حوار بلا ضجيج

د. عمرو خالد
د. عمرو خالد
د. عمرو خالد
دعوتنا إلى الانطلاق من أجل «تجديد رؤيتنا للدين»، هى دعوة إلى ضرورة البحث والتنقيب فى الدين لاكتشاف كنوز وجواهر جديدة فى بطونه وأعماقه، وأن نتغلب بشكل جاد على الموانع التى تحول دون تحقيق ذلك، سواءً كانت فكرية أو نفسية أو أخلاقية، من خلال الحوار المستمر.

وإذا لم نتحاور بانفتاح وبسماع للأفكار مثل القرآن، فإن ذلك سيؤدى إلى حدوث عنف وتطرف أو إلحاد، لكننا أصبحنا لا نقبل الحوار، ليس فى الدين فقط، بل فى حياتنا عمومًا، وأصبح الحوار فى بلادنا عملة نادرة، بعد أن استبدلنا ثقافة الحوار بثقافة الضجيج.. ثقافة الصوت العالى.. وما حدث من جدل حول صحيحى البخارى ومسلم ما هو إلا نموذج من هذا النوع الأخير.


الضجيج بديلًا للحوار


ثقافة الضجيج ظاهرة قديمة جدًّا منذ بداية البشرية، تزيد كلما قل الحوار والتجديد وتقل كلما زاد الحوار والتجديد، الراعى الرئيس لها هو إبليس «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا»، فهو يجعل الصوت العالى والصياح والجلبة وسيلة من وسائل اختلال الخلق، لأن الضجيج يفقد الإنسان التركيز والهدوء النفسى فيسهل تضليله. والقرآن وصف كفار قريش قبل الإسلام وطوافهم بالكعبة، قائلًا: «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ».. صياح وصفير وتصفيق.. لماذا؟.. حتى لا يفكر الإنسان، لأن فكرة عبادة الأصنام لا ترتاح لها النفوس، فالحل أن يصاحبها ضجيج، وبعد أن جاءهم الإسلام، نفس الطريقة «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»، علوا صوتكم عليه لتشوشوا على من يسمع.

القرآن يحذر من الضجيج والصوت العالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ»، «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»، «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»، أى أن تكونوا خاشعين.
يقول لقمان لابنه وهو يعظه: «وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»، القصد فى المشى هو وجود هدف وقصد فى الحياة، وصوت الحمير كناية عن ثقافة الضجيج. ويجعـل الله -سبحانه وتعالى- فى المقـابل «الهمس» علامة جلال ومهابة فيقول: «وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا»؛ «فَأَىُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ»، ثقافة الضجيج ذى العقلية الهشة أم ثقافة التدبر والحكمة؟ وفى الدعاء لا ضجيج .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا؛ إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ»، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نهدأ، وأن الضجيج ظاهرًا وباطنًا ممنوع فى ديننا. إنها طريقة حياة وطريقة تفكير.

كيف نتعامل مع هذه الجدلية؟



من خلال الحوار حول فكرة الحق والواجب، كما فى قصة النبى والرجل الذى جاء يطالب بمال الزكاة.. فالدول فى بدايتها يكون فيها الواجب قبل الحق.

اجتماعيًا: المراهق يتمرد على قيم أهله ليتأكد بنفسه من قيمه هو وعادة ما يعود لقيم أهله.. لا تشوش عليه، فهل لا ننصحه ولا نحاوره؟. كان هناك أب وأم، وكان لديهما ابن فى السابعة عشرة، وكان ابنًا عنيدًا جدًا وعصبيًا جدًا. فلم يجدا وسيلة للتحدث معه إلّا بالكتابة. كانا يكتبان له رسائل ويضعانها له فى مكان نومه، وكانا يكتبان على الظرف: «اقرأها عندما تكون وحدك». وكان يقرأ الرسائل كل يوم. يقول الابن: كنت أنتظر كل يوم الرسالة من أبى وأمى، وعندما كانت الرسالة تتأخر كنت أحزن كثيرًا. ويقول: مرت فترة المراهقة بسلام بسبب هذه الرسائل.

لا غنى إذن عن الحوار بين البشر، لأن البديل حينئذ يكون العنف، والقرآن عندما دعا النبى إلى تبليغ الرسالة كان عن طريق محاورة الناس بالرفق واللين، «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، هكذا يدار الحوار مع الآخر بعيدًا عن التشنج والتعصب، «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اتحاد اليد يرسل للأندية تعميم بخصوص الزي في الموسم الجديد

وزارة الكهرباء: لا توجد إصابات فى حريق محطة محولات العاشر من رمضان

انقطاع الكهرباء بمناطق في العاشر من رمضان نتيجة اشتعال النيران بمحطة محولات 66

35 حزبا يتنافسون على المقاعد الفردية بانتخابات مجلس الشيوخ.. إنفوجراف

رئيس الوزراء: الحكومة تعمل على طمأنة المستأجرين وستكون هناك بدائل جاهزة لهم


فيريرا يطالب لاعبى الزمالك الظهور بشكل يليق باسم الزمالك فى الموسم الجديد

لينك الاستعلام عن نتيجة التظلم بمسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد مادة اللغة الإنجليزية

ابنة كريم محمود عبد العزيز فى ظهور خاص معه خلال الحلقة 9 من مملكة الحرير

مدبولى: الدولة اللى نجحت فى عمل أفضل برامج إسكان قادرة تتعامل مع موضوع المستأجرين

إبراهيم سعيد يبكى فى أول ظهور له بعد الخروج من السجن: عايز حقى.. فيديو


الهضبة يواصل التألق.. "ابتدينا" يدخل قائمة أفضل 10 ألبومات عالمية على سبوتيفاى

وزير الخارجية يستقبل مدير عام السياسات باللجنة اليهودية الأمريكية

77 مترشحا يتقدمون بأوراقهم لخوض انتخابات مجلس الشيوخ فى خامس أيام فتح باب التقدم

22 عاما على "اللى بالى بالك".. مكالمة من الزعيم أسعدت محمد سعد بعد عرض الفيلم

لاعبو ليفربول يوافقون علي خوض ودية الأحد ضد بريستون تكريماً لجوتا

ترامب يتهرب من الإجابة عن سؤال حول "ملفات ابستين".. ويصفه بـ"رجل خبيث"

جامعة القاهرة الأهلية تُطلق صفحتها الرسمية على فيسبوك وموقعها الإلكترونى

3 أشهر تفصل محمد حسن عن العودة إلى تدريبات الإسماعيلى بعد إصابة إكيليس

حرائق مرسيليا تخرج عن السيطرة: تضرر 70 منزلًا وتحذيرات من صيف كارثي في فرنسا

وزير التعليم يستعرض الترتيبات النهائية لآخر أيام امتحانات الثانوية العامة غدا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى