قاتل زوجته وابنتيه بلا سبب

كريم عبد السلام
كريم عبد السلام
بقلم : كريم عبد السلام
الإنذار الأعنف من ألف عملية إرهابية
لماذا يقدم رجل فى ريعان شبابه على قتل زوجته وابنتيه بقلب قاس وعين لا تطرف؟ ما الذى يحول الإنسان إلى وحش يغضب إلى حد الجنون ويقتل دون تمييز، ويدمر أقرب الأقربين منه؟ سائق شاب فى مطلع الثلاثينيات من عمره، يعيش ويعمل فى منطقة البساتين بالقاهرة، ولديه أسرة جميلة، زوجته حسنة السيرة ومشهود لها بتحمل ظروفه المادية المرتبكة، وابنتاه زهرتان فى الخامسة والثالثة من العمر، ما زالتا تتلعثمان فى نطق الحروف، ويبتسمان فتضحك الدنيا وتزول الهموم، فلماذا وتحت أى ضغوط يقدم على قتلهن؟ ما الذى يدفعه إلى هذا الانتحار الجماعى؟ ما الذى يجعل اليأس خياره ويقينه، ويجعل الموت غايته؟

لا يمكن القول إن هذا الحادث البشع والمؤلم فردى ناتج عن حالة جنون مؤقت أو حتى دائم، أصيب به الأب القاتل الذى لم يستطع أن يتحمل ضغوط الحياة، فانكسر مثل لوح زجاجى إلى شظايا قاتلة تدمر من حوله، ولا يمكن الاطمئنان إلى أن المجتمع محصن من تلك الجرائم العنيفة والشاذة، كما لا يمكننا الركون إلى أن رصيد الصبر لدى المطحونين والفقراء فى مجتمعنا، يمكن أن يحميهم من مظاهر السفه والاستفزاز البادية أمامنا كل لحظة.

لا، هذا الحادث المرعب يتكرر بصور مختلفة، وأظنه جرس إنذار أقوى تأثيرا ودلالة من ألف حادث إرهابى عنيف، يسقط فيه الضحايا الأبرياء، لأن الأحداث الإرهابية العنيفة مهما استمرت وتتابعت، تقوى مناعة المجتمع، وتؤكد للمواطنين الطبيعة الشريرة والوحشية للإرهاب، وتعزز قيمة المقاومة لكل مظاهر التطرف، أما حادث سائق البساتين وأشباهه، فدلالة على انتشار اليأس فى قطاعات بالمجتمع، وانتشار اليأس معناه التحلل والتفكك والموت والتدمير الذاتى وأشكال العنف غير المتوقعة.

نعم، هناك جهود ملموسة لدعم الفقراء والمعوزين فى المجتمع، ولكن هل هى كافية؟ نعم هناك جهود لحل مشكلات البطالة، وتوفير فرص عمل جديدة، لكن هل تصل تلك الفرص للقطاعات المطحونة؟ نعم هناك جهود لمحاسبة الفاسدين، واستعادة حقوق الدولة المنهوبة خلال سنوات طويلة، وآخر تلك الجهود تشكيل لجنة برئاسة إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، لاستعادة أراضى الدولة المسروقة، لكن هذه الجهود متباطئة للأسف الشديد، فعلى سبيل المثال يمكن استعادة عشرات المليارات من الجنيهات من مخالفات الطرق الصحراوية الثلاثة، الإسكندرية والسويس والإسماعيلية، كم من هذه الأراضى تم تخصيصها للزراعة ثم تحول إلى منتجعات وتجمعات إسكانية فاخرة دون سداد حقوق الدولة التى تواجه وحدها الانفجار البطىء للمناطق العشوائية فى قلب القاهرة وحولها، ومن بينها منطقة البساتين التى يسكنها الأب القاتل. الحيتان والنهابون لا يعرفون معنى المسؤولية الاجتماعية، ولا يحترمون القانون والحقوق، ويعرقلون عملية استعادة الدولة لحقوقها بالممارسات الفاسدة والمفسدة وألاعيب المحامين أمام القضاء، ويتصورون أنهم عندما يرتفعون بأسوار التجمعات الإسكانية المخالفة ويضعون على بواباتها موظفى الأمن، يستطيعون حماية أنفسهم من إجراءات الدولة لاستعادة حقوقها، ومن غضب الفقراء والمعوزين إذا انفجر لا قدر الله.

حتى الآن تتعامل أجهزة الدولة مع ناهبيها بتهذيب شديد لا يتناسب مع طبيعة جرمهم وحجم ما نهبوه، وتتعامل مع بركان العشوائيات وظواهرها المرضية الخطيرة ببرود لا يتناسب مع طبيعة النار الاجتماعية المشتعلة فى قطاعات الفقراء والعاطلين، ولا أدرى هل تراهن أجهزة الدولة على أن تهذيبها المفرط سيجبر الناهبين واللصوص على رد ما سرقوه؟ وهل تراهن على أن نيران الفقراء والمعوزين ستظل تحرق قلوبهم هم فقط مثل حادث الأب قاتل أسرته فى البساتين؟ فى الحالتين، أجهزة الدولة مخطئة، فكيف تفرط فى عشرات المليارات بل فى مئات المليارات من الجنيهات مخالفات واضحة لأفراد معدودين، بينما يمكنها الضرب على أيديهم والحجز على أصولهم حتى يعيدوا ما نهبوه صاغرين، كما أن التزامها تجاه الفقراء والمعوزين يدفعها للإسراع بضخ المزيد من الاعتمادات لخلق مجتمعات جديدة وفرص عمل وحياة أفضل لهؤلاء المحرومين منها والمستسلمين لجحيم اليأس.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد صلاح على مقاعد البدلاء.. التشكيل المتوقع لمصر في ودية نيجيريا

حادث قطار طوخ.. 10 مشاهد برحلة حاويات البضائع من تلف الفلنكات للسقوط فى البلكونة

أوروبا بلا أطفال.. مليارات الحوافز تفشل فى وقف تدهور الخصوبة

منتخب مصر يواجه نسور نيجيريا وديا الليلة في البروفة الأخيرة قبل أمم أفريقيا

البحر يفيض.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية برياح سرعتها 60 كم/ الساعة.. الأمواج ترتفع لـ3 أمتار.. النوة تستمر 5 أيام يصاحبها أمطار وانخفاض فى درجات الحرارة.. ترفع حالة الطوارئ واستمرار تطهير الشنايش.. صور


بدء استلام ملفات التعيين.. قضايا الدولة تفتح باب التقدم لوظيفة مندوب مساعد

وزارة التعليم: سداد رسوم امتحان الصف الثالث الإعدادي إلكترونيا وهذه قيمتها

المصري يرفض التفريط في صلاح محسن بعد عرض الوداد المغربي

معاش استثنائي للمستحقين.. اعرف إزاي تقدم طلبك لو ظروفك المادية صعبة

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر


الطقس اليوم.. أجواء شتوية أمطار واضطراب بالملاحة والصغري بالقاهرة 13 درجة

5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر

كواليس مفاجأة مونتيري المكسيكى لـ"أهلى البدري" لحرمانه من تكرار إنجاز المونديال

موعد بداية كأس أمم أفريقيا ومواعيد مباريات منتخب مصر.. إنفوجراف

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

الأهلى يوافق على عرض إشتوريل برايا البرتغالى لضم محمد هيثم

حالة الطقس اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار بعدة مناطق

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

لا يفوتك


العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:00 ص

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى