وائل القمرى يكتب: سجن الأفكار

أسوأ أنواع السجون سجن الأفكار، ما أتعس حياة الذين يسجنون أنفسهم داخل فكرة ويتقوقعون داخلها، العالم أوسع بكثير من أفكارهم الغارقون فيها، فهو الجانى والمجنى عليه والسجين والسجان والقاضى والمحكوم عليه . سجن يجعل طريقة تفكيرنا بها شىء من الميوعة والسذاجة والسطحية سجن يجعل كل أو معظم تصرفاتنا كما نهوى نحن، بغض النظر عن كون هذه التصرفات صحيحة أم لا.

سجن يمنعنا من أن نفكر ولو للحظات فى أننا قد نكون سببًا فى مشكلة نعيشها ونعانى منها عناءً شديداً ولكن نرى أنفسنا فيها ضحايا لا جناة، وربما تكون الحقيقة أننا الجناة أو على الأقل علينا جزءًا من المسئولية فيما نعانى منه . سجن يمنعنا من أن نعترف بأخطاء ارتكبناها ويجب أن نلوم أنفسنا عليها سجن يجعلنا نشعر فيه بأننا نفهم الحقيقة وندركها ونسخر من الآخر الذى يختلف معنا فى طريقة التفكير لا لشىء غير ارضاء لغرورنا . نشعر بأن غيرنا يحتاج أيضاً للمرضاة . سجن يجعلنا نظن أن كثيراً من الأوهام حقيقة مؤكدة وملموسة لكنها مجرد مشاعر سيطرت على تفكيرنا نحن ليس إلا. سجن يجعلنا نوافق من نحب فى كلامه وإن كان مخطئًا ونرفض كلام غيره لمجرد أننا لا نقبل صاحبه وإن كان كلامه صحيحاً. سجن يجعلنا نبرر تصرفات الأقوى وإن كان ظالماً ونهاجم الأضعف الذى ربما يكون مقهوراً. سجن يجعلنا لا نعلم ولا نقبل بعلم غير الذى ترسخ فى معتقاداتنا المورثة أو المستقاة منذ عهود ما قبل التميز . سجن يأبى التغير والتجديد والابتكار. لكل ما هو مخالف لتقاليد النشء إصابة أم أخطأت .