آخر الأصول.. شكراً ووداعاً

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم
بقلم - ناجح إبراهيم
رحم الله الإنسان رحمات لا تعد ولا تحصى «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»، منها أنه عادة ما يفقد أصوله فى حياته ونادرًا ما يفقد فروعه.. فعادة ما يفقد الإنسان والديه وأعمامه وأخواله فى حياته.. وقد يفقد بعض أصدقائه وأشقائه ولا يفقد عادة أولاده فى حياته.. لأن فقد الأولاد أصعب وأشق على الإنسان من فقد والديه، وخاصة إذا كبر سنهما وبلغا من الكبر عتيا. ولذلك كان ثواب فقد الأولاد عظيما «قبضتم ثمرة فؤاده؟» هكذا يقول الله لملائكته ويسألهم وهو أعلم بأمر عباده منهم: ماذا قال عبدى؟ فيقولون «حمدك واسترجع فيقول: ابنوا لعبدى بيتًا فى الجنة وسموه بيت الحمد». وقد مستنى كل هذه الأنواع من الضر.. فماتت ابنتى نوران المريضة بالقلب إثر جراحة معقدة لتمثل فقد الفروع وكان موتها رحمة لها ولنا وقد بكيناها كثيرا رغم مرضها وصغر سنها.. وتوفى شقيقى الأصغر أحمد سعيد الذى كان من أحب الأشقاء إلى قلبى وأقربهم لى سمتًا وخلقًا ليمثل فقد الأغصان. وتوفى والدى ووالدتى وكانا سندى فى الحياة وكتبت عنهما كثيرا، ومازلت أشعر بفقدهما وحاجتى إليهما رغم تجاوزى الستين وأمتن لكل ما قدماه لى من بذل وعطاء وطعام حلال وخلق كريم وتربية فى بيت صالح.

ثم بدأت كل الأصول تتهادى وتغيب من حياتى فماتت خالتى والدة الشهيد مراد سيد عبدالحافظ بطل أكتوبر الحاصل على نجمة سيناء أرفع وسام عسكرى مصرى، والوحيد من بلدتنا الذى حصل على هذا الوسام الرفيع، وأحد تلاميذ الشهيد العظيم إبراهيم الرفاعى، والذى تفخر زوجته وابنته «عبير» وكذلك أحفاده بكل ما ينشر عنه. ومنذ أيام قليلة توفيت آخر خالاتى وأجملهم «خلقًا وخلقًا» «كوثر» التى لها حظ وافر من اسمها، وبوفاتها تكون كل أصولى قد ذهبت إلى ربها، وفارقت دنيانا. هكذا سأعيش منذ اليوم بلا أصول «لا أعمام ولا أخوال ولا خالات».. لأنظر فيمن حولى وجيلى، وأخشى من فقد الأشقاء أو الشقيقات أو الأصدقاء، أو ما يسمى بالأغصان التى من حولى.

مع فقد خالتى الحبيبة لم يبق من أصولى أحد.. وبفقدها أغلق آخر بيت كان مفتوحًا للناس جميعًا.. ومضى الجيل العظيم من النساء الذى كان قادرًا على أن يفتح بيته لعشرات الضيوف فى وقت واحد وكان يسعد بقدومهم عليه.

انتهى جيل المرأة التى تبذل وتكافح من بداية حياتها حتى نهايتها.. فقد توفى زوج خالتى وهى فى ريعان شبابها.. وأرادت الصبر على تربية أولادها، لولا أن أحدهما كان عاقا بها وشرسًا معها، فاحتمت بالزواج من بطشه وتزوجت تاجرًا بدأت معه رحلة كفاح حتى أصبح أشهر تاجر فى أسيوط، وكان متجره فى أواخر الستينيات والسبعينيات نموذجًا للدقة والأمانة والجودة.

وقامت خالتى بتربية ولديه الكبيرين فى شقتها قبل أن يبنى لأسرته عمارة كاملة فتخرج ابن زوجها الأكبر د. نادى من كلية الطب، ثم أصبح معيدًا، فمدرسًا، فأستاذًا للجراحة فى جامعة الزقازيق، وها هو اليوم وقد جاوز الستين وخرج للمعاش. وتخرج ابن زوجها الأصغر من كلية التجارة، وأصبح الآن مديرًا عامًا بجامعة الزقازيق، ثم ولدت من زوجها البنين والبنات الذين تخرجوا جميعًا من الجامعة وتزوجوا وأنجبوا، فصار لها أولاد وأحفاد، وتزوج بعض أحفادها لتشهد الجيل الثالث من نتاجها. مضت خالتى كوثر وكل الذين عرفوها من أقاربى يرددون سويًا: «أُغلق البيت عن الضيوف والزائرين من بعدها».

كنت وأشقائى الأقرب لخالتى، وكنت أتردد عليها دائمًا فى بيتها حينما كنت طالبًا فى كلية الطب، وكان بيتها بيت كرم وجود وفضل، وكان طعامها لا يقاوم من روعته.

لقد مضت الأصول جميعًا.. واليوم بقيت الأغصان والأصدقاء والأشقاء، لتبدأ مرحلة الرحيل فى الوقت الذى يتزوج فيه الأولاد والأحفاد وتتدفق المواليد لتعوض الذين فارقونا إلى الأبد، وغابوا عنا، حيث الحياة الأخرى «وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ».

سلام على الأحياء والموتى والمواليد.. سلام على الأولين والآخرين، رزقهم الله جميعًا عافية الدارين.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الدوري المصري بعد 3 جولات.. 8 فرق بدون انتصارات

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية في الكونغو الديمقراطية

أحمد حمدي يخضع لاختبار طبى فى الزمالك بعد إصابته فى الأمامية

فيولا ديفيس تحتفل بعيد ميلادها الستين.. وتصف شعورها في هذا العمر بـ"الحرية"

سيحا حارس الأهلي يتعرض لحادث سيارة ويعلق: الحمد لله على فضله


شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثلنى قانونيا ولدى الخبرة الكافية لاتخاذ قرارتى

الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي بـ 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه

رامي ربيعة.. العين ضيفًا على دبا في الدوري الإماراتي اليوم

طائرة خاصة لمنتخب مصر للسفر 7 سبتمبر لمواجهة بوركينا في تصفيات المونديال

مستوحى من أحداث حقيقية.. تفاصيل فيلم ايجى بست بعد انطلاق تصويره


مقر عبادة الإله جحوتى.. مدينة الأحياء الأثرية تحكى تاريخ المنيا القديمة.. صور

مرموش يواجه اختبارًا جديدًا فى قمة نارية بين مانشستر سيتي وتوتنهام

برشلونة يواجه ليفانتي لمواصلة الانتصارات فى الدوري الإسباني

هل تفلت هدير عبد الرازق من الحبس.. تعرف على موعد الحكم عليها

تفاصيل التحقيق مع تشكيل عصابى بتهمة سرقة هواتف المحمول

مواعيد القطارات على خط القاهرة أسوان والإسكندرية أسوان والعكس اليوم السبت

"الرابر" يشعلون حفل مهرجان العلمين ناصر وخالد على وديزى توو سكينى.. ويجز يتألق بأغانى ألبومه الجديد.. ومفاجأة الحفل صعود آسر ياسين وتارا عماد ومايان السيد أبطال فيلم "وتر واحد" على مسرح يو أرينا

دورتموند ضيفا على سانت باولي وليفركوزن ضد هوفنهايم في الدوري الألماني

وفاة الفنانة المعتزلة سهير مجدى

اليوم غلق باب التقديم على فرص عمل فى السعودية بمرتبات 80 ألف جنيه شهريا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى