الأصولية العلمانية المتطرفة

كمال حبيب
كمال حبيب
كمال حبيب
التطرف هو موقف المجاوز للحد، المثير للاستغراب، الجاذب للدهشة والالتفات، ليس التطرف موقفا يتسم به المتدينون فقط، أولئك الذين يبالغون فى التمسك بما يعتبرونه هديا ظاهرا من السنة، كتقصير الجلباب والاكتحال وتطويل الشعر، أو اعتبار المجتمعات الموجودة اليوم مجتمعات جاهلية لأنها لا تعيد إنتاج نفس العلاقات القديمة التى كانت قبل سقوط الخلافة الإسلامية، كما أن مقولات فقهية تضمنتها كتب الفقهاء القدامى من مثل إرضاع الكبير أو تزويج الصغيرات كانت قد اعتبرت غير مناسبة للعصر.

التطرف قد يكون سياسيا كتبنى أيديولوجيات عنصرية ضد جنس معين أو دين معين وتغذية الروح العنصرية لدى الشعوب كما حدث مثلا بالنسبة للنازية التى اعتبرت غير الجنس الآرى مستحقا للاستبعاد والكراهية والتمييز بما فى ذلك استخدام المحارق ضد الغجر واليهود وغيرهم من الجنسيات التى لا تتمتع بالنقاء، وعادة ما يقود ذلك التطرف السياسى إلى شن الحروب وإدخال العالم فى مزالق الدمار. والكثير من الحروب الطائفية التى نراها اليوم فى عالمنا العربى تقوم على أفكار متطرفة سياسيا، فالشيعة وميليشيات الحشد الشعبى هى تعبير عن تطرف فى مواجهة السنة فى الفلوجة الذين يواجهون حصارا يصمت عليه العالم ويغض الطرف، ذلك أن الحشد الشعبى الشيعى يظن ويعتقد أن السنة هم أعداؤه وأن جميعهم حاضنة اجتماعية لداعش، بيد أن داعش هو المثال المتحقق الأعلى للنموذج المتطرف على المستوى الفكرى، فهو يرى العالم كله، بما فى ذلك المسلمين، كفارا يجب قتالهم، واتباع منهجه فى الاعتقاد، ومن يخالفه فإنه يقتله، كما أنه يرى العالم إما مؤمن وإما كافر، ويقسم العالم على أساس عقيدته وليس على أساس المصالح والمواقف السياسية والاجتماعية، ومن ثم فإنه لا يعترف بمعنى مدنى، أى المواطن الذى لا علاقة له بالحروب ولا هو مشترك ولا ضالع فيها، وإنما هو يقول الناس بين محارب كافر، وبين مسلم موالٍ هم جماعته، ولذا يشن حربه على فرنسا وبلجيكا ويستهدف مدنيين بالأساس.

فى وسط ذلك الخضم الهائل الذى يعيشه عالمنا العربى يخرج علينا علمانيون أصوليون متطرفون يقولون إن الرؤيا التى رآها سيدنا إبراهيم، عليه السلام، هى كابوس، وأنه الرجل الصالح، وأن مذبحة كبيرة يقيمها المسلمون كل عيد أضحى للحيوانات البريئة، أو أن يشن أولئك المتطرفون الأصوليون هجمة على الإسلام فيعمدون إلى تبديد يطلقون عليه اجتهادا، ويتجهون أول ما يتجهون إلى ما يعتبره المسلمون مقدسا فيذهبون يشنون حملاتهم عليه، فأمير الحديث وعالمه الأكبر هو محمد بن إسماعيل البخارى وكتابه هو أصح كتب الحديث والسنة، والسنة هى شارحة للقرآن الكريم وهى مفسرة له إلى حد أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال «ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه»، أى السنة المطهرة، وقد ظهر قرآنيون يقولون مالنا وللسنة نحن فقط قرآنيون، ويخرج من يقول إن القرآن المقدس عند المسلمين هو نص تاريخى، متأثرا فى ذلك بالدراسات الاستشراقية ومناهجها التى تقوم على نقد الكتب المقدسة فى الغرب التوراة والإنجيل.
التطرف الأصولى العلمانى الذى لا يحسن الإبداع إلا فيما يتصل بالدين ومقدسات المسلمين وحرماتهم، هو الذى ينتج التطرف الداعشى، فالعلمانية الأصولية التى لا تريد للإسلام أن يكون محترما وحاكما ومؤثرا فى الحياة والوجود، هى التى تنتج التطرف الداعشى، ومع أننى لست مع حبس أى واحد يعبر عن رأيه بالفكر، بيد أن قوما آخرين حين يرون ما يعتبرونه عدوانا على مقدساتهم فإنهم يهيجون ويتعصبون ويتطرفون ويذهبون من بعد إلى العنف، كما حدث من قبل مع حالة فرج فودة الذى عبر عن التطرف الأصولى العلمانى فى أقصى صوره.

نريد كلمة سواء فى هذا المجتمع يحترم فيه كل صاحب قلم أو فكرة دين المسلمين وغير المسلمين معا، ومن يرد إبداعا فعليه أن يبدع بعيدا عن التعرض لمقدسات المسلمين، ليس معنى أننا نقول إن الإسلام لا يعرف كهنوتا ولا وصاية من أحد على الآخرين أن يترك أمره سداحا مداحا، يتسوره كل مستهتر، أو متجرئ أو متشرد أو مغترب أو ضائع.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

انتهاء دوري القسم الثاني والثالث والرابع قبل 16 مايو

ميسي vs رونالدو.. هل يعود الصراع التاريخى عبر بوابة الدوري السعودي؟

تفاصيل التحقيقات مع المتهمين بالنصب على المواطنين بالعلاج الروحانى

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

وزارة الزراعة: ضخ 300 ألف طن من الأسمدة خلال الشهرين الماضين مع بداية الموسم الصيفى.. و250 ألف طن مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات المزارعين.. وتوافر الأسمدة بجميع الجمعيات التعاونية


إمام عاشور يبدأ جلسات العلاج الطبيعي في الأهلي

"أمبرى": تضرر كبير لأرصفة ميناء الحديدة اليمنى جراء غارات إسرائيل

وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت نتيجة عطل الاتصالات والإنترنت

نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام

فيلم Mission: Impossible - The Final Reckoning يحقق 576 مليون دولار


10 تغييرات فنية لأندية الدوري استعدادا للموسم الجديد

بعد عطل الاتصالات والإنترنت.. إقلاع 36 رحلة طيران وجار العمل على 33 أخرى

موسم باريس سان جيرمان المثالى يهدد حلم ريال مدريد المونديالى

جيش الاحتلال: صافرات إنذار تدوي في مناطق إسرائيلية قرب غزة

وزارة الطيران: تأخر محدود في إقلاع الرحلات لعطل بشبكات الاتصالات والإنترنت

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة.. صور

الصحة تنشر أرقاما للرعاية الحرجة والعاجلة بديلا عن 137 بعد حريق السنترال

الزمالك يواجه أورانج فى أولى ودياته استعدادا للموسم الجديد

السكة الحديد تعتذر عن عدم انتظام منظومة حجز التذاكر بسبب حريق السنترال

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى