أما آن لهذا «المصحف» أن يترجل؟

وائل السمرى
وائل السمرى
تمر القرون ويبقى هذا المشهد على حاله، وقف الشر يومًا فى أرض المعركة، فحكم على مستقبلنا بالسواد، حكم عليه بدوام الاحتقان، حكم عليه بدوام الشتات، حكم عليه بالموت البطىء والعيش القمىء والهواء الردىء، قالوا ارفعوا المصاحف فوق أسنة الرماح، فرفعوها، قالوا لا حكم إلا لله، لم يحكم الله وإنما حكم الشيطان، قالوا نحن سنة وأنتم شيعة، ففصلت بيننا خنادق الدم وصار سلامنا سبابا ونباحا وتناحرا واحتقانا، رفعوا المصاحف بقوة، فانغرست الأسنة فى «رحمة للعالمين» وانغرست فى «قل يا عبادي» وانغرست فى «يا أيها المؤمنون» وانغرست فى «تعالوا إلى كلمة سواء» وانغرست فى «واعتصموا» ولم تنج من الواقعة سوى «كتب عليكم القتال». تمر القرون ويبقى هذا المشهد على حاله، فتنة دائمة لا تنام لنلعن من يوقظها، بل توقظنا كل صباح على رائحة الدم وأصوات النذير، تئن المصاحف من طول تعليقها على أسنة الرماح، تنزف المصاحف فننوح، تتألم المصاحف فنصرخ، تبكى المصاحف فيتردد صوت البكاء فى أرجاء العالم الإسلامى، ولا نبرع فى شىء قدر براعتنا فى كتابة المراثى والبكاء على الحلم المسفوك.

تقول المصاحف: اتركونى وشأنى، تنادى: أغيثونى منكم، تصرخ: تعبت تعبت تعبت، تعبت من شارات دمكم، تعبت من ثقل أخطائكم، تعبت من حجم أغراضكم، تعبت من كل يوم تحملوننى فيه ما لا أحتمل، فنصم آذاننا عن آهاتها، والأسنة تنغرس، والبكاء يطول.

نقفز قرونًا، لكننا نظل فى المكان، تغادرنا السنون ولا نغادر موضعًا، هذا سنى، وهذا شيعى، ومعارك الأمس تصبح معارك اليوم، وليس لنا حيلة إلا عد الضحايا، وتوقع أرقام الضحايا الجدد، وتجىء المعارك اليومية لتجدد المعارك التاريخية وكأننا كنا نعيش على قشرة من جليد تخفى تحتها بركانا هائلا.

ما بين ليلة وضحاها تبدل الحال، قشرة رقيقة من التحفظ تشققت، غلالة رقيقة من الاتصال تقطعت، احتقنت الأجواء فوق احتقانها، وتبدل لون من الأخبار من اللون الأخضر إلى الأحمر، الجميع يتكلم عن الأزمة السعودية الإيرانية التى تسبب فيها قتل رجل الدين الشيعى «نمر باقر النمر» دقت الحرب المذهبية طبولها، وفجأة ظهرت إلى السطح قضية «ريحانة جبارى» تلك الفتاة الإيرانية التى أعدمت لأنها قتلت رجل استخبارات إيرانيا حاول الاعتداء عليها، وفجأة أيضا قيل إن ريحانة «سنية» وإن إعدامها جاء لأسباب طائفية وليس لأسباب جنائية، وحينما فتح الجميع خزانة التاريخ وجدوا بها ما يسر كل طائفة، قوائم بالمذابح، أبطالا منسيين، ضحايا مغدورين، لوائح بالقتلة، سجلات بالوقائع الدامية، فتح المزاد، والأمهر يظفر، كل حسب طاقته ومقدرته، والغلبة هنا ليست للعقل أو للمنطق أو حتى للساعد، لكن لمن يملك نفسا عميقا يمكنه من الغوص إلى غياهب الجب دون أن يلقى حتفه.

قرون مرت وبقى هذا المشهد على حاله، وفى التاريخ مرت أسماء بنت أبى بكر على جثة ابنها المصلوب عبدالله بن الزبير بعد ثلاثة أيام من قتله، فأطلقت صيحتها الشهيرة «أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟» لكننا وبعد مرور أربعة عشر قرنا بخلنا بمثل هذه الصيحة على مصاحفنا التى تنغرس فيها الرماح فلا تجد لها مغيثًا.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

تشيلسى يقصى فلومينينسى بثنائية ويتأهل لنهائى كأس العالم للأندية.. فيديو

ترك أعمالا مميزة واعتزل التمثيل فى الستينيات.. ذكرى ميلاد حسين صدقى

رجال الحماية المدنية بالجيزة يشاركون فى إخماد نيران سنترال رمسيس.. صور وفيديو

استشهاد 3 فلسطينيين فى قصف للاحتلال غرب خان يونس


إحباط تهريب 300 كائن حى نادر بمطار القاهرة.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراضا وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصالا لها.. وتتسبب فى خسائر فى الثروة الحيوانية

بطل من الحماية المدنية.. مدير إدارة عمليات يصعد على السلم ليساعد في إخماد حريق سنترال رمسيس

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

ترامب: هاجمنا إيران بقاذفات قادرة على التخفى وبوتين يطلق اتهامات

عمرو الحلواني لاعب الأهلي يحتفل بالحصول على دبلومة فيفا


بطل من الحماية المدنية.. قطع إجازته ليخمد حريق سنترال رمسيس ..صور وفيديو

الناتو يوسع عمليات الاستطلاع من فنلندا إلى شمال الأطلسي

الانتقال الجماعى شعار الميركاتو الصيفى فى الدورى المصرى.. ثنائى فاركو الأحدث

ليبيا تطرد وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا ومسؤولا أوروبيا

أول تقرير من تحقيقات الشرطة الإسبانية: السرعة الزائدة سبب حادث جوتا

سجل بياناتك لتصلك نتيجة الثانوية العامة 2025

قهوة الزباد.. رحلة أغلى فنجان فى العالم من بطن حيوان إلى مائدة الأثرياء

تداول فيديو لحريق مصنع إسفنج دمياط ..استمرار محاولات السيطرة على النيران

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى