"الحد".. قصة قصيرة لسعيد زكى

سعيد زكى
سعيد زكى
الساعة الثالثة ليلاً... جلس ملفوفًا بالظلام... يااااه أربعون عامًا مرت عليه وهو على هذه الحال، عمل بالنهار وقليل من النوم، وترقب بالليل... أربعون عامًا لم تمح من ذاكرته تلك الحادثة التى أفضت به إلى هذه الحال... أربعون عامًا يرتاب فى وجه كل غريب يراه، فإن هو نسى فكيف ينسون؟

رحمة الله عليك يا أبى... لعنة الله عليك يا أبى... ياااه لا أدرى أأدعو لأبى أم أدعو عليه.. أنت السبب فيما أُلتُ إليه، لو لم تفعل فعلتك فى ذلك الزمن السحيق لما كنت فيما أنا فيه الآن... ولكن ألتمس لك العذر كلما تذكرت أن حبك لى هو السبب، أخذتك الحميّة على عندما صفع جارنا ابنك الوحيد أمام عينيك ونحن نفرق حدَّ الغيط بيننا وبينه، أذكر جيدًا كيف أنك جعلت البلطة فى مفرق رأسه.. الدم الذى تطاير من تحت عمامته.. ترنحه قبل أن يخر صريعًا، ولولا لطف الله لكنت اليوم فى عِداد الأموات...

يومها خرجت من البلدة مترقبًا بعد أن جروك إلى السجن وأنت ما بين الأمر والرجاء تطلب منى الرحيل من البلدة بسرعة قبل أن يعود أبناء القتيل من كلياتهم وأعمالهم فى القاهرة، فينقموا منى... كانت ليلة حالكة السواد لن أنساها فى حياتى... الدموع فى عيون أمى التى رأيت شعرها لأول مرة منفوشا تصرخ: "يا خراب بيتك يا فتحية".. وجنات أخواتى التى تخضبت بالحمرة من أثر اللطم.
خرجت هائمًا فى الزراعات لا أدرى لى وجهة، تذكرت صديقى الحميم الذى تبادلنا أنا وهو الزيارات فى فترة الجامعة... قررت الذهاب إليه علّه يساعدنى على وجود مخرج من هذه الورطة، كان كريمًا معى إلى أبعد الحدود آوانى عنده كضيف شهرًا واثنين... طال الحال... ربت على كتفى وأخد بيدى حتى استطعت أن أستوعب الأمر الواقع... استأجر لى قطعة أرض على مساحة لا بأس بها، كما استأجر لى منزلا ببعض المال الذى جلبته معى عندما هربت... همس فى أذني: لن تستطيع البقاء دون زوجة، زوّجنى أخته التى توفى زوجها فى حادث عمله بالقاهرة قبل أن ينجبا أبناء، أغدقت على من عطفها وأنجبنا ثلاثة أبناء لا يعرفون لهم جدًّا ولا جدةً ولا أعمامًا.

كانت عيناه قد ارتختا قليلاً، أخرجه من استغراقه فجاءة صوت «تكتكة» قطع السكون الشديد، جعله يصحو ممسكًا ببندقيته حتى أطمأن أنها ليست أصوات رصاصات، تنصت حتى عرف مصدرها... على حذر وبتريث شديدين أوقد المصباح... نظر من شيش الشباك، الشارع كالح الظلام... شبح يجلس على قدميه فى وضع قضاء الحاجة تحت الحائط المواجه للشباك...

آآآه.. كثر الأغراب فى هذه القرية فى السنوات الأخيرة، خاصة فى هذه الأيام مع عودة الشباب المغترب للاحتفال بالعيد مع ذويهم... آآآه لعلها فرصته المواتية للثأر منى هذه الأيام فى غمرة الفرحة بالعيد... آآآه الثأر لا يسقط بالتقادم ولو بعد أربعين عامًا... تنقل الشبح فى جلسته على نفس الهيئة، نقل هو عينيه معه، تأكد أن بندقيته «معمّرة»، انتصب الشبح واقفًا رافعًا بدا فى الظلام عملاقًا، دفع هو درفة الشباك وبسرعة أطلق الرصاص... ومع أول صرخة خرجت من القتيل كان هو يرد عليه: ولدى ى ى ى ى.


موضوعات متعلقة:


حذاء ميسى

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الإدارية العليا تفحص مستندات 32 طعنًا على انتخابات 19 دائرة ملغاة بمجلس النواب

رئيس الوزراء لرجال الأعمال: ضاعفوا استثماراتكم.. الفرص واعدة فاغتنموها

عدي الدباغ ينتظم في تدريبات الزمالك اليوم بعد حل أزمة المستحقات

الإدارية العليا تحسم الجدل في طعون الانتخابات: البينة على من ادعى

الأهلى يعلن التنازل عن مقاضاة مصطفى يونس


الأرصاد تحذر هذه المحافظات من أمطار خلال ساعات وتتوقع وصولها إلى القاهرة

أليو ديانج يرفض طريقة زيزو في الرحيل عن الأهلى

أحكام سجن بالجملة ضد أهالى شبراهور بسبب إيصالات أمانة.. اعرف القصة

غياب عادل إمام عن جنازة شقيقته بمسجد الشرطة وحضور أحمد السعدنى

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس أمم أفريقيا


اجتماع مرتقب بين وكيل محمد صلاح وإدارة ليفربول

باب الالتماسات يعيد الفرصة لطلاب لم يحالفهم الحظ فى القبول بكلية الشرطة

احمد العوضى يعلن ظهوره فى صاحبة السعادة مع إسعاد يونس قريباً

الأهلي يوافق على انتقال شكري وبيكهام وكمال لصفوف سيراميكا في يناير

4 يناير بدء امتحان نصف العام فى المواد غير المضافة و10 للمواد للأساسية

الأهلى يدرس غلق ملف تمديد تعاقد أليو ديانج.. اعرف التفاصيل

القنوات الناقلة لمباريات كأس أمم أفريقيا 2025 بمشاركة منتخب مصر

مواعيد مباريات الجولة الثانية في كأس عاصمة مصر

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى الجولة الثانية بكأس عاصمة مصر

مواجهة مونديالية بين السعودية والأردن في نصف نهائي كأس العرب 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى