د. غيضان السيد على يكتب: تهافت العلمانية بمفهومها الغربى والعربى

ورقه وقلم - أرشيفية
ورقه وقلم - أرشيفية
بعد أن عايشت الفكر العلمانى والعلمانية حينًا من الدهر، وكتبت فيها ما كتبت، أردت أن أضع خلاصة ما توصلت إليه فيها حتى يكون زادًا لمن يريد أن يبدأ هذا الطريق من بعد. فالعلمانية هى نبت غربى خالص نشأ فى البيئة الغربية مع بدايات عصر النهضة الأوروبية، لتكون الخطوة الأساسية والأداة المثلى لعبور العصور الوسطى إلى العصر الحديث، وذلك لأن العلم كان مرتبطًا برقابة الكنيسة، أى لا يمكن أن يُقدم رأيا علميا ويُعتمد من الجهات العلمية المختصة أو أن يُنشر إلا بعد عرضه على الكنيسة وأخذ موافقتها. ومن ثم انتشرت محاكم التفتيش فى أوروبا، وعانى العلماء والمبدعون أشد المعاناة تحت هذا الوضع المتسلط من الدولة الثيوقراطية؛ فحُكم على جاليلو بالسجن خمسة وثلاثين عامًا لأنه قال إن الأرض تدور حول الشمس لا العكس. كما حُكم على القس جيوردانو برونو بالإعدام حرقًا لأنه قال بآراء علمية خالفت اتجاه الكنيسة.. وطال هذا العقاب الكنسى الكثير من علماء ذلك العصر. كما اشتهرت الكنيسة الكاثوليكية حينذاك بتحكمها فى تفسير النصوص الدينية الواضحة بتفسيرات غامضة لتبرر وجودها ولزومها، بل غالت فى استغلال العقيدة الدينية فى تحصيل المنافع الدنيوية بطرق تحط من كرامة الدين مثل صكوك الغفران المالية للأحياء أولاً ثم للأموات من أقربائهم.

ومن ثم تجمد العلم وكثرت موجات الإلحاد وعاشت أوروبا أسوأ عصورها على الإطلاق؛ فكان لابد للتخلص من تلك السطوة الكنسية العنيدة، فلم يتسن لها هذا إلا بالعلمانية التى تفصل الدين عن العلم وعن الدولة وعن السياسة والاقتصاد والاجتماع والسلوك...بحيث يصير ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

ولكن هل توقفت موجات الإلحاد فى أوروبا أم زادت بإعلان العلمانية، الحقيقة هو زيادة موجات الإلحاد حتى عند أشهر مفكريها، بل وأصبح الدين الذى من المفترض أن تكون العلمانية قد نحته تمامًا، هو المحرك الأساس لسياسات الغرب ضد الإسلام مثلا، بدليل وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا فى الغرب ورؤية صراع الحضارات وغيرها. وما حدث فى صربيا ضد مسلمى البوسنة والهرسك فى تسعينيات القرن الماضى أكبر دليل. بل أن المتأمل فيما يحدث الآن سيلاحظ بسهولة تعنت الغرب المسيحى ضد الشرق الإسلامى فى كثير من الأمور. وبناء عليه فالغربيون رغم إعلانهم الإيمان بالعلمانية لم يدعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

أما العلمانية العربية فهى تختلف فى كثير من التفاصيل الأساسية والفرعية عن العلمانية الغربية، فكثير من العلمانيين العرب يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، بل هم فقط يريدون ألا يفكروا فى النسبى بطريقة مطلقة، وببساطة، هم يريدون أن ينأوا بالدين المقدس بعيدًا عن دنس السياسية، وأن يبتعدوا عن توظيف الدين لخدمة السياسة.

ولذلك يمكننا الحديث عن تهافت العلمانية العربية أيضًا لأن الإسلام لا يعادى العلم بل يحث عليه، فأول آيات القرآن الكريم هى " اقرأ" وثانى سورة هى "القلم"، والإسلام منهاج تام للدين والدنيا، للعقيدة والشريعة والحضارة والأخلاق، للحياة الدنيا والآخرة.. فالدعوة إلى إبعاد الإسلام بالعلمانية -كما يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق- عن سياسة الدولة وشئون العمران، هو قطع لإحدى ساقيه، وتعطيل لإحدى رئتيه، وكفران ببعض آيات كتابه، ينتقص من كمال واكتمال الإيمان بهذا الإسلام.

ومن ثم فلا شأن لنا بالعلمانية تلك النبتة الغربية الخالصة، فلن تزهر فى بلادنا إلا شوكاً، فلا ضرورة لنا بها، وعلينا أن نبحث عما ينفعنا وأن لا ندع ما لقيصر لقيصر، بل علينا أن نحاسب قيصر على ماله، وأن نأخذ على يديه فى عمله.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ليلة المباراة.. موعد لقاء الأهلى أمام غزل المحلة بالدوري والقناة الناقلة

انطلاق دوري الكرة النسائية بـ 8 مواجهات قوية اليوم

الذهب الأبيض يزين أراضى الوادى الجديد.. زراعة 1700 فدان قطن تجريبيا ضمن خطة المدارس الحقلية لتوعية المزارع الواحاتى بأحدث نظم الزراعة والرى.. والمحافظ يوجه بدعم خطط التوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية.. صور

الأرصاد الجوية اليابانية تحذر من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة

بهاء الخطيب.. ذبحة صدرية أودت بحياة الفنان الشاب


مصر تخطو نحو الاكتفاء الذاتي من القمح بنسبة 70% بحلول 2030

الصين والهند تتقاربان على وقع تغيرات ترامب الجيوسياسية.. جارديان: زيارة كبير دبلوماسى الصين إلى الهند بداية لاستئناف العلاقات التجارية والرحلات وحل النزاع الحدودى.. واستعدادات لأول زيارة لمودى لبكين منذ 2018

غياب الأهلى عن الصدارة.. تعرف على ترتيب الدوري المصري قبل مباريات اليوم

قافلة جديدة من المساعدات الإنسانية الإماراتية تصل إلى غزة

السيناريست جامايكا يعلن وفاة الممثل الشاب بهاء الخطيب


كل ماتريد معرفته عن افتتاح منافسات الجولة الرابعة للدوري المصري اليوم

كاميرات المراقبة تكشف تفاصيل جريمة الاعتداء على شاب أمام زوجته بالحوامدية

اعترافات المتهم بسرقة متعلقات شخص بالإكراه فى الهرم

على أنغام لقيت الطبطبة.. القادسية يعلن التعاقد مع كهربا

مجدى عبد العاطى يجهز محمود ممدوح لقيادة مودرن سبورت أمام بيراميدز

مواعيد مباريات اليوم في الجولة الرابعة بالدوري المصري

سيدات الأهلى يختتمن تحضيراتهن قبل ضربة البداية بدورى الكرة النسائية.. صور

هل تتعرض البلاد لموجة شديدة الحرارة خلال الأيام المقبلة؟

إيرادات فيلم الشاطر لـ أمير كرارة تتخطى الـ 88 مليون جنيه منذ عرضه

شاهد تصوير جوي لأعمال تركيب القضبان وتشطيبات محطات القطار السريع.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى