علا الشافعى تكتب: رأفت الميهى وداعًا ملك «الفانتازيا».. أفلت من حصار الضحالة والثرثرة التى تحكمت فى غالبية الإنتاج السينمائى.. وقدم إبداعات فجرت الضحك من الأعماق دون اصطناع.. ناضل ضد سارقى التراث

علا الشافعى
علا الشافعى

خاض معارك كثيرة من أجل الفن وناضل ضد سارقى التراث وناهبى مستقبل السينما المصرية



رحل الأستاذ المبدع رأفت الميهى.. قليلون هم فى الحياة من نطلق عليهم لقب الأستاذ.. الميهى لم يكن مجرد مصدر صحفى تعرفت إليه مع بداية عملى فى الصحافة، ولم يكن مجرد مخرج عابر فى تاريخ السينما المصرية، بل كان بالنسبة لى «الأستاذ».. هو مؤسسة متحركة تبدع فى كل المجالات الفنية: إنتاج وتأليف وإخراج وتدريس.. منذ اللحظة الأولى التى التقيته فيها بمكتبه فى شارع زكى بوسط القاهرة، ووصولًا إلى انتقاله لاستوديو جلال الذى أعاد ترميمه وتشغيله وأطلق فيه أكاديميته التعليمية، كنت دائمًا أجلس أمامه لأسمع وأتعلم.. أستمع إلى الكثير من تاريخ الفن والسينما، وأعرف منه عن هؤلاء العابثين والذين يتعاملون مع الفن بمنطق التجارة، وكان الميهى يقف لهم بالمرصاد.

كثيرة هى التحقيقات الصحفية التى قمت بكتابتها حول صناعة السينما المصرية وأزماتها التى لم تشهد انفراجة تذكر، وكان الأستاذ مرشدى ودليلى فى ذلك، لم يكن رأفت الميهى المجدد فى السينما والملم بحرفيتها يخشى أحدًا، كان دائمًا صاحب حق يعلو صوته.. خاض معارك كثيرة لأجل الفن حتى عندما وجد نفسه بمفرده كان يصرخ بأعلى صوت ضد سارقى التراث وناهبى مستقبل السينما المصرية.

الميهى كان فنانًا بدرجة مناضل.. ويبدو أن أستاذى من كثرة الهموم والخذلان سقط فريسة للاكتئاب والمرض.. نعم الميهى أكله الاكتئاب.. كثيرة هى الذكريات التى جمعتنى بالأستاذ، فبين لحظة لقائه الأولى فى مكتبه بوسط القاهرة، وحتى اللقاء الأخير عندما ذهبت لرؤيته فى مستشفى المعادى للقوات المسلحة، حيث كان يعالج ووافته المنيه هناك، كان الفارق كبيرًا.

كان يتحدث عن مشروعاته الجديدة ويملأ الدنيا صخبًا وحماسة ولا يتوقف عن الحركة لحظة يملأه قلق المبدع.. الحال نفسه عندما كان يقف فى وسط استوديو جلال الذى تسلمه فى حالة متهالكة يرثى لها، حتى أعاد له الحياة وجعله ينبض بالكثير من الأعمال السينمائية والدرامية.. ليس ذلك فقط بل أطلق أكاديمية لتخريج الموهوبين فى الكتابة والإخراج والمونتاج وكل أفرع الفن السينمائى.. كان يأخذ وهجه من تألق تلاميذه، ويعطيهم من بريقه الخاص.

فى اللقاء الأخير بدا لى الأستاذ مهزومًا حاله كحال الحالمين الذين كانوا يحلمون للكل وللفن، ولكن خذله الجميع وصار وحيدًا يصارع.

تخرج الميهى فى أوائل الستينيات من قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة متتلمذًا على يد أساتذتها الكبار، وعمل لفترة وجيزة بالتدريس خارج القاهرة، لكنه سرعان ما عاد إليها ليلتحق بالعمل فى لجنة القراءة بالمؤسسة المصرية العامة للسينما ثم بمعهد السيناريو الذى أنشأه المخرج الكبير صلاح أبو سيف حين كان رئيساً للمؤسسة، ويعتبر الميهى من ذوى الثقافة الرفيعة فهو دارس متعمق للأدب والدراما الإنجليزية والعربية ومستوعبا للتراث الإنسانى.. وأضاف إليه إبداعا صار مرادفًا لاسمه.

الميهى ليس مخرجًا عاديًا فى السينما المصرية، بل هو صاحب تجارب شديدة التميز بدءًا من «غروب وشروق» و«على من نطلق الرصاص».. أبدع فى صياغة أعمال راسخة فى الوجدان، لكن طموحه وجموحه سرعان ما جعلاه يتمرد على تقليدية وكلاسيكية الكتابة، ليقدم سينما «الفانتازيا الكوميدية»، وهى موجة الأفلام التى أطلقها، وقدم معها العديد من النجوم والمبدعين، ومن هذه المجموعة «سيداتى آنساتى»، «السادة الرجال»، «سمك لبن تمر هندى» وغيرها، وهى المنطقة التى حلق فيها الميهى وحيدًا، لذلك فهو ليس مجرد مبدع عابر نقول عليه مر من هنا، بل هو فنان أخلص للسينما وعشقها إلى درجة احتراقه بنيران ذلك العشق.

ولذلك يمثل الميهى حالة خاصة ونادرة فى السينما العربية.. فهو فنان يطلق خياله الجميل ويجنح إلى كل ما هو غرائبى و«فانتازى»، حيث قدم الكوميديا فى أفلامه الأخيرة، باعتبارها لا تعتمد فى تركيبتها على تفاصيل الواقع بل تعلو على هذا الواقع، وبالتالى يستطيع أن يقدم رؤية نقدية ساخرة لما يحدث فى هذا الواقع.

رأفت الميهى هو فنان حاول الإفلات من حصار الضحالة والثرثرة التى تتحكم فى غالبية الإنتاج السينمائى المصرى.. فنان قدم بإبداعاته افتراضات لها أساس علمى صحيح وبنى عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الأعماق، دون اضطراره لاصطناع خفة الدم، ومن هذا المنطلق قدم أفلاماً كوميدية بدون ممثلين كوميديين. لذلك نحن أمام فنان عاهد نفسه بأن يكون مختلفاً، ليس رغبة فى التميز وإنما لأنه يفكر بشكل مختلف، لا يقبل إلا الجديد ولا يتحمس إلا للابتكار.. هذا هو رأفت الميهى الذى سيظل حيا بيننا بشخوصه وإبداعاته.

Trending Plus

الأكثر قراءة

الرئيس السيسى للمصريين: أشعر بكم وتخفيف الأعباء عن كاهلكم أولوية قصوى للدولة

مان سيتي ضد الهلال.. جوارديولا لا يعرف إلا الفوز فى تاريخ مونديال الأندية

الرئيس السيسي: المنطقة بأسرها تئن تحت الحروب وعلينا الاحتكام لصوت الحكمة

بدء الجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون الإيجار القديم

نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 فى جميع المحافظات بالاسم ورقم الجلوس الآن


"الزراعة": إحباط محاولة تهريب عشرات الزواحف والكائنات النادرة بمطار القاهرة.. فيديو

الرئيس السيسى يستقبل القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع بمدينة العلمين

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 يونيو 1879.. نساء «المفتش» يزغردن شماتة فى مغادرة الخديو إسماعيل إلى منفاه وأصوات ندب وتكسير أوانٍ ثمينة من نساء المخلوع احتجاجا على تركهن بالقاهرة

الأهلي يتابع تطورات أزمة أسد الحملاوى مع شليونسك بسبب وسام أبو علي

انتهاء المدة المحددة للتقدم للصف الأول الابتدائى للعام الدراسى المقبل 2026


جمهور الزمالك يترقب الإعلان عن المدير الفني الجديد

ماذا قدم شيكابالا مع الزمالك فى الموسم الأخير قبل تحديد مصيره؟

تحدٍ من نوع خاص بين مرموش وبونو فى قمة مان سيتي والهلال بمونديال الأندية

الأهلي يضع الرتوش الأخيرة على صفقة انتقال عمر الساعى للمصري

مواعيد مباريات كأس العالم للأندية اليوم 30-6-2025 والقنوات الناقلة

صيف 2025.. نانسي عجرم تغني في مصر الشهر المقبل

رامى إمام يحتفل بعقد قران ابنه حفيد الزعيم عادل إمام

أحمد حسام: الزمالك لن يقف على زيزو.. وعبد الله السعيد صعب يتعوض

استخراج جثة سيدة بعد تقطيع السيارة إثر سقوط ونش عليها بطريق الأوتوستراد

وزير الخارجية يزف بشرى للمصريين بالخارج: بحث تجديد مبادرة استيراد السيارات

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى