الدولة حين لا تمنح المعنى لمواطنيها!

كمال حبيب
كمال حبيب
كمال حبيب
يعيش الناس من أجل غاية هذه الغاية، وهى تحقيق طموحاتهم التى يبحثون عنها، وآمالهم التى ولدت معهم بعد أن كبروا ليحلموا وتداعب خيالاتهم الأمانى، حين لا يبدو العالم مفتوحا لتحقيق تلك الآمال والأمانى، ويبدو أن هناك جدرا تحول بين الناس وتحقيق ما يحلمون به فإن اليأس يتسرب إلى وجدانهم وإلى عالمهم الذى ضاق بعد أن كان الحلم يفتحه على أفق انتظار الأمل.

الإحباط واليأس وانسداد الآفاق هى أكبر الآفات التى تصيب النفس البشرية، يختلط مع تلك المشاعر السلبية غياب المثل لعالم يكذب دائما يقول إننا مجتمع يتساوى فيه الجميع، فقط الإمكانيات والمؤهلات وليست الجدارة الاجتماعية والدماء الزرقاء ولا الانتماء لطائفة أو مهنة أو أسرة هى الذى يحدد معايير الترقى الاجتماعى والحراك إلى أعلى.

كل ما سقناه فى الأسطر السابقة ينطبق على الشباب، وينطبق بشكل خاص على الشباب القادم من الطبقة الوسطى الدنيا والفقيرة وربما قطاعات الطبقة الوسطى العليا الدنيا، هؤلاء الذين فتح لهم التعليم السبيل للترقى والصعود الاجتماعى عبر الحصول على شهادات تمكنهم من الالتحاق بوظائف فى الدولة أو تمكنهم من خلال تخصصاتهم العلمية للانفتاح على مشروعات بما فيها المخترعات والأفكارالجديدة لتنفيذها، وحين لا يجد أولئك المتعلمون الشباب القادمون من الطبقات التى تحاول التحرر من أغلال ثقل الحاجة والانفتاح على يسر مادى يكفل لهم تحقيق أمنياتهم وآمالهم والآمال المعلقة عليهم من أسرهم ومجتمعاتهم الصغيرة فى الريف أو فى القرى والتى تود أن يصل أحد من أبنائها إلى مراكز مرموقة.
حين يحصل الشاب على شهادته مثلا فى الهندسة أو الطب أو الكيمياء أو الاقتصاد أو الإدارة، فإنه يتولد لديه توقع استلهمه من الآمال التى داعبته طوال مسيرته العلمية، وهذه التوقعات.

والثقة فى وعود أمته له بالمساواة والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ينكسر حين يخرج فلا يجد مساواة فى الفرص المتاحة للمواطنين، وإنما يتم السؤال على الجدارة الاجتماعية للعائلة، كما حدث فى وزارة الخارجية التى رفضت طالب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عبدالحميد شتا، رغم أنه كان الأول على المتقدمين البالغ عدده ثلاثة وأربعين، وجاء فى أسباب رفض قبوله بالخارجية أنه غير لائق اجتماعيا لأنه والده فلاح بسيط عبدالحميد لم يتحمل الصدمة فانتحر.

فجوة التوقعات بين الآمال وما يجرى فى الواقع هى جوهر نظرية الحرمان النسبى، وهى تعمل بشكل قوى بين الناجحين المحبطين، أى أولئك الذين لديهم فرص وتوقعات تسندها مؤهلاتهم ومستوى تعليمهم ولأنهم قادمون من بيئات ليست متحالفة مع من يقبضون على الثروة والسلطة فإنهم لا يفتح لهم باب أمل، ومن ثم فإنهم ينتحرون مباشرة، كما فعل عبدالحميد شتا، أو يذهبون للتنظيمات المتطرفة لينخرطوا هناك فى قوائم الصف الأولى للانتحاريين والانغماسيين، إنهم يبحثون عن المعنى فى عدالة تصورها موجودة فى السماء أو فى الغيب أو فى الجنة حينما عزت عليهم فى الأرض، بسبب ظلمهم أهليهم وذوى قراباتهم.

وقد قرأت عن «مهندسو الجهاد» ويحاول كاتبه أن يقول لماذا المهندسون أغلبية فى التنظيمات الجهادية المتشددة، فبالإضافة لطبيعة الدراسات البحتة ذات النتائج النهائية اليقينية الملموسة، ومن ثم طبيعة العقل تتجه للبحث عن ذلك اليقين فى الدين، فإن البعد الاقتصادى - الاجتماعى لحالة المهندسين الذين لا يجدون واقعا يمنحهم فرصا تحقق آمالهم وطموحاتهم يجعلهم يذهبون بإمكانياتهم تلك إلى التنظيمات الجهادية المتشددة.

لا بد إذن من أن تمنح الدولة لمواطنيها المعنى والأمل فى انفتاح أفق للجميع يتبارون فيه ويتنافسون دون تمييز بينهم إلا بمقدار ما يملكه أيهم من التعليم والكفاءة، وحين لا تقوم الدولة بذلك فإن مواطنيها يبحثون عن المعنى خارجها حتى لو قاد ذلك لذهابهم من الدنيا كلها بالإقدام على عمليات انتحارية، ضمن خطط التنظيمات الدينية المتطرفة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

زاد العزة من مصر إلى غزة.. قافلة المساعدات الإنسانية الـ22 تدخل للفلسطينيين

تفاصيل مصرع شاب داخل مركز لعلاج الإدمان فى أبو النمرس

طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية دور ثان يؤدون امتحان الجغرافيا والحديث والتفسير

أهداف الأحد.. ريال مدريد يكتسح أفييدو.. وسقوط مانشستر وانتصار يوفنتوس

نيوكاسل يونايتد يواجه ليفربول في مواجهة نارية بالدوري الإنجليزي


الطقس اليوم.. انخفاض فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 35 درجة

أسعار اشتراكات الطلبة على بعض خطوط سكك حديد مصر

اليوم.. نظر محاكمة 117 متهما بقضية "الخلية الإعلامية"

4 مواجهات قوية اليوم فى الجولة الرابعة لمسابقة دوري نايل

موعد مباراة الأهلى مع غزل المحلة اليوم فى الدوري المصري والقناة الناقلة


وزارة الصحة تكشف عن أسباب الإصابة بسرطان البروستاتا.. تفاصيل

الآن.. بدء تصويت المصريين فى الخارج بأستراليا

نجم يظهر فى السماء يعلن بداية العد التنازلي لصيف 2025.. تفاصيل

تفاصيل تعرض موكب وزير الكهرباء لحادث مرورى بصحراوى الإسكندرية أثناء توجهه لمدينة العلمين.. إصابة الدكتور محمود عصمت باشتباه فى كسر باليد وزوجته بكدمات طفيفة.. وتعرض اثنين من الحرس لإصابات خطيرة

نجاة وزير الكهرباء بعد حادث مروري أثناء توجهه لمدينة العلمين

حفل أنغام على مسرح ألبرت هول فى لندن مهدد بالإلغاء بسبب مرضها

حالة الطقس المتوقعة اليوم الإثنين 25 أغسطس 2025 فى مصر

ارتفاع ضحايا حادث تصادم 3 سيارات في قنا إلى 4 وفيات.. بالأسماء

كهربا يودع جماهير الاتحاد الليبي بعد الانتقال للقادسية

انت وحدك الحلقة 2.. بسمة داوود تدافع عن صديقتها تارا عماد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى