شياطين لا تُصفّد

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف

النفس الأمارة بالسوء جندى مجتهد جداً من جنود إبليس

لماذا نعصى الله فى رمضان؟!.. ذلك السؤال الذى يبادر للأذهان فى كل عام حين تتردد عبر المنابر، وفى كلمات الوعاظ تلك التغيرات الكونية العظيمة التى تطرأ على الكون فى أول ليلة من ليالى رمضان، حين تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وينادى المنادى: يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر.. تصفد الشياطين، منبع الإفساد، ومبتدأ الضلالة والعصيان، هى مصفدة فى رمضان، فلماذا نعصى إذًا؟!.. من يوسوس لنا بها، وقد قُيّد الوسواس الخناس؟!.. من يغرينا بالسيئات، وقد حبس العدو الأول الذى يعد تلك السيئات سلاحه الأول؟!

الحقيقة أن هناك إجابة مشهورة عن تلك التساؤلات، هى أن الشياطين التى تصفد فى رمضان هى المردة، أى أكابر الشياطين، أما تلك العفاريت الصغيرة فتترك حرة طليقة، وبالتالى هى من تتسبب فى المعاصى التى نراها، لكن فى رأيى الإجابة الأكثر واقعية عن هذا السؤال، تتلخص فى مثل شعبى مشهور «اللى خلف ما ماتش»، و«الشياطين مش بس خلفت شياطين من جنسها»، لكن هم فى الحقيقة استطاعوا أن يربوا شياطين أخطر من جنسها.. شياطين تجرى منا مجرى الدم، وهى تلك الأنفس الأمارة بالسوء، وهذه لا تصفد، أيضًا هناك شياطين تتقافز من حولنا ونراها تصدنا، وتصد غيرنا عن سبيل الله، وتلك هى شياطين الإنس، وهذه هى الأخرى لا تصفد!

أما عن النوع الأول، النفس الأمارة بالسوء، فهى جندى مجتهد جدًا من جنود إبليس، وهى المتهم الأول فى كثير من الجرائم التى وقع فيها البشر منذ بدء الخليقة.. تأمل معى أول جريمة قتل عرفها هذا المخلوق، وانظر من المتهم الأول فى القصة القرآنية « فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ»، من الذى طوع لابن آدم تلك الجريمة؟ نفسه، أيضًا جريمة قتل الناقة، آية الله لقوم صالح، النفس هى المتهم الأول هنا، كذلك «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا»، الهاء هنا تعود على من؟، على النفس فى أول السورة «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا»، وماذا عن جريمة المراودة لنبى الله يوسف فى قصته مع امرأة العزيز، هى النفس مرة أخرى «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى»، كذلك جريمة السامرى الذى أخرج لبنى إسرائيل عجلًا يعبدونه من دون الله، المتهم الأول هنا أيضًا هو النفس «قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى»، من سول له؟ نفسه، حتى الوسوسة التى هى من خصائص الشيطان الوسواس الخناس، فإنها أيضًا وردت فى القرآن منسوبة للنفس «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ»، من يوسوس هنا؟ نفسه، والشح أيضًا منسوب فى القرآن للنفس، «وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ»، «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» إذًا فمقام النفس فى الإفساد محفوظ، كما هو واضح، خصوصًا لو كانت مدربة بهذا الشكل.

نأتى بعد ذلك للجندى الآخر ممن استخلفتهم الشياطين، ليكملوا مهمتهم «وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا».. هذه الآية تحمل التفسير المنطقى الأوضح لذلك السباق المحموم لإثارة شهوات الناس فى رمضان، إنهم شر خلف استطاع إبليس تربيته وإعداده، من ذكر الله أنهم يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، منهم من يحب أن تشيع الفاحشة كى لا يكون وحده، يحب أن تشيع الفاحشة كى يرضى عن نفسه، ويسكن بقايا ضميره، يحب أن تشيع الفاحشة لكى يقول لنفسه ها قد عمت البلوى، وكل الناس مثلى «واللى زى الناس ما يتعبش»، غايته كقدوته، وهدفه مثل هدف إمامه حين غوى وعصى، فقال «لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»، إنه رد فعل نفسى فى أصله يميل فيه الساقط لئلا يكون وحيدًا فى تلك الدركات التى يعلم بينه وبين نفسه أنها دركات فلماذا يهوى فيها وحده؟!، لسان حاله فليسقطوا معى جميعًا وليهووا كما هويت، ولا أحد أحسن من أحد، بل ولسان مقاله أيضًا كما بينه الله فى قولهم: «أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا».. كل هؤلاء وغيرهم أسباب منطقية جدًا لوقوع المرء فى المعاصى فى رمضان حتى لو كانت الشياطين مصفدة، فقد استخلفت وأجادت الاستخلاف.. استخلفت نوعًا مختلفًا من الشياطين... شياطين لا تصفد.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

10 معلومات حول تشكيل عصابى غسل أمواله خلف أنشطة مشروعة

محمد يوسف يبحث موعد تواجد الصفقات الجديدة في تدريبات الأهلي

مقتل اثنين من موظفى السفارة الإسرائيلية في إطلاق نار بواشنطن

رويترز: زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب جزيرة كريت اليونانية ويشعر به سكان مصر

هزة أرضية يشعر بها سكان القاهرة الكبرى


فرقة "نظرة" للإنشاد الدينى بقبة الغورى.. غدا

تمثال ميريت آمون يخطف الأنظار بمتحف الغردقة.. قصة الأميرة الأكثر سحرا (فيديو)

أوسكار رويز يُحضّر لائحة جديدة للحكام في الموسم المقبل

زعيم كوريا الشمالية غاضبا بعد فشل تشغيل سفينة حربية: إهمال لا يمكن أن يغتفر

مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزم التحقيق في هوية الشخص الذي أدار البلاد بدلا من بايدن


وزيرا خارجبة الإمارات وأذربيجان يبحثان هاتفيا تعزيز التعاون الثنائى

إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)

مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور

ميدو ينفى مفاوضات الزمالك مع ريفيرو.. ويؤكد: كل ما يثار حول صفقاتنا غير صحيح

متحدث الوزراء: تعديلات قانون التعليم تهدف لتطوير التعليم ما قبل الجامعى

منتخبات مصر ترسم خارطة المستقبل للكرة المصرية.. أملٌ متجدد وطموحات عالمية

رئيس الوزراء: المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل تشمل 5 محافظات

أسامة نبيه يقدم تقريرًا فنيًا شاملاً عن مشوار منتخب الشباب بأمم أفريقيا

شاهد.. لحظة إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسى يضم سفير مصر.. فيديو وصور

"أصحابه حاولوا ينقذوه وفشلوا".. غرق طالب بالمرحلة الإعدادية فى النيل بدسوق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى