السلحفاة والأسد

سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم سامح جويدة
حينما حاصر أحد الأسود المفترسة سلحفاة برية دخلت فى قوقعتها واستسلمت.. فهى لا تستطيع الجرى أو القفز أو الهجوم أو حتى تخويف الأسد.. هى فقط قادرة على الصبر والتحمل وانتظار الفرج.. فتترك نفسها كالحجر مغلفة نفسها بهذه الدرع الغريب الذى يبقيها على قيد الحياة مهما حاصرها الألم.. فمهما تلاعب الأسد بها وقذفها وهبشها ومهما تألمت فسوف تصبر وتتحمل لأنها لن تموت بسهولة..لذلك تحب السلاحف سكن الجحور وتختبئ دائما من قسوة وسخافات الحيوانات الأخرى وتظل فى جحرها ولو بالسنين تأكل أى شيء وترضى بأى شىء.. فمن هو الأقوى فى تلك الدراما الحياتية.. الأسد أم السلحفاة؟.

وقبل أن تجيب تذكر أن الأسد لا يعيش أكثر من 8 أعوام بينما السلحفاة قد تعيش 180 عاما فلو ظلت حبيسة جحرها وظل الأسد ينتظرها فسوف يخسر عمره كله وهى لن تخسر إلا بعض السنوات من مرحلة المراهقة.. وإذا حاصرها فهو يحتاج إلى نصف عمره ليحطم درعها الصدفى الصلب فهل يملك الصبر على ذلك وهل يستطيع ان يقضى نصف عمره بلا فريسة ويستميت لتحطيم هذا الحجر المسحور... اشك... فهو لن يمتلك صبرها ولا قدرتها على تحمل الجوع ومرور العمر ومحاصرة الألم هى أقوى منه منذ البداية رغم كل مظاهر الضعف التى تبدوا عليها ومعالم القوة التى تبدوا عليه... فالصبر والتحمل والقدرة على البقاء هم فى الحقيقة قوى خفية لا نراها وقد لا نعترف بها رغم انها ميزان الحياة أمام البطش والقوة والقدرة على الإيذاء.. وبتلك المعادلة فقط صار الأسد أضعف بكثير من السلحفاة.

تلك القصة الغريبة التى قصصتها عليكم هى السبب الوحيد لافتخارى بأننى مصرى وهى التعويض النفسى والمعنوى الوحيد الذى أخرجنى من اكتئاب كتب التاريخ وحضارة 7000 سنة من القهر والعبودية والاستعمار والذل.. كانت كلمات المؤرخين تقتلنى وتسحقنى وهم يحكون عن ألاف الحكام والبلاد والملل التى دخلت تلك البلد لتفسد فيها وتبدع فى إيذاء أجدادنا.. فكيف نكون اقدم حضارة على وجه الأرض ويكون تاريخنا بهذا البؤس وبهذا الألم.. حتى مراحل التنوير والنهضة كانت على حساب هذا الشعب وتضحياته فكنا السلة الغذائية للدولة الرومانية بعرق ومذلة الفلاحين المصريين وامتلكنا أكبر ممرات وقنوات العالم المائية فى الزراعة أو فى الملاحة البحرية على جثث الملايين من أبناء تلك الأرض وسكانها الأصليين.

هذا الصبر التاريخى الطويل وتلك القدرة العجيبة على التحمل والتقوقع والرضا بأى شىء والتى استمرت كاللغز حتى بعد تمتعنا بالحكم الذاتى بعد ثورة 23 يوليو.. كأن حكامنا جميعا يدركون هذا الصبر وهذا الرضا ويعرفون جيدا كيف يستغلونه.. تلك الملامح الواضحة كانت تحطمنى كلما تلمست كتب التاريخ.. فكيف نبحث عن القوة وجذورنا بهذا الضعف.. كيف نبحث عن المستقبل ونحن نخجل من الماضى ولكن ما كنت أظنه ضعفا كان منتهى القوة.. ولكنها قوة بلا لون ولا ضجيج ولا معالم.. لا نراها ولا نشعر بها رغم انها موجودة بكل فرد فينا.. هى كلون البشرة الذى أخذته عن أبيك أو نظرة عينك التى أخذتها من أمك هى شفرتك الوراثية أحببتها أو كرهتها هذا حقك.. أنا شخصيا ناقم عليها.. ولكن تذكر أن تلك الشفرة تعيش فيك منذ آلاف السنين بينما عمر الأسود لا يتجاوز 8 سنوات مهما حفلت بمظاهر القوة والسيادة والتفوق إلا أنها أضعف بكثير من الاستمرار الطويل الذى حصلت أنت عليه وبلا حتى مقاومة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

المدبوليزم.. ذكرى وفاة نجم الكوميديا عبد المنعم مدبولى صاحب التاريخ الثرى

وزارة الدفاع الصومالية: انتحارى يفجر نفسه قرب كلية "جالى سياد" بمقديشو

تعرف على موقف الأهلي من انتقال أحمد عبد القادر للدوري السعودي

موعد مباراة بي اس جي ضد ريال مدريد في كأس العالم للأندية والقناة الناقلة

وزير الخارجية يتابع الجهود الجارية لافتتاح مبنى القنصلية المصرية فى طرابلس قبل نهاية العام


فى ذكراه.. محيى عبد المحسن أجاد تمثيل الأدوار الثانوية وعمل مدقق لغة عربية

براد بيت متهم بفبركة علاقة مع إيناس دى رامون لتشتيت الانتباه عن طلاقه

روسيا: نتوقع استمرار الحوار مع واشنطن رغم تصريحات ترامب الأخيرة

"جنة السياحة في تركيا".. كل ما تريد معرفته عن مدينة محمد صلاح المفضلة

الطقس غدا.. شديد الحرارة رطب وشبورة والعظمى فى القاهرة 37 درجة


رئيس الوزراء: حريصون على وضع تصور واضح لمستأجرى "القانون القديم"

صوت من وسط الدخان داخل حريق سنترال رمسيس.. وائل مرزوق لم يخرج من مكتبه لكن بقيت قصته.. تفاصيل آخر مكالمة لموظف الموارد البشرية مع زميلته تكشف لحظات الوجع: "مش عارف أخرج.. إحنا كده خلاص".. صور

رئيس الوزراء يشدد على التأكد من السلامة الإنشائية لمبنى سنترال رمسيس

مصدر بالاتحاد المنستيرى: الزمالك فاوضنا لضم محمود غربال.. وهذا موقفنا

"تسجيلات مسربة" ترامب يهدد بقصف روسيا والصين و قمع الجامعات.. التفاصيل

محمد صلاح يشترى فيلا فاخرة فى تركيا.. السعر مفاجأة

باريس سان جيرمان يتحدى الريال في قمة نارية بنصف نهائي مونديال الأندية

نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025.. مراجعة الدرجات وتجميعها

تجهيز نتيجة الدبلومات الفنية 2025 وإتاحتها إلكترونيا للطلاب

فيريرا يتسلح بالوديات لإعداد الزمالك للموسم الجديد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى