هل يفيد الآسى وقت الحصاد؟

سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم - سامح جويدة
تسللت من عيناها دمعة كبرياء. أخفتها بسرعة بأنامل يديها. رسمت ابتسامة باهتة على وجهها. حركت شفتيها بصعوبة كى تخرج ضحكة تخفى بها سقوط دموعها. فبماذا يفيدها الأسى وقت الحصاد ؟.. عليها أن تعتاد ذلك. أن تظل هادئة ولو جرحت بسكين بارد. لقد صارت أكبر من أن تقاوم. أعجز من أن تعارض. أضعف من أن تقول لا. عليها أن تستكين وترضى بأى شىء. لتنسى تاريخها المتأجج بالصلابة والعناد. فكل ما كتبته وأبدعته وقدمته لم يشفع لها. تاريخها الإعلامى الطويل.. برامجها وأفكارها.. وطلتها على أكبر الشاشات والفضائيات وسفرها كملكة فى كل بلاد العالم كل هذا لم يشفع. تحولت حياتها فجأة من فيلم صاخب إلى كتاب مهمل على الرف. انتقلت مع شريط العمر من بطلة ترتجل الحوار إلى كومبارس صامت محروم حتى من البكاء.

اقتحم أفكارها صوت ابنها وهو يقول فى صوت حاول أن يخرج مبتهجا: الله يا ماما حجرتك جميلة جدا وفيها بلكونة واسعة على الحديقة تعالى كده شوفيها، سحبها من يديها ولم تقاوم كانت قدميها ثقيلة بسبب الدوالى وخشونة المفاصل وأمراض كثيرة حاصرتها مع الأيام. نظرت فى برود إلى منظر الحديقة. تذكرت حديقة فيلتها فى المعادى. كانت أصغر ولكنها بالتأكيد أجمل على الأقل كان بيتها. وضع ابنها يديه على كتفها. شعرت برائحة جلده تغمر ذكرياتها. لم تتغير الرائحة منذ عشرات الأعوام مازالت تذكر نفحته الأولى حينما ضمته ليرضع.صحيح انها لم تتمكن من الاستمرار فى ارضاعه اكثر من شهر ثم عادت لعملها وبرامجها إلا أن رائحته الأولى لم تذهب يوما من ذاكرتها. لا تعرف كيف كبر بهذه السرعة بدون ان تلتفت لحاله.. فجأة وجدت طفلها رجلا.هل سرقها الزمن فى ابنها ام سرقها فى عمرها.. تنهدت. مالت برأسها حتى لامست يداه بخدها. استنشقت رائحة يداه كمن يسحب أنفاسه خوفا من الغرق.كانت تعرف انه سيغيب عنها طويلا بينما يبدوا طريقها للموت قصيرا. كانت تتمنى ان تقبل يداه متوسلة وترجوه باكية بأن يتركها تعيش معه أيامها الأخيرة. لن تطلب مرة اخرى ان يأتيها الطبيب بعد منتصف الليل. لن تتذمر وتصرخ حينما يعطوها الحقن. ولن تتأوه بصوت عالى حينما يشتد عليها وجع المفاصل أو الم العظام. لن تطلب منهم ان يجالسوها فى الصباح أو يؤنسوها فى المساء. لن تزعج زوجته بطلبات سخيفة ستجلس فى حجرتها صامتة ساكنة كالدولاب أو ستراعى احفادها كخادمة. ولكنها لا تريد ان تقضى أيامها الأخيرة وحيدة.. هل بعد هذا العمر الطويل تموت على فراش غريب وسط غرباء.. هل كل ما فعلته فى حياتها أرخص من دفء عائلة.. أقل من رحمة ابنها. أفاقت حينما احتضنها قائلا: انا متأكد ان الجو هنا هيكون أحسن بكثير من دوشة العيال وأنا هزورك علطول خلى بالك من نفسك يا ست الكل.. قبلها واحتضنته بلا كلمة.خرج سريعا وكأنه أنهى مهمة عسيرة.. جلست على السرير وكل لحظات عمرها تجرى أمامها كشريط سينمائى طويل.. تسللت دموعها لوهلة ثم سالت وتركتها لأول مرة تنهال مع أنين.

دق باب الحجرة.. فمسحت دموعها بسرعة ورسمت ضحكتها الإعلامية مرة أخرى دخلت عليها سيدة فى منتصف الاربعينات رحبت بها قائلة: شرف كبير أن إعلامية مشهورة زى حضرتك تكون معانا فى الدار.

إن شاء الله هتكونى مبسوطة جدا معانا. عندنا أنشطة كثير جدا رياضية وثقافية وترفيهية بالإضافة إلى عناية طبية على أعلى مستوى.. أنا اسمى مروة وسأكون مع حضرتك كل يوم من الصباح وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر.. شكرتها بهزة خفيفة من رأسها وبابتسامة أخف.. إلا أن المشرفة استرسلت فى كلامها: أنا بالمناسبة كنت أتابع كل البرامج اللى حضرتك كنت بتقدميها..لا تتصورى مدى انبهارى بأفكارك وحواراتك مع المسئولين والوزراء.. حضرتك سيدة عظيمة كنت ملهمة لكل بنات جيلى.. كان حلمى أنى أكون زى حضرتك ودخلت كلية الآداب بس اتجوزت بدرى والعيال شغلونى والسنين مرت وفضلت هنا.. نظرت إليها فى حنان وقالت لها فى صوت خافت: مش مهم السنين تمر.. المهم ألا تندمى على حصاد العمر.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الاتحاد الأوروبى قلق إزاء تدهور "الديمقراطية" فى جورجيا

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

انفجارات عنيفة تدوي في مدينة جبلة السورية

إخماد حريق في هيش ومخلفات بكورنيش النيل بحلوان دون إصابات

تسونامى المخدرات يهدد أمريكا اللاتينية.. الكوكايين ينتشر فى البرازيل ويضرب 11 مليون متعاطى.. السباق التكنولوجى للتجار فى كولومبيا يؤجج المخاوف.. "مخدر الزومبى" يثير الرعب فى المكسيك.. والفنتانيل ينتشر فى تشيلى


هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل

السيطرة على حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر وبدء عمليات التبريد

عداد صفقات الميركاتو الصيفى.. الأهلى الأكثر حضورا والزمالك وبيراميدز "اختفاء"

إبراهيم عبد الجواد: الأهلى استقر على بيع عبد القادر لسيراميكا بـ20 مليون جنيه

إعلام إسرائيلي: مقتل 10 جنود في قطاع غزة منذ مطلع يوليو الجارى


الهيئة الوطنية تطلق تطبيق استعلم عن لجنتك فى انتخابات مجلس الشيوخ.. صور

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

"أوديشن" مسابقة ملكة جمال مصر 2025.. أغلبية المتسابقات من طالبات الطب (صور)

خبير أمنى يكشف أسباب تجدد حريق سنترال رمسيس

أخبار مصر.. الطقس غدا شديد الحرارة رطب وشبورة والعظمى بالقاهرة 35 درجة

اندلاع حريق فى دبى مول بمنطقة الشيخ زايد.. فيديو وصور

وزارة العمل: استمرار فتح باب التقديم على وظائف "أمن" بمحطات المترو

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم

رابطة الأندية تستعرض "أشهر الأشقاء" فى الدوري المصري

حارس الأهلى يدخل ضمن الصفقة التبادلية مع سيراميكا لحسم ضم محمد شكرى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى