ثنائية التفكير والتكفير المتضادة

د. ناجح إبراهيم
د. ناجح إبراهيم
«التفكير والتكفير».. كلمتان من أهم الكلمات الاستراتيجية وأخطرها على أصحابها وعلى المجتمع كله.. وكلاهما نقيض للآخر رغم اشتراكهما فى نفس الحروف.. ولكن ترتيب الحروف هو الذى يجعل «التفكير هو الخصم اللدود للتكفير». سبحانك ربى على هذه اللغة العربية البديعة.. فالذى يفكر لا يكفر.. والذى يكفر لا يفكر ولا يعمل عقله.. فصاحب العقل الصحيح الحكيم تأبى عليه نفسه أن ينحدر إلى هاوية التكفير السحيقة. فالعقل يوصل صاحبه عادة إلى الرشد والحق والإنصاف وإلى كل ما هو صحيح من شريعة السماء حتى قبل أن يقرأها أو يطلع على دقائقها وأسرارها. وقد كان أبو بكر الصديق يمتنع عن الخمر حتى قبل نزول الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريم الخمر.. فلما سئل عن ذلك قال : «كيف أكون حكيم القوم بالنهار وسفيههم بالليل». وسلمان الفارسى الصحابى الجليل الذى يطلق عليه بعض العلماء «الباحث عن الحقيقة» ظل يبحث عن الحق والصواب بعقله وحكمته حتى وصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم ثم آمن به وكان يميز بين التدين الصحيح والتدين المغشوش حتى قبل لقائه بالنبى صلى الله عليه وسلم. فثنائية «التفكير والتكفير» المتضادة والعكسية هى الثنائية العجيبة الآن فى عالمنا العربى.. فكلما زاد التفكير قل التكفير أو انعدم.. وكلما قل التفكير زاد التكفير وانتشر بين الناس.

والتفكير يدعو إلى الحب والتعاون.. والتكفير يدعو إلى الكراهية والصراع والشحناء والتباغض.. ولذلك تجد التكفيرى لا يكاد يحب أحدا أو يثق فى أحد. والتفكير يدعو إلى البناء والنماء والإنجاز وينمى فلسفة الإحياء وصنع الحياة الجميلة.. والتكفير يدعو إلى الكراهية المعنوية والهدم المادى وصنع الموت وخنق الحياة والتفجير.. فـ«التكفير والتفجير وجهان لعملة سيئة واحدة». والتفكير يؤدى إلى التواصل مع الناس والتفاعل مع المجتمع والإقبال على الناس حتى وإن اختلفوا معه أو بخسوه حقه فهو يرقب الله فيهم ويطيع الله دوما فيمن عصاه فيه. أما التكفير فيؤدى إلى بناء «جيتو» نفسى وعازل فكرى وإنسانى حول «المكفراتى» ومجموعته.. حيث يشعر أنهم المؤمنون وحدهم دون الناس.. والمصطفون دون غيرهم بإبلاغ الرسالة.. ولا يغفرون لأحد سيئة فعلها أو مظلمة قامت فى حقهم أو خطأ وقع من خصومهم لأن سلطان الغفران والعفو عندهم ضعيف إلى جوار سلطان الانتقام والقصاص.. دون أن يدركوا أن شهوة الانتقام قد تقتل أصحابها قبل أن تقتل خصومهم.

والتفكير يجعل الإنسان يخدم الآخر ويقبل التعايش معه.. ويرى أن الكون كله قد قام على التعددية فى كل شىء.. ويرى أن التعددية هى فضيلة فى الخلق والكون.. وهى سنة كونية لا يستطيع أحد اجتثاثها أو إلغاءها. أما التكفير فهو يجعل صاحبه أحادى النظرة لا يهتم من الإسلام إلا بقضية «الولاء والبراء» والمفاصلة مع الآخرين والتى يفهمها عادة فهما خاطئا.. ويضيق صدره بالآخر المختلف معه مذهبياً أو فكريا أو عرقيا أو دينيا.. أو حتى فى جماعة أخرى غير جماعته.. فيضيق على نفسه ما وسعه الله عليه.. ويخنق نفسه بحبال الأحادية وأوهام التفرد والاستعلاء الكاذب فى الكون.. مع أنه لم ينفرد بالحضارة التى قاد مسيرتها اليوم أهل الأديان والأعراق الأخرى.

والتفكير خيره كثير ولا يدعو إلى الصراع والخصام والحرب إلا ما اضطر إليه أصحابه من العقلاء كاضطرار الذى سيموت جوعا لتذوق الميتة.. فإن اضطر إليه تعامل مع الحرب والصراع تعامل الوسيلة لا الغاية وترك للصلح موطنا وللوصال بابا مواربا. أما التكفير فهو يجعل صاحبه يسعد بإراقة الدماء وزيادة عدد اليتامى والثكالى و«الموتى فى صفه لأنهم فى الجنة».. و«فى صف خصومه لأنهم فى النار».. ويفرح للموت أكثر من فرحته بالحياة.. ويحتفى بالأموات ومن يزرع الموت أكثر من فرحته بالأحياء ومن يزرع الحياة الجميلة أو يسعى للإصلاح بين الناس.

والله فرض على هذه الأمة التفكير فى عشرات الآيات وكرر الأمر بالتفكير وإعمال العقل ونهى عن عدم التفكر مثل قوله تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».. و«قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ».. و«أَفَلَا تَعْقِلُونَ».. و«كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».. و«إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».. و«أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِى أَنفُسِهِمْ»..و «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» ولم يفرض عليهم التكفير بل فرض عليهم هداية الخلائق لا تكفيرهم.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موجة اعترافات دولية متزايدة بفلسطين.. دول أوروبية ترغب فى اتخاذ قرار مماثل أبرزها فرنسا وإيطاليا بعد إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا.. و4 دول تدعو لقبولها كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة

الأهلى يواجه الاتحاد السكندرى فى مباراة حسم لقب سوبر السلة

تأجيل ميعاد امتحانات الإعدادية اليوم بالإسكندرية لمدة ساعة لتبدأ 10صباحا بسبب الأمطار

تعطيل الامتحانات اليوم بكليات جامعة الإسكندرية بسبب الطقس السيئ

تنويه مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. الأمطار تضرب هذه المناطق


الاستعدادات الأخيرة لموسم الحج.. إطلاق خدمة المطوف الرقمى ومنصة بيانات الحج.. منظومة خاصة لتنقية الهواء بالمسجد الحرام.. 50 ألف خدمة صحية للحجاج.. خطبة عرفة بـ35 لغة.. واختيار الشيخ صالح بن حميد لإلقائها

أحمد حلمي ومنى زكي وعمرو يوسف وكندة علوش في زفاف أمينة خليل.. صور جديدة

العراق يعلن استهدف 6 إرهابيين في "صلاح الدين" وسط البلاد

أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا

ثروت سويلم: الأهلي يقترب من اللعب في الإسماعيلية الموسم المقبل


صرخات لا يسمعها المحيطون.. الفايبرومياليجيا لص يسرق شبابك.. إصابات النساء 7 أضعاف الرجال.. حكايات الضحايا تجسد آلامهن.. وأطباء: التشخيص عقدة بداية حلها استبعاد أمراض أخرى.. ويجيبون عن السؤال: لم كل هذا الألم

النائب العام ينعى وكيل نيابة بعد وفاته فى حادث سير أليم بمحور 26 يوليو

3% من الأجر التأمينى سنويا.. تعرف على شروط استحقاق العلاوة بقانون العمل

أمينة خليل في جلسة تصوير استعدادًا لزفافها على المصور أحمد زعتر.. صور

آية سماحة تزور مشيرة إسماعيل لتقديم اعتذارها الشخصي

موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى محافظات مصر

الأهلي يضم كباكا إلى رحلة الفريق فى كأس العالم للأندية بأمريكا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى