هل تعنى حرية الإبداع.. انحطاطه!

سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم سامح جويدة
فرق كبير بين الإبداع والانحلال، بين الحرية فى التعبير عن التجارب الشخصية وهتك الأخلاق الإنسانية، وإلا لاعتبرنا السب بالأعضاء الجنسية نوعًا من البلاغة اللغوية، أو اقتنعنا بأن أفلام البورنو قمة الحرية الإبداعية.. الإبداع سمو ورقى وتجرد من اللغو، وليس تجردًا من الملابس والأخلاق، وحرية الإبداع فى العالم كله لها ألف وجه، ولكن هنا فى مصر لا نرى إلا وجهها السافل، فإما الارتجال الأحمق فى الدين، أو الانغماس الأخرق فى السرير.. لذلك يحبطنى كثيرًا أن يتورط المثقفون والإعلاميون فى الدفاع عن هذه الأنواع من الإبداع، لأن أى قواد أو عاهرة سيبهرونكم بإبداعهم فى اللغة الجنسية الخسيسة، وأى دجال أو عبيط من مدعى النبوة سيخرجون لكم من ألغام الدين ما لا طاقة لكم به، فهم دجالون وأنتم غافلون، والله غفور رحيم.

وكلما اعترض المجتمع على هذا النوع من الإبداع الفج، سواء فى العبث بالدين أو التفرغ للغة السرير، خرج مئات المثقفين للفضائيات والصحف والمجلات ينددون ويهددون، وكأننا نحجر على الشيخ الغزالى أو نجيب محفوظ، وأتساءل فى نفسى: هل يرضون لأبنائهم أو لأحفادهم أن يطالعوا هذه الألفاظ الجارحة أو يؤمنوا بهذه الأفكار الزائفة بدعوى أن حرية الإبداع بلا سقف؟!
ولأوضح موقفى أنا ضد المنع أو الحجر أو معاقبة هذه الأنواع من الإبداع التى أعتبرها رديئة، أو بالأصح دنيئة، لأن مبدأ وأد الأفكار مهما كانت شاذة مرفوض عندى تمامًا، لكننى فى الوقت نفسه أتعجب من دفاع الكثير من المثقفين عنها وباستماتة، رغم أن مواقفهم قد تبدو باهتة أمام حرية الإبداع فى المعارضة السياسة، أو فى مواجهة نظم الحكم، أو نقد المجتمع، أو شجب تسلط الإعلام وسطحيته، وكأن مجالات الإبداع الوحيدة التى تستحق الجهاد هى التبجح على الدين، أو اللعب على ملاءة السرير.
والمشكلة الكارثية فى هذا الموقف أنه يصنع فجوة ضخمة بين جموع الناس وجموح المثقفين، فالناس غالبًا ما ترفض هذه الأنواع المتطرفة من الإبداع والأفكار، وهذا بالمناسبة طبيعى فى أى مجتمع غربى أو شمالى أو جنوبى، ولكننا نصدر لأنفسنا دائمًا فكرة أن الغرب والدول المتقدمة متفرغة للتشكيك فى الأديان، أو لوصف العلاقات الجنسية رغم أنهم غالبًا متفرغون للضحك على أمثالنا.. هذه الفجوة التى تتسع بين المثقفين والناس بسبب الانغماس فى هذه الدفاعات الخائبة، تقلل من احترام النخبة، ومن تأثير المثقفين على مجتمعهم، خاصة على المستوى السياسى أو الثقافى أو الأخلاقى، ويترك عقول العوام لأكاذيب المنافقين السياسيين أو المنتفعين أو أصحاب الأفكار المنيلة بنيلة، وتجربتنا الشعبية مع الإخوان تؤكد ذلك، فهم سطوا على عقول الناس لأن النخبة خذلتهم، لذلك فرق كبير بين أن أدافع عن حرية الإبداع عند نجيب محفوظ فى «أولاد حارتنا» أو حسن حنفى فى «التراث والتجديد»، وبين أن أدافع عن قصة جنسية رخيصة أو أفكار دينية خبيثة.. اللغة يا سادة مرآة الحقيقة كما قال الفيلسوف باسكال، وتدنى اللغة ووقاحتها فى الوصف أو النقد يحول أى إبداع إلى انحطاط، ويحول الحرية إلى صفاقة اجتماعية، ونحن أحوج ما نكون إلى مد جسور بين المثقفين والناس، لأن العشوائية والجهل والتسطح أصبحت سمة سائدة فى الهوية المصرية الآن.. هذا الشعب لم يصنعه حكامه أو زعماؤه أو أغنياؤه، هذا الشعب صنعه مبدعوه ومثقفوه ومفكروه.. الهوية المصرية التى فرضت احترامها قديمًا على العالم كله جاءت من كتابات عباس العقاد، وزكى نجيب محمود، والبارودى، وناجى، وشوقى، ودنقل، صاغتها روايات محفوظ، وإحسان، وإدريس، والغيطانى، وغنتها أم كلثوم، وفايزة أحمد، ونجاة، وعبدالحليم.. هذه هى القيم الإبداعية التى نبحث عنها الآن، وعلينا أن ندافع عنها.. حرية الإبداع يجب أن تكون لها أولويات، وألا تقتصر على نظرة ضيقة وحمقاء تضر أكثر بكثير مما تفيد.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

التشكيل المتوقع لمواجهة النصر والأهلي في نهائي كأس السوبر السعودي

محمد مكي يعالج الأزمة الهجومية في المقاولون قبل مواجهة بتروجت

مان سيتي ضد توتنهام.. مرموش أساسيا فى قمة الجولة الثانية بالدوري الإنجليزي

الأهلى يستعد للإعلان عن تعيين أسامة هلال فى رئاسة لجنة التعاقدات

الاتحاد السعودي يغري رودريجو مورا جوهرة بورتو بـــ 75 مليون يورو


عودة ليفاندوفسكي لقائمة برشلونة أمام ليفانتي في الليجا.. وغياب دي يونج

مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية

ماسكيرانو يكشف خطة عودة ميسي إلى تشكيل إنتر ميامي

دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته

فيولا ديفيس تحتفل بعيد ميلادها الستين.. وتصف شعورها في هذا العمر بـ"الحرية"


فى أحدث تطهير للبنتاجون.. هيجسيث يقيل رئيس وكالة استخبارات ومسئولين كبارًا

الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي بـ 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه

مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة

ابنة هوجان تطالب الشرطة بكشف لقطات الكاميرات لتوضيح ملابسات رحيل والدها

الطقس اليوم.. ارتفاع طفيف ومؤقت فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة

أرسنال يبحث عن الانتصار الثانى فى الدوري الإنجليزي أمام ليدز

دورتموند ضيفا على سانت باولي وليفركوزن ضد هوفنهايم في الدوري الألماني

وفاة الفنانة المعتزلة سهير مجدى

سيدة تلاحق زوجها بدعوى طلاق بعد رفضه الإنفاق عليها.. تعرف على التفاصيل

مواعيد مباريات اليوم السبت 23 - 8 - 2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى