الكاذبون على أنفسهم

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف
بقلم - د. محمد على يوسف
لطالما كنت أسأل نفسى دوما، هل يعلم المخطئون أنهم مخطئون؟! هل يدرك الفاسد والمفسد والضال والمُضل أنه كذلك؟ وإن كانوا يعلمون ذلك ويدركونه فكيف ينظرون لأنفسهم فى المرآة دون أن يحتقروا أنفسهم وأفعالهم؟! كيف ينام الفاسدون والمعتدون وكيف يضعون جنوبهم مطمئنين وهم يدركون ويعلمون أنهم قد ظلموا إنسانا أو انتقصوا من حق إنسان؟! الحقيقة أن الإجابة عن الشق الأول من تلك الأسئلة هى بوضوح نعم يعلمون! هذا هو الأصل.. مهما كثرت المعاذير والمبررات التى يبرر كل منا بها خطأه وتعديه فإن الأصل أننا جميعا نعلم حقيقة أفعالنا، مهما تجملنا وادعينا وزينا أعمالنا فإن الأصل أننا حين نخلو بأنفسنا لن نتمكن طويلا من خداعها. «بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ». هكذا واضحة قاطعة بينها ربنا فى كتابه؛ مهما ألقى الإنسان معاذيره وساق حججه فالأصل أنه يدرك حقيقة ما يفعله ويبصر بوضوح ما عليه نفسه.. «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ»، كان ذلك رد فرعون وآله على تلك الآيات المبينات التى أرسل بها موسى إليهم.. لكن هل كانوا حقا يرون الأمر سحرا أو دجلا. الجواب يأتيك من ربك فى الآية التى تليها من سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» إذاً فقد كانوا يعلمون! بل ويستيقنون!! وتلك شهادة ربهم الذى يعلم ما يعلنون وما فى صدورهم يُخفون ويكتمون، لكن ماذا عن الشق الثانى من الأسئلة؟ كيف ينامون ومع خطاياهم يتعايشون؟

هناك عدة وسائل يواجه بها المخطئ خطأه ويتعايش الفاسد مع فساده، إن قرر الاستسلام له والاستقرار فى قاعه ولم يقو على توبة وإصلاح، أول تلك الوسائل أن يتناسى تلك الحقائق التى يعلمها جيدا عن نفسه ويخدر ضميره ويخرسه تماما ويتغافل عن كل تلك النكزات والوخزات التى تؤرقه بها أحيانا بقايا ذلك الضمير وحينئذ على من اتبع تلك الوسيلة ألا يجلس كثيرا مع نفسه وأن يعيش فى صخب شديد وضجة عالية يخبو معها كل صوت ينبعث من أى ناصح أمين، بل حتى ذلك الصوت الذى ينبعث من روحه معاتبا أو مؤنبا ينبغى أن يخمده ومن ثم يخلد إلى فراشه آخر اليوم وقد خارت قواه وهوى فى سبات عميق يشبه الغيبوبة فلا يملك الوقت ولا القدرة أن يراجع نفسه أو يحاسبها.

الوسيلة الثانية تتلخص فى كلمة واحدة «البجاحة».. أنا كدة وعاجبنى حالى كده، هكذا يقطع على نفسه وغيره كل طريق لوم أو عتاب وتأنيب! وتلك درجة متقدمة من التفلت والفجور، إذ كيف ستلوم من هو مفتخر بباطله متصالح مع فساده، منافح عنه ومدافع عن خلله وانحرافه هو لا ينكر أنه خطأ أصلا لكى تنفق الوقت والجهد فى إقناعه بأن ما يفعله خطأ ولا هو معترف نادم يتمنى إصلاحا.. بل هو صريح متبجح بفساده مباهٍ به مُصرٌّ عليه. أما الوسيلة الأخيرة فهى إدمان خداع النفس والركون إلى المهاترات والمعاذير الواهية والمبررات المتكلفة والحجج المتهافتة حتى يحدث المحظور ويصدق المرء خداعه لنفسه ويقع فى حبائل أكاذيبه وترهاته فتُطمس فطرته ويغيب تمييزه ويقتنع فعلا أنه على حق ويُزَيَّن له سوء عمله فيراه حسنا: «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» [سورة فاطر] هذا فى رأيى أصعب النماذج وأضل الأنواع ولقد سماهم الله بالأخسرين أعمالا: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» «سورة الكهف». لقد صار الواحد منهم يخدع نفسه قبل أن يخدع الناس، والأدهى أنه يصدق أكاذيبه ويعجب بألاعيبه لدرجة مذهلة تصل به إلى أن يجترئ على ممارسة ذلك الخداع مع خالقه يوم القيامة «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ» لكن مع كل ذلك الحلِف والظن أنهم على شيء فإن وصفهم الذى لا يغادرهم والذى ختم الله به تلك الآية يظل هو الكذب والخداع «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ» وأول من كذبوا عليها وخادعوها هى أنفسهم التى بين جنوبهم.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

دموع التماسيح بجنازة الضحايا.. زوجة أب تقتل أفراد أسرة كاملة فى ديرمواس بالمنيا.. وتعترف: وضعت لهم السم فى الخبز.. حاولت الانتقام من زوجى لرغبته فى رد ضرتى.. وتؤكد: تظاهرت بالحزن وبكيت وزرت قبرهم لإبعاد الشبهة

خروج 15 فتاة من مصابي حادث غرق أبو تلات من المستشفى بعد تقديم الرعاية الطبية

أخطر 5 اعترافات لقاتلة أسرة دير مواس: "مشيت فى جنازتهم علشان أبعد الشبهة"

الحكومة: إطلاق حملة توعية للتأكيد على الحق فى اختيار مكان شراء الزي المدرسي

اتحاد الكرة يطمئن على ترتيبات رحلة المنتخب لبوركينا فاسو بتصفيات المونديال


ستراسبورغ ضد نانت.. مصطفى محمد يقود هجوم الكنارى في الدورى الفرنسي

زوجة الأب سممت الجميع.. الداخلية تكشف سبب وفاة أسرة دلجا بديرمواس

بحضور الشناوي.. ريبيرو يعلن قائمة الأهلى لمواجهة غزل المحلة بدوري نايل

تأجيل محاكمة 50 متهما بقضية "الهيكل الإدارى للإخوان" لـ 26 أكتوبر المقبل

تجديد حبس عامل 15 يوما بتهمة تصوير السيدات داخل حمام كافيه فى النزهة


أوضاع المرأة فى السودان.. حرب خشنة على الجنس الناعم.. النساء أكثر المتضررين من الأزمة السودانية.. يسددن أفدح تكاليف الحرب.. وزيرة الدولة للموارد البشرية: أوضاعهن صعبة للغاية.. ويتعرضن لانتهاكات جسيمة وخطيرة

وزارة الصحة: رصدنا واقعة فساد بمستشفى ناصر العام وتعاملنا معها قانونا

الرئيس السيسى يوجه بتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والإدارة الذكية للمياه

الرئيس السيسى يعقد اجتماعًا لمتابعة الموقف المائي بوجهٍ عام على مستوى الجمهورية

ناشئو اليد يغزون صالات أوروبا

نيوكاسل ضد ليفربول.. التاريخ ينحاز للريدز قبل موقعة الدوري الإنجليزي

مجاعة غزة تربك الكونجرس.. مشرعون أمريكيون: لا نريد دفع ثمن إبادة جماعية

إصابة 9 أشخاص فى حادث مرورى على طريق طنطا السنطة بالغربية

عائلات الرهائن الإسرائيليين تبدأ أسبوع احتجاجات أمام منازل الوزراء

محافظة الجيزة تنفى انقطاع الكهرباء عن مناطق بالعمرانية: الوضع طبيعى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى