الكاردينال فى هافانا.. والعرب يتبادلون الرهائن

عمرو جاد
عمرو جاد
السياسة مدهشة لعامة الناس، لعبة ممتعة للسياسيين، سلاح فعال لهزيمة الكسالى.. بعد أكثر من 47 عاما وفى نفس الأرض التى انتقل إليها رفات بلا يدين، هو ما تبقى من الفتى الثورى تشى جيفارا، وقف الحبر الأعظم فرانسيس بابا الفاتيكان ليقول لأكثر من مليون كوبى احتشدوا فى استقباله: «نريد اليوم تجديد صلات التعاون والصداقة هذه كى تتمكن الكنيسة من مواكبة وتشجيع الشعب الكوبى فى آماله وهمومه بحرية وبالوسائل»، لا شك أن النظرة الساخرة فى عينيى تمثال الرفيق أرنستوا تشى لم تكن تستهدف كلام الكاردينال، ولا تمثال المسيح الصامد أكثر من المبادئ الشيوعية أمام موجة الانفتاح القادمة من واشنطن عبر ساحة القديس بطرس، لتستقر فى عقل الوصيف راؤول، وعلى غير هوى أخيه الثورى العجوز فيدل كاسترو.

منذ أن حطت أول طائرة أمريكية فى العاصمة الكوبية «هافانا» بعد 60 عاما من القطيعة أدرك أصحاء العقول فى زمنهم المتوعك أن شيئا ما «حقيقى» يتغير فى هذا الجانب الآخر من العالم، هزيمة معتادة لبقايا الاشتراكية ونصر جديد للساحر الأمريكى الأخضر الذى كان محرما فى الجزيرة الشيوعية أكثر من أوراق الحشيش، لكن لا بأس فالضغط الأمريكى هذه المرة لم يكن تهديدا بالقوة، بقدر ما كان تلويحا بسحر الحلم الأمريكى، فتراجعت سياسة سوبر مان ورامبو، وحل مكانه الصليب الذهبى بصفته رابطا مقدسا بين الكاثوليك فى العالم المتحضر وإخوانهم فى غابات الموز وعنابر صنع السيجار، وأصبح الدولار أكثر صدقا من شعار «أفكارنا أقوى من السلاح».

لا تصدق أبدا أن الدول الكبرى تتسامح فى تفاصيل صغيرة من هزائم الماضى.. قد تبدو كوبا فى خلفية الصراع بين بوتين العائد بحماس القياصرة، وأوباما الراحل بعدما أوهن حماس كاتب التاريخ الأمريكى، تبدو وكأنها فقط جزيرة متنمرة عادت لطوع راعٍ بعدما أفقرتها التبعية لموسكو عبر عقود مضت، الأمر أكبر من ذلك، فأوباما يريد أن يدعم سيرته الذاتية كرجل سلام قاد بلاده للتصالح مع أعدائها «إيران وكوبا»، بينما يعتبر السياسيون الأكثر حنكة فى البيت الأبيض أن عودة هافانا «الضالة» ثأرا من بقايا الاتحاد السوفيتى الذى أفشل 60 عاما من جهود ثعالب المخابرات المركزية فى تكسير عظام كوبا، وكبت شعاع الثورة فيها من أن ينتقل لبلدان أخرى، فلما فشلوا اكتفوا بقطع يد تشى وأخفوا مكان موته. كان البابا فرانسيس باسما حينما خطى إلى ميدان الثورة، وكان نظام كاستروا أيضا يضحك سرا حينما سمع لأول مرة منذ عقود رنين جرس البيت الأبيض.. لا أحد ينكر أن كوبا ربحت كثيرا فى عملية تحويل المسار تلك، يكفيها أنها دخلت البيت الأبيض رافعة رأسها، تاركة خلفها إرثا من الشيوعية تلخصه سيارات اللادا رمز الاتجاه شرقا، والكاديلاك رمز هزيمة الإمبريالية.

الأمر لا يتعلق بالدين أيضا، فالبابا بوصفه القائد الروحى لملايين المسيحيين الكاثوليك حول العالم لا يتعدى دوره فى التقارب الأمريكى الكوبى سوى دور الوسيط الذى أضفى على الاتفاق لمسة من الشاعرية، فهو الكاردينال الأرجنتينى خورخى ماريو بيرجوليو الذى يجلس على كرسى الرسول فى روما، ويغسل قدمى فتاة مسلمة فى السجن الأكثر عنفا بأمريكا اللاتينية، ويرفض الإعدام ويجعل الزواج الكنسى مجانا، هل تريدون تسامحا أكثر من هذا؟ لكن إدارة أوباما تنظر للأمر أبعد فهى سترضى لكوبا ما لا ترضاه لمصر أو العراق أو اليمن.. ولن تقبل تكراره فى خليج الخنازير تعتبره صراعا على السلطة فى سيناء، وتعتبر السيجار الكوبى أكثر قيمة من 12 ألف قطعة آثار نهبت من «بابل» العراق ومثلها أو كثر من «تدمر» فى سوريا.. وستدفع المليارات ليصبح الشعب الكوبى أكثر رخاء، نكاية فى روسيا مرة، وإغراء لكاتب التاريخ مرة أخرى. كل المسائل العالقة قابلة للحسم طالما أرادت الأنظمة القوية ذلك، فبينما كان مجهودا استخباراتيا خرافيا يبذل لإعادة العلاقات الأمريكية الكوبية، قررت روسيا أن تعاقب الاتحاد الأوروبى فانتزعنت القرم بالقوة وزرعت الانشقاق فى بقية أوكرانيا، والطرفان ثالثهما الفاتيكان لا يزالون يتبادلون التهم مع بقية العالم حول مسؤولية تشريد آلاف السوريين.

إلى أن يثبت العكس.. يظل العرب أكثر الناس إيمانا بوجود البعث، عقيدة وحزبا، لكنهم فقدوا الشغف بالخلود الذى تتصارع من أجله القوى الكبرى فى العالم وتهتم به المراكز العلمية والسياسية.. ففى تلك اللحظة التى يحسب فيها الأمريكان أرباحهم من استئناس أحد معاقل الشيوعية فى كوبا، ويقيمون الخسائر من فكرة مباركة صعود الهند كقوة آسيوية تكبح نيران التنين الصينى، نحن أيضا منشغلون بتبديل العروش فى الجلسات العائلية، وتحديد أى النظم السياسية أفضل: «بالحب» أم «النوايا الحسنة»؟ ويبقى أفضل إنجاز لنا هو تبادل الرهائن العرب بين السعودية والحوثيين فى مسقط.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب يسلم رسالة من زوجته ميلانيا إلى بوتين خلال قمة ألاسكا.. وهذا ما فيها

جينيفر أنيستون تحوّل منزلها الفاخر إلى واحة هادئة بعيدًا عن صخب هوليوود.. صور

مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلى: "شرف ما بعده شرف"

وزارة التعليم: حظر تحصيل أية مبالغ مالية من أولياء الأمور

وزارة التعليم: تسجيل غياب الطلاب يوميا بالعام الدراسى الجديد 20 سبتمبر


غلق شارع 26 يوليو لتنفيذ مونوريل وادى النيل -6 أكتوبر.. اعرف تحويلات المرور

الأهلي يقدم شكوى رسمية ضد الحكم محمد معروف خلال ساعات بسبب طرد هاني

أشرف داري يواجه شبح الرحيل عن الأهلي خلال ميركاتو الشتاء

محمد صلاح يقترب من إنجاز غير مسبوق فى تاريخ الدوري الإنجليزي

وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها


قانون الإيجار القديم يحدد نسبة زيادة الأجرة للمحال التجارية.. التفاصيل

30 أغسطس محاكمة المتهمة بالتشهير بفنانة على السوشيال لحضورها من محبسها

الزمالك يصطدم بالمقاولون العرب في اختبار قوي بالدوري..الليلة

1500 فرصة عمل كأفراد أمن بمرتبات تصل لـ9000 جنيه.. اعرف التفاصيل

تفاصيل جلسة محمد يوسف مع أحمد عبد القادر في الأهلي

إتاحة موقع التنسيق لبدء قبول طلاب مدارس المتفوقين والنيل الثانوية الدولية

البداية مع زعيم الثغر.. 3 مواجهات قوية تنتظر الإسماعيلي قبل نهاية أغسطس

الأهلى "باى" فى الجولة الثالثة من دورى نايل ويستعد لمواجهة غزل المحلة

وزارة الصحة تخصص آلية لاستعلام المواطنين عن قرارات العلاج على نفقة الدولة

خلال ساعات.. نظر محاكمة 53 متهما بـ"خلية القطامية"

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى