مونيكا ناجى تكتب: حطام

حائط مهدوم
حائط مهدوم
لا يتعلم الإنسان دروس الحياة دفعة واحدة لكنه يظل يتعلم ما دام على قيد الحياة.
وحتى تلك المقولة ادراكها لم يكن بالسهل عليها أبداً.. فقد وجدت نفسها مع أول تجربة محاصرة بسحابة من الحزن والكآبة تسربت إلى أعماقها لتسلبها براعم الحب التى قد بدأت تنبت بداخلها لتدمر ما تبقى فى داخلها. 
شىء بداخلها يتحطم تدريجياً مع كل صفعة تأتيها من الحياة، لكنها لم تتوانى عن المقاومة يوماً.. 
غادرها الأول وتركها كمدينة محطمة، عبرها وكأنها شبح.. لم يلحظ ما أحدثه من ثقب فى قلبها جراء رحيله عنها بحججه الواهية .
ترك لها ثقب تتألم منه كلما عبر أمامها أى نسيم ينجم عن حب أو إعجاب، يؤلمها حتى مشاهد الحب فى التلفاز وكأنها تريد أن تكذب كل ذلك، تريد أن تكذب كل العاشقين، تريد أن تفرقهم ليس عن كره لهم لكن خوفاً عليهم، خوفاً أن يصيبهم ما أصابها .
لم تكن تعلم أن ذلك الثقب بدأ يتسع حتى كاد يلتهمها كلياً.. 
حتى جاء الثانى.. لم يفعل أى شىء سوى أن لمس قلبها لمسه طفيفة جداً، كمتى تلمس سطح النهر الراكد بطرف إصبعك فيتحرك الركود ليحدث دوائر متتالية بسيطة تأثر فى ذاك النهر الضخم.
بكلمات وأفعال بسيطة منه صارت ترى الدنيا من خلاله بشكل مختلف أتم اختلاف، كالتى ولدت ضريرة وأبصرت على يديه لتكتشف ويتكشف لها كل لون من الوان الحياة لتراه للمرة الأولى بلون غير الأسود.
وضعت صوب أعينها هدف واحد وهو الالتصاق بذلك الشخص الذى بعث فيها نسمات الحياة من جديد، رواها من مياه تقطر شهداً وتزيل المر وتحيى القحل الذى كانت تعيش فيه لينبت من جديد ورود من كل لون.
ظلت تسير فى ذلك الدرب بكل مثابرة وبكل تركيز حتى فاجأتها الفاجعة الكبيرة.. هو لا يحبها.. بتلك البساطة.. كمن ظل يركض فى طريق طويل أملاً منه أن يصل إلى هدفه الذى يبغيه وبشدة لكنه فجأة توقف لأن شظية اخترقت قدمه، وعندما توقف فوجئ بأنه يقطر دماً.. لم يشعر بالألم فى بادئ الأمر لكن بمجرد رؤيته وملاحظته لما أحدثته تلك الشظية من جرح وما نتج عنه من نزيف حتى بدأ الألم يتسلسل إلى كل كيانه.
بدأت تتألم وكأنها المرة الأولى والوحيدة التى جرحت فيها، أدركت أن ليل أحزانها قد حل وقد حان وقت العودة إلى وحدتها وكونها الصغير المنغلق الآمن جداً لأن عدد سكانه واحدة والتى هى نفسها.. وحدها.. وحيدة ..
 
وفى طريق عودتها بدأت ترى ما تركه جرحها من آثار قطرات دم وكانت كل قطرة تحمل علامة استفهام ! ماذا لو لم اركض بكل تلك اللهفة ! ماذا لو لم اترك عالمى الصغير لأركض بعده ! ماذا لو لم املك قلباً يشعر اصلاً ! ماذا لو .
 
علامات استفهام كثيرة، لكن شيء غريب كان فى طريق العودة ! كان الطريق طويلاً جدا.. لم تعد ترى أين النهاية وأين البداية . لم تشعر أنها ركضت كل ذلك الطريق ..
 
بدأ المكان يصير موحشاً وحتى وحدتها لم تعد كما كانت تعهدها.. فوقفت على أمل واهى أن يتوقف معها الزمن . اكتنفتها الهموم وصارت تحوم حولها كالغربان الجائعة حول جسد قارب أن يزوره مرسال الموت.. تستعد لالتهامه .
 
لكن فجأة وبدون أى مقدمات وبدون أن تلحظ اقتراب أحدهم لها، وجدت يد تمد لها... ترددت لكنها سرعان ما مدت يدها وتركتها فى راحة يده ليسحبها من فجوة الظلام ليخرجها إلى وهج عظيم لتكتشف أن الحياة لم تتوقف وأنها هى وحدها من توقفت وتقوقعت فى ثقب أسود كان يسحبها فى اتجاه لا رجعة فيه .
 
كل هذا ويدها ما زالت فى راحة يده ولكن تلك المرة كانا الإثنان ممسكان ببعضهما.. سحبها كالطفلة ليريها أجمل ما فى الدنيا، ليريها أن تلك الدودة المقززة قد احتملت اختناقها بداخل شرنقتها لتخرج فراشة زاهية الألوان تماماً مثلها، خرجت إنسانة جديدة أجنحتها تضيء بالألوان على كل ما حولها لتحول العالم الصغير إلى كون كبير يضيء بألوان كثيرة لم يعرف لها إسم بعد.. عرفت كيف تقف فى وجه الموج والعواصف وتخرج منه أقوى مما سبق، وإن وقعت.. لابد أنها ستقوم.. ستشرق من جديد مثل شمس كل صباح لتبعث بدفئها على كل ما حولها . 
ذلك أيضاً درس آخر تعلمته.. قد نخسر الكثير لنتعلم درس واحد، لكن الأهم ألا نخسر أنفسنا إلا أن كنا كالأفعى فى حاجة أن نخلع جلدنا العتيق الميت لنبرز بجلدنا الجديد المشع الذى ولد من جديد.. كنسر كسر منقاره ومخالبه وكل تروس دفاعه وهجومه ليحصل على حياة جديدة وشباب جديد يتجدد بعد كل ألم.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رابطة الأندية تستقر على إقامة قرعة علنية قبل انطلاق المرحلة الثانية للدورى الجديد

محمد صلاح يتفوق على يامال وفينيسيوس في سباق أفضل أجنحة العالم

قمة إفريقية أمريكية مصغرة.. ترامب يستضيف قادة 5 دول أفارقة فى البيت الأبيض.. واهتمام متزايد لواشنطن بمنطقة الساحل الإفريقى.. وقانون النمو والفرص مطروح للنقاش.. والأولويات هى الحد من التطرف والهجرة غير الشرعية

بعد ملاحقة إبراهيم سعيد للحجز على ممتلكاته.. اعرف المستندات اللازمة للدعوى؟

من أجل مياه نظيفة صالحة.. تحسين نوعية المياه على رأس أولويات الحكومة.. الانتهاء من التقييم البيئى والفنى للمنشآت الصناعية على مصارف كتشنر وبلبيس وبحر البقر.. وخفض أحمال التلوث من الصرف الصناعى على بحيرة المنزلة


مناقشة كتاب "عن المسرح سألونى" لـ عصام السيد بمكتبة مصر العامة

موعد نهائى كأس العالم للأندية 2025 بعد تأهل تشيلسى على حساب فلوميننسى

مرسى مطروح مصيف السعادة.. متعة السباحة والمناظر الخلابة تُحسن المزاج وتجدد النشاط.. ملايين المصريين والسياح أسرى طبيعة مطروح البكر.. والشواطئ على موعد مع ذروة المصيف والصخب الجميل بعد نهاية امتحانات الثانوية

اعترافات المتهم بقتل زميله داخل مطعم فى كرداسة

محمد صلاح ضمن نجوم تستحق المتابعة في أوروبا قبل إنطلاق الدوري الإنجليزي


أحمد حداد يتعاون مع لطيفة فى "هوينا هوينا" ضمن ألبومها الجديد

لو ناوى تنزل الصعيد.. اعرف مواعيد القطارات اليوم الأربعاء 9-7-2025

تفاصيل اتفاق الزمالك مع شيكو بانزا لاعب امادورا البرتغالى

اختبارات القدرات 2025 تبدأ السبت.. هل يمكن استرداد الرسوم حالة الرسوب؟

الجبهة الوطنية: القائمة الوطنية تضم كوادر وكفاءات تثرى مجلس الشيوخ القادم

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

تشيلسى يقصى فلومينينسى بثنائية ويتأهل لنهائى كأس العالم للأندية.. فيديو

صورة قديمة للراحلة رجاء الجداوى فى شبابها تستمع بالمصيف

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

3 شهداء فى قصف على مواصى خان يونس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى