محمد محمود حبيب يكتب: مرجعية الخطاب الدينى المنشود

الأزهر
الأزهر
إن من أشد أخطاء الغالبية العظمى من العقلانيين والمثقفين هو استخدام العقل منفصلاً عن الدليل الشرعى المقنع لمحاولة إقناع الشخص المتشدد والمطلوب تغيير خطابه أو أفكاره، وأحياناً يُخطى كثير من المثقفين بازدرائهم والتهوين من أفعال وممارسات وأفكار الطرف الآخر المتشدد، وهذه كارثة، بل من أعظم الكوارث والأخطاء فى تجديد الخطاب الدينى، فلم ولن يقتنع صاحب الخطاب الدينى المتشدد بهذه الأدلة العقلية لأنها تتعارض مع أصول منهجه القائم على النصوص الدينية والنقل، وإن كان يُعذر العقلانى المثقف لعدم إطلاعه على ثغرات بأدلة شرعية لنسف الأدلة المتشددة إلا أنه لن ينجح فى تغيير الخطاب الدينى المتشدد، فعلى الراغب فى تقديم وتبليغ خطاب دينى سمح جديد أن ينقل عن الباحثين المتخصصين والمعتدلين أدلة شرعية وقوية جداً مؤيدة لفكره العقلانى كما سوف نوضح من أمثلة فى هذا الكتاب.

ومن أهم ما يميز الخطاب الدينى المعتدل المنشود تركيزه على أُطر ومرجعيات موضوعية تقنع الطرف الآخر، فعملية التجديد لن تكون مقصورة على وجهة نظر طرف واحد، فعلى المجدد أو القائم بالخطاب أن يركز على التمسك ببعض المسائل المتفق عليها عند المتشدد، والتى يُعد التفريط فيها من أكبر أسباب المحن والمشاكل التى تسيطر على أصحاب الخطاب المتشدد، ومنها الاعتماد على الحديث الضعيف فى الأحكام والحلال والحرام، وذلك خارج الصحيحين، فيجب على راغبى تجديد الخطاب الدينى، ألا يضيّعوا وقتهم فى التعرض لأحاديث الصحيحين لأنه أمر لن يسمح به المتمسك بالنقل أبداً، فأغلب الفتاوى المتشددة مبنية على أحاديث ضعيفة خارج الصحيحين، ويمكن إسقاطها بسهولة كما سوف نوضح لأسباب، منها لضعفها إسناداً، ولتضعيف العلماء لها، ومخالفتها المنهج السمح للدين، والدعوة لعدم الاستشهاد بالضعيف فى الحلال والحرام من الأمور المتفق عليها عند السلف، فيقول الإمام الزركشى فى كتابه النكت على مقدمة ابن الصلاح (2/308).

"الضَّعِيف لَا يحْتَج بِهِ فِى العقائد وَالْأَحْكَام وَيجوز رِوَايَته وَالْعَمَل بِهِ فِى غير ذَلِك كالقصص وفضائل الْأَعْمَال وَالتَّرْغِيب والترهيب وَنقل ذَلِك عَن ابْن مهْدى وَأحمد بن حَنْبَل وروى الْبَيْهَقِى فِى الْمدْخل عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدى أَنه قَالَ إِذا روينَا عَن النَّبِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِى الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِى الْأَسَانِيد وانتقدنا فِى الرِّجَال وَإِذا روينَا فِى فَضَائِل الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب سهلنا فِى الْأَسَانِيد وتسامحنا فِى الرِّجَال".

ولكى نزيل الحيرة نضيف أن الأخذ بالضعيف فى فضائل الأعمال ليس معناه قبول ما يعارض أو يُسئ للدين ومنه الأحاديث الحاثة على إشعال الحماسة والدعوة لإعلان الحرب بسبب كل مشكلة فردية من غير المسلمين تجاه المسلم ومنها ما يستنبطه البعض من قصة إجلاء يهود بنى قينقاع قيام التاجر اليهودى الذى كشف عورة امرأة مسلمة، فالحديث ضعيف لا يصح برغم شهرته، فقد أخرجه ابن هشام فى السيرة (2/48)، وإسناده مرسل معلّق.. فقد رواه عن النبى (صلى الله عليه وسلم ) وتفرد به أبو عون واسمه محمَّد بن عبد الله الثقفى الكوفى الأعور، فهو لم يُدرك الحادثة وقد مات سنة 116 هـ، فهو تابعى صغير، كما قال ابن حجر فى تهذيب التهذيب (9/322).

وكذلك قصة الجار اليهودى الذى كان يؤذى النبى (صلى الله عليه وسلم)، ويضع القاذورات والشوك فى طريقه، وعندما غاب فترة ذهب النبى ليسأل عليه، والحق أن هذه الزيادة لا أصل لها فى كتب السنة، ولم يذكرها أحد من أهل العلم، وإنما اشتهرت لدى المتأخرين من الوعاظ والزهاد من غير أصل ولا إسناد، ولا تدل على السماحة بأى وجه، بل فيها إساءة للنبى (صلى الله عليه وسلم)، لتحمله المزيد من الأذى.

ونضيف ليس كل ضعيف فى فضائل الأعمال يرفض، بل إذا لم يتعارض مع ما صح وثبت يُقبل مثل أحاديث فضائل الصالحين وأولياء الله، وأحاديث فضائل جيش مصر، فكثير من المتشددين يرون أنها ضعيفة وعلى فرض ذلك فهى بلا خلاف مما لم يشتد ضعفه وتندرج تحت أصل ثابت وهو التوصية بأهل مصر، فتقبل بلا أى شك.

وكذلك يجب تحديد معنى المعلوم من الدين بالضرورة فقد اتفق العلماء والسلف قديماً على أنه ما علمه الخاص والعام أى كل الناس تعرفه كالصلاة والزكاة وضرر الخمر والزنا، وليس كل من ينكر مسألة فرعية يكفر فيقول ابن قدامة فى المغنى (9/11) :

"وَمَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَالَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، كَــالزِّنَا، وَأَشْبَاهِ هَذَا، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، كُفِّرَ ".


Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ورطة نتيناهو تنسف وهم "إسرائيل الكبرى".. فشل تمديد استدعاء قوات الاحتياط فى جيش الاحتلال.. ائتلاف نتنياهو يفشل فى تأمين الأغلبية للتصويت على تمديد الخدمة.. انتقادات للحكومة وضباط يرفضون الامتثال للخدمة العسكرية

جدو: فوز بيراميدز على الإسماعيلي مهم رغم تراجع الأداء وسنعالج إهدار الفرص

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

مواعيد عرض "بتوقيت 2028" ثانى حكايات مسلسل ما تراه ليس كما يبدو

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة


خسارة ناشئى اليد أمام إسبانيا 31-29 فى ربع نهائى بطولة العالم.. صور

رغم جاهزية اللاعب .. إمام عاشور خارج مباراة الأهلى وفاركو

بعد توجيه وزير الأوقاف برعايته الصحية.. قصة إمام مسجد بقنا طعنه لص

5 معلومات عن مباراة الأهلى وفاركو غدا الجمعة فى الدوري المصري

وزير الاتصال الحكومى الأردنى: هرطقات "إسرائيل الكبرى" ستتحطم أمام صلابة العرب


مطاردة مرعبة على طريق الواحات.. 3 شباب يتسببون في حادث لفتاتين والداخلية تتحرك.. الجناة يعترفون: حاولنا توقيف الضحيتين ومعاكستهما.. وثقنا الواقعة فيديو وسخرنا منهما.. والسجن المشدد مصير المتهمين.. فيديو

بوتين: الولايات المتحدة تبذل جهودا حثيثة للتوصل لاتفاق مقبول للجميع فى أوكرانيا

وزير خارجية بريطانيا يبلغ عن نفسه بعد رحلة صيد مع نائب ترامب بسبب "سنارة"

استطلاع.. استمرار تراجع شعبية ترامب بين الجمهوريين بانخفاض 9 نقاط فى إدارته الثانية

يديعوت أحرونوت: ترامب قد يزور إسرائيل الشهر المقبل

جوزيف عون: لبنان ليس مفلسا بل مسروقا ومشكلتنا تكمن بشكل كبير فى الفساد

أكسيوس: إسرائيل تتودد لمؤثرين مؤيدين لترامب مع تزايد الغضب من حرب غزة

سفارة باكستان بالقاهرة تحتفل بعيد الاستقلال التاسع والسبعين

فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا فى مكافحة الحرائق

بعد انتهاء تصويره.. كواليس جديدة من فيلم السادة الأفاضل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى