أبو الفضل بدران يكتب: الصعيد بين ثقافة القبيلة وثقافة التنوير

الدكتور محمد أبو الفضل بدران الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة
الدكتور محمد أبو الفضل بدران الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة
تعد محافظة قنا واسطة عقد صعيد مصر، وتكاد تنفرد بخصوصية اتساعها المكانى ممتدة على ضفاف النيل الذى يقاوم صحراءها، ومن هنا فإن الحديث عن قنا مؤشر لما يحدث فى صعيد مصر، ولقد كان من حسن حظ قنا صدور قرار رئيس الجمهورية سنة 1995 بإنشاء جامعة جنوب الوادى ومقرها قنا، وبداهة فقد انعكس هذا القرار على البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية والجغرافية بالصعيد ثم توالى إنشاء جامعة بسوهاج وجامعة بأسوان.

وتخرج من هذه الجامعة منذ إنشائها قرابة نصف مليون خريج وخريجة، وبلغت نسبة الخريجات منهم 62% تقريبا وهذا يغير وضع الفتاة الصعيدية التى دأب مؤلفو مسلسلاتنا وأفلامنا على تصويرها متخلفة بلهاء أو ماكرة متجنّين على الواقع المعاش الذى لم يلحظه مؤلفو هذه الأعمال أو إن شئت الدقة لا يودون رؤيته لتسويق إنتاجهم! وإذا كانت نسبة الأمية فى صعيد مصر فيما فوق 15 سنة أكثر من 50% فإن تخريج نصف مليون مواطن ومواطنة يعد إسهاما قوميا يجب أن نحتفى به لأنه يرفد البنية الثقافية بعقول متعلمة قادرة على التفكير المستقل والرؤية الناقدة، ومع ارتفاع نسبة البطالة فى الصعيد يعد التفكير فى خلق فرص عمل لهذه العقول واجبا قوميا يقضى على ثقافة الثأر والعنف والتشدد والتى كانت أشد إيلاما بأبنائها وأشد فتكا بالصعيد، ولذا فإن وجود جامعات الصعيد يقلل من ثقافة القبيلة لتحل محلها ثقافة الوطن ومنطق العقل حتى يبدو الصعيد الذى نأمله ونتمناه ليقود التنوير كما بدأه رفاعة الطهطاوى وطه حسين والعقاد أبناء الصعيد، والتنوير الذى نبتغيه فى الصعيد على أيدى الجامعة هو الذى حدده الفيلسوف "كانت" بقوله: التنوير هو خروج الإنسان من القصور الكامن فى ذاته.

القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام عقله دون قيادة الغير". فقد طغت ثقافة القبيلة وغدت قانون الصعيد المقدس المسكوت عنه ، ويجب على الجامعة أن تتعمق دراساتها العليا فى الصعيد بكافة أشكاله ، فأنّى لى أن أتقبل من باحث بجنوب الوادى أو جامعة أسوان أن يعد رسالة دكتوراه عن التلوث فى هولندا وهو يشاهد تلوث النيل بعينيه ويشم بأنفه مخلفات المصانع التى تلوث البيئة ، وعندما انتشرت الحشرات فى قصب السكر فى الأعوام الماضية جرّب المزارعون أنواع المبيدات دون جدوى فلمن يلجأون ما لم تكن الجامعة عونا لهم بعقولها العلمية الممتازة؟ ولو اتجه أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وعددهم بالآلاف إلى دراسة البيئة كما فعل بعضهم فى بحوث رائدة لأسهمت الجامعة فى حل معظم مشكلات الصعيد الصحية والاجتماعية واللغوية والنفسية والجغرافية والأدبية وغيرها؛وأمراض النبات لاتقل عن أمراض البشر، وقد أنشئ مصنع لإنتاج الأدوية بقفط توقف انتاجه وهو فى حاجة إلى دعم كلية الصيدلة التى نود أن ترفد الصعيد بأطباء يحتاجهم، والأمر كذلك يحتاج إلى كلية للآثار بالأقصر فمن يصدق أن ثلث آثار الدنيا توجد فى منطقة لا توجد بها كلية للآثار، وإن آثار الأقصر ودندرة والعُوَيْضات والكِرسة وقِفط والقلعة وإسنا وإبى طشت وفرشوط لفى حاجة إلى تنقيب وبحث يقوم به أساتذة متخصصون ؛ وأحسب أنى لست فى حاجة لأطالب بإنشاء كلية للغات بالأقصر لتسد فراغا مهنيا لايخفى.كما أن فتح كلية للتكنولوجيا سيوفر على أولياء الأمور معظم نفقات تعليم أبنائهم بعيدا عن رعايتهم وفى ظل نفقات دراسية تقتطع من قوتهم الكثير. ، إن جامعات الصعيد منذ أن كانت فروع جامعة أسيوط نأمل على يد خريجيها وأساتذتها المرموقين تغير الصعيد نحو التقدم والتنوير.

هل أرى فى العام القادم جامعة جديدة فى الأقصر وأخرى فى البحر الأحمر؟ مع ضرورة تعيين حملة الدكتوراه بالكليات الجديدة حتى لا تُفتح جامعات جديدة عن طريق الانتداب من الجامعات الحالية ونفوت الفرصة على تعيين النابهين من أبنائنا.

لقد أظهرت الحوادث الأخيرة فى المنيا وأسوان أن ثقافة القبيلة ماتزال سائدة تتوارى أمامها ثقافة التنوير، ويبدو أن المشوار طويل، لكن الحكيم لاوتسو كان يردد "مَن يمشى على أطراف أصابعه لن يستطيع أن يقف".



موضوعات متعلقة..


محمد أبو الفضل بدران يكتب: كتب أسرة محمد على باشا بقنا.. 400 ألبوم صور للأسرة المالكة و7 آلاف كتاب بلغات أجنبية و3000 بالعربية و300 نوتة موسيقية فى انتظار الترميم.. ووزارة الثقافة اكتفت بكتابة تقرير
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

حالة الطقس.. تمركز للسحب الممطرة على شرق البلاد مصحوبة بأمطار غزيرة

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها

منتخب مصر الأول يطير للمغرب اليوم للمشاركة فى كأس الأمم الأفريقية

بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

انتشار أمنى مكثف لتأمين جولة إعادة المرحلة الثانية من انتخابات النواب


السلامى VS السكتيوى.. نهائى مغربى خارج الخطوط فى نهائى كأس العرب

الطقس اليوم الأربعاء 17-12-2025.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار

الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى تحدد شروط صرف منحة وفاة أصحاب المعاش

غموض مصير أحمد حمدى مع الزمالك

زيادة 15٪ سنويا.. قانون الإيجار القديم يضع قواعد جديدة للأجرة


الأهلى يرحب برحيل أفشة فى يناير.. وسيراميكا مهتم بضمه

باريس سان جيرمان يتحدى فلامنجو فى نهائى كأس القارات للأندية الليلة

معلومة قانونية.. تعرف على عقوبة دفن جثة بدون تصريح

موعد انطلاق الجولة الثانية من بطولة كأس عاصمة مصر والقنوات الناقلة

هل يشترط امتلاك توكتوك للتقديم فى منظومة الإحلال والحصول على السيارة الكيوت؟

فاكسيرا توجه رسائل هامة لمنع عدوى الالتهاب الرئوى فى الشتاء

ليلة زفاف نجم الأهلى.. أحمد عبد القادر يحتفل وسط أسرته وأصدقائه فى الدقهلية.. عمر كمال وأحمد رمضان بيكهام أبرز الحضور.. وعصام صاصا وأورتيجا يشعلان الأجواء بالأغانى.. فيديو وصور

محمد عبد الله مطلوب فى الدوري البرتغالي.. واللاعب يحيل العروض للأهلي

أحمد عبد القادر نجم الأهلى يحتفل بزفافه وسط أسرته فى الدقهلية.. فيديو وصور

منتخب مصر يهزم نيجيريا 2 - 1 فى البروفة الأخيرة قبل أمم أفريقيا.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى