر فى كأس السوبر السعودي

محمد الشناوي مرشح لحراسة عرين الأهلي أمام فاركو غداً في الدوري

أبرق قرية ظهرت فيها علامات الإنسان القديم ومخطوطاته قبل التاريخ.. تقع شمال غرب مدينة الشلاتين.. أهم مناطق محمية جبل علبة الشهيرة.. يقع بها أقدم آبار الصحراء الشرقية.. ويعيش بها قبائل العبابدة والبشارية.. صور

بدء هدم عمارة هندسة السكة الحديد بميدان رمسيس لتوسعة كوبرى أكتوبر.. إنشاء موقف متعدد الطوابق للقضاء على العشوائية وإزالة كافة الأكشاك والمحال المنتشرة بالميدان.. وتجهيز مول تجارى ومكاتب إدارية بديلة.. صور

قرار مهم لوزير التربية والتعليم بعد قليل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى