نصر سليمان محمد يكتب: الغريب

ورقة وقلم
ورقة وقلم
استيقظت ذات يوم على صوت ميكروفون مسجد شارعنا ينعى لأهل المنطقة الحاج فتحى..ويعلن عامل المسجد عن موعد الدفن وصلاة الجنازة..أصابنا الوجوم وحالة من الحزن تملكتنا على وفاة جارنا العزيز..فالحاج فتحى يقطن الدور الأول بالعمارة التى نقيم فيها منذ أكثر من 50 عاما.. وقد تربينا على يديه..فهو بمثابة والد لنا جميعا.. وهكذا سكان هذه العمارة العتيقة التى تُعد من أقدم المبانى فى مدينتنا..وجميع سكانها يربطهم الحب والمودة وعلاقة امتدت عدة عقود فصار صغيرهم ابنا لكبيرهم..وكبيرهم والدا لصغيرهم..وروح الأسرة الواحدة تربط بين الجميع..وقد ولدت ونشأت بينهم حتى جاوزت الخمسين من عمرى..وشب أبنائى فى الشقة التى ولدت وتربيت فيها..فقد استقريت بها بعد وفاة والدى.. وفعل الكثير من أبناء الجيران فعلتى.. وهكذا شهدت تلك البناية 3 أجيال متعاقبة.. الأجداد والآباء والأحفاد..تربطهم عشرة السنين ويجمعهم الود والاحترام.

بقدر توقعنا وفاة الحاج فتحى بين لحظة وأخرى حيث إنه جاوز من العمر الثمانين..وسكن المرض جسده النحيل..إلا أننا تأثرنا كثيرا وحزنا على فراقه.. فقد ألفنا الحياة فى كنفه واعتدنا وجوده بيننا.. وتحيته كل صباح وهو جالس فى شرفة شقته يرتشف من كوب شاى ساخن فى بيده.. أو يتصفح عناوين الأخبار من خلف نظارته السميكة.. ونلقى عليه التحية ونتبرك بدعواته لنا ونحن متوجهون إلى أعمالنا.

جارنا العزيز لم يكن له سوى ولد وحيد يعمل بالخارج فى إحدى الدول الخليجية.. ويعيش بمفرده فى شقته بعدما توفت زوجته منذ أمدا بعيد.. وتوفى له ولدان آخران فى حادث منذ عدة سنوات..وجميع سكان العمارة يتابعونه للاطمئنان عليه وقضاء حوائجه.. فهو بمثابة والد لنا جميعا ونحبه ونقدره.. وأيمن فتحى ابن جارنا الفقيد رتب حياته على الاستمرار فى عمله وحياته المستقرة خارج مصر وعزم على عدم العودة..وقرر بيع شقة والده وقام بعرضها على سكان العمارة إن كان أحدهم بحاجة إليها..خاصة وأنه قد اشترى شقة كبيرة فى أحد الأحياء البعيدة يقضى بها إجازة الصيف السنوية مع أولادة ثم يعاود السفر والرحيل مرة أخرى.

ولما لم يشتريها أحد من السكان.. واعتذر له الجميع قرر عرضها للبيع عند سمسار المنطقة لعدم جدوى الاحتفاظ بها.

صاحت زوجتى فى صباح أحد الأيام تطالبنى باللحاق بها فى الشرفة.. وأشارت بيدها إلى رجل وشاب يدخلان العمارة..وقالت إنه محمود السمسار يصطحب معه مستأجر لمعاينة شقة جارنا بالدور الأرضى..
انتظرت بالشرفة حتى خرجوا سويا..ورأيت شابا فى مقتبل العمر.. فى رقبته سلسلة ذهبية..ويرتدى "تيشيرت" بدون أكمام..وبنطلون قصير"برمودا".. ويطلق شعره بكثافة يسترسل فوق قفاه.. وسرعان أن اتجه نحو سيارة رياضية حمراء اللون استقلها وانطلق بها مسرعا..

لم أعط للأمر بالاً.. ونفضت موضوع هذه الشقة من رأسى.. وانتظرت ماذا ستفعل الأيام.
ذات يوما وأنا عائدا من عملى ظهرا.. وقد حملت معى بعض طلبات المنزل من لحوم وفاكهة وغير ذلك..واليوم شديد الحرارة..وقد أخذ منى التعب ما أخذ..أسرعت وأنا أمنى نفسى بحمام..وبعض النوم استعيد به بعض النشاط.

اتجهت بسيارتى نحو المكان الذى اعتدت ركنها فيه.. فوجدت سيارة تحتله..عزيت ذلك بوجود زائر لأحد السكان وسرعان ما سوف يغادر..فأخذت سيارتى وقمت بركنها فى مكان بعيد حتى تغادر السيارة الغريبة.
وما أن وطأت قدمى مدخل العمارة حتى فوجئت بكلب يتجاوز ارتفاعه الحمار.. وله وجه أقبح من الشيطان.. ما أن رآنى حتى هجم على وكاد أن يفتك بى لولا ستر الله ووجود سلسلة فى رقبته قيدت حركته وجعلتنى أنفلت من بين أنيابه بصعوبة.. وهو ينبح نباحاً كالعواء لم أسمع له مثيل من قبل.

وتمر دقائق كالدهر.. ويتجمع السكان وأهل الشارع..وإذا بالفتى الذى رأيته منذ عدة أيام مع محمود السمسار يخرج من شقة جارنا.. وابتسامة عريضة على وجهه.. ويبادرنى بقوله.. أسف" ياعمو".. لقد اشتريت الشقة منذ يومين ونقلت بها اليوم..وهذا كلب للحراسة أحضرته معى ليمنع دخول الغرباء.. وقد هاجمك لأنه لم يتعرف عليك..ولكن مع الأيام لن تصبح غريبا عليه..

وسط الجلبة وحالتى المتردية تذكرت السيارة الحمراء التى تقف مكان سيارتى.. إنها نفس السيارة التى رأيتها مع هذا الشاب منذ عدة أيام.

هاهى سيارته تحتل مكان سيارتى..وكلب ابن... يهاجمنى ويكاد يفتك بى.. لأنى غريب عنه.. وأنا الذى أقطن بالعمارة والمنطقة منذ ما يزيد عن نصف قرن.

نظرت لهما ملياً.. وأصابنى الصمت..وتوجهت إلى شقتى..وشعور بالغربة يتملكنى.
"النهاية "
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مصرع شاب صدمته سيارة أثناء استقلاله دراجة نارية بالمنوفية

المصري يرفض التفريط في صلاح محسن بعد عرض الوداد المغربي

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا

اعرف حقوقك.. لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات في اليوم


جائزة بوشكاش 2025.. عمرو ناصر يحلم بتكرار إنجاز محمد صلاح

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر

الفوز الأول.. كأس عاصمة مصر تفتح باب الحلم لسيراميكا أمام الأهلي

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس


مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

الأهلى يوافق على عرض إشتوريل برايا البرتغالى لضم محمد هيثم

مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث 4-4 في مباراة مجنونة بالدوري الإنجليزي

حالة الطقس اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار بعدة مناطق

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما

لحظات رعب في المغرب.. فيضانات إقليم آسفى تخلف 51 قتيلا ومصابا والحصيلة فى تزايد.. استمرار البحث عن مفقودين.. تعليق الدراسة 3 أيام.. الوكيل العام للملك يفتح تحقيقا موسعا.. والأرصاد تحذر من طقس عنيف غدا.. فيديو

كيف تنضم لمنظومة التأمين الصحى الشامل؟.. هيئة الرعاية الصحية تجيب

ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى