تامر أحمد عبدالله السنباطى يكتب: كيف نصنع ونبنى مستقبلنا الاقتصادى؟

مصانع - أرشيفية
مصانع - أرشيفية
استوقفتنى العناوين الكثيرة لبعض الأخبار العربية بشأن الاتفاقات المبرمة مع كبرى الشركات الاستشارية العالمية لوضع خطط التنمية وعمل دراسات مستقبلية وتحليل الأوضاع فى كثير من الأماكن والمجالات، وهذا على المستوى القومى والمجتمعى وحتى على مستوى الشركات والمؤسسات والسؤال المطروح هل صناعة المستقبل وتحليل البيئة الوطنية تحتاج إلى هذه الشركات والخبراء أو بصيغة أخرى هل حققنا التنافسية الدولية أو التطور والتقدم التنموى فى مشاريع سابقة لهذه الاستشارات والتحليلات العالمية؟ يرجح الكثير بل ويؤيد الكثير مثل هذه التوجهات وهذه الخيارات بدعوى بأنهم يملكون الخبرات والباع الطويل فى المسائل الاستشارية والدراسات الاستراتيجية وإنى أوافقهم الرأى فى ذلك، ولكن هذه الخبرات نتجت من بيئات مختلفة عنا حضاريا ودينيا وثقافيا وغيرها من الأمور الأخرى الهامة، وأن الخطط الموضوعة والنصائح الموجههة وإن كانت صحيحة نظريا أو نتيجة أبحاث موثقة، ولكنها خرجت من بيئات مختلفة شكلا ومضمونا عن تقاليدنا وخبراتنا وبيئتنا العربية وغيرها من الأمور الهامة التى لم تؤخذ فى الحسبان لدى واضعى الخطط وأصحاب الاستشارات من الشركات العالمية، حيث إنه يبنى خططه على مفهومه وثقافته الخاصة غالبا أو يضع فروض وشروط لتطبيق أنظمة غير مؤهلة للتطبيق الفعلى فى الفترة الحالية نتيجة عدم توافر البيئة الصالحة لتطبيق هذه النظريات أو الخطط .هذا ليس من الكلام المرسل أو الحديث بصيغة رفض التقدم والانفتاح على العالم الآخر ولكن هذا تحليل واستقراء للواقع والتاريخ وهنا سوف أورد مثالا لتحقيق هذا الرأى وأبرز مثال التجربة الإندونيسية عندما استعانت بأفضل علماء الاقتصاد هو العالم الاقتصادى الألمانى (شاخت) الذى قدم للثورة الألمانية والتخطيط الاقتصادى الألمانى الكثير من الإنجازات فهل تحققت نظرياته وخططه فى تحقيق التنمية والأهداف المنشودة رغم أن دولة إندونيسيا تتوفر فيها موارد طبيعية وبيئية وتوافر العمالة وغيرها من الأمور التى لم تكن حتى متحققة فى ألمانيا ولكن لم تتحقق النتيجة المؤملة ويرجع إلى أن ((شاخت)) وضع مخططه لإندونيسيا على هوى معادلته الشخصية، وبخلفيته الاجتماعية، كفرد من المجتمع الألمانى، فى حين أن التجربة الإندونيسية ستجرى بطبيعة الحال على أساس معادلة الفرد الإندونيسى، فتعثرت التجربة على خطأ مخططها ((شاخت)) فى تقدير المعطيات البشرية فى المجال الاقتصادى، لأن ذهنه يحمل لهذه المعطيات صورة واحدة تطبق فى أى تجربة تجرى داخل ألمانيا أو خارجها.

ومثال آخر فى المجال العسكرى وذلك أثناء حرب 1973 م لمصر ومشكلة خط بارليف الذى عظمته إسرائيل بل وكل الخبراء العسكريين فى العالم وقالوا بعدم استطاعة أى جيش اختراقه إلا بواسطة القنابل النووية ولكن يأتى مهندس مصرى (اللواء المهندس باقى زكى يوسف) صاحب فكرة استخدام خراطيم المياه لكسر هذا الخط وتحويل دفة المعركة إلى القوة المصرية والعرب وكسر الأوهام الغربية وإثبات أن الارادة الداخلية للنجاح هى أعظم أسباب النجاح.
ومن هنا لابد أن نستوعب الدروس ونؤخذ العبر ونبنى حضارتنا واقتصادنا بسواعد أبنائنا فنحن أعلم بواقعنا ومشاكلنا وأقدر من يقوم بتحليل بيئتنا وإذا أتحنا الفرصة إلى علمائنا العرب الذين ملاؤا العالم بالعلم والإبداع وأن نستعملهم فى خدمة أوطانهم أو نبذل لهم الفرص للبناء والعطاء. فلو أتيحت لهم الإمكانات المالية والمادية والمعنوية، كما نوفرها للخبراء الأجانب والشركات العالمية التى تستنزف الأموال ولا تقدم إلا اليسير بل وإنى على قناعة بأنهم لن يقدموا إلا القليل إلينا لتغير واقعنا ومستقبلنا إلى مستويات أفضل مما نحن فيه وبنينا نموذجنا التنموى الحديث، وهنا أدعو الجميع أن ينظروا إلى مراحل تطور الدول المتقدمة ليعرف بأن الحضارة والتنمية تنبع من الداخل وليس الخارج وتبنى بسواعد أبنائها وقوة شبابها وتعظيم علمائها حيث تستخلص العبر وتكيف النظريات والتجارب لواقعها ولظروفها ولا تقلدها فحسب فهذا هى صناعة المستقبل الحقيقية فى نظرى فنحن أمة لها تاريخها المجيد فهلا استحضرنا تاريخنا وقمنا بواجبنا وإبدعنا وإنتاجنا لدينا الكثير لنقدمه لأنفسنا ولأوطاننا بل وللعالم كله، قال تعالى ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]

هذه هى الوصفة الحقيقية لصناعة الأمل والمستقبل المشرق لأمة عريقة فإذا أردنا التغيير الحقيقى فنغير أنفسنا ونصنع مجدنا بأيدينا ونتعلم ونقتبس من الدول الأخرى ما يناسبنا ونكيفه وفق ضوابط شرعنا وتقاليدنا وقيمنا المجيدة وأخيراً أشير إلى أن هذه الوصفة ليست للوطن فقط أو الشركات ولكن لأنفسنا أيضا فيجب أن نغير أنفسنا ونبحث عن ما يناسبنا ولا نقلد ما أنتجه غيرنا بل نتعلم ونطور ونبنى مستقبلنا بأيدينا ولا ننساق إلى أوهام الدعايات السحرية الأجنبية فيجب أن نصنع ونضع بصمتنا فى حياتنا لأنفسنا ولأوطاننا.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الجاهزية تحسم عودة أحمد حمدى للمشاركة مع الزمالك

الأعضاء الجدد بمجلس الدولة يؤدون اليمين القانونية أمام رئيس مجلس الدولة خلال أيام

أزمة ثقة الحلقة 3.. إصابة ملك زاهر بمرض نفسي وبيع الشركة يصدم نجلاء بدر

المشدد 5 سنوات لمدير مطعم شهير اختلس مبلغا ماليا من محل عمله بالعبور

النيابة العامة تُشيد بتعاون المواطنين فى الإبلاغ عن الوقائع المصورة


تجديد حبس سائق استولى على 5 ملايين جنيه من سيارة فى السلام

طقس حار على أغلب الأنحاء واضطراب بالملاحة.. والعظمى بالقاهرة 34 درجة

أجواء ودية تجمع الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد على مائدة إفطار بالعلمين.. صور

مصرع طفل بطعنات نافذة فى الرقبة لانقاذ محل والده من السرقة فى بورسعيد

انتحار مراهق أمريكى بتشجيع الذكاء الاصطناعى.. والوالدان يقاضيان "ChatGPT"


تعرف على تصنيف قرعة دورى أبطال أوروبا 2025-2026 بالنظام الجديد

تنسيق الدبلومات الفنية.. كليات يشترط الالتحاق بها اجتياز اختبارات القدرات

تفاصيل أزمة سيف الدين الجزيرى مع فيريرا في الزمالك

موعد انطلاق الدراسة بالجامعات والمعاهد للعام الدراسى 2025

تعرف على مصير ريبيرو مع الأهلي قبل مباراة بيراميدز الحاسمة في الدوري

الداخلية: زيارة استثنائية لنزلاء مراكز الإصلاح بمناسبة ذكرى المولد النبوى

حسام حسن يعلن قائمة منتخب مصر لمعسكر سبتمبر الأحد المقبل

إقبال طلاب تنسيق المرحلة الثالثة على معامل الجامعات لتسجيل الرغبات.. مكتب التنسيق: إتاحة تسجيل الرغبات لاختبارات القدرات لطلاب الشهادات الفنية غدًا.. وحصول الطالب على 75% على الأقل شرط للتقدم

روسيا: أوكرانيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي بسبب الخلاف على مذبحة فولين

راحة وسرعة.. مواعيد قطار تالجو على خطوط السكة الحديد الأربعاء 27-8-2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى