لماذا سقطت الأندلس؟ «9»

عبد الفتاح عبد المنعم
عبد الفتاح عبد المنعم
بقلم : عبد الفتاح عبد المنعم
فساد الملوك وراء انهيار الدول والدليل ما حدث فى إشبيلية
لا يمكن أن نفصل بين فساد بعض الحكام فى أى مكان أو زمان وبين انهيار الدول، وهو ما حدث مع ملك إشبيليه فى عهد دول ملوك الطوائف وهو المعتمد بن عباد فبعد ضعف المُسْلِمُين فى الأندلس وسلب كثير من ديارهم؛ لما تنافس الولاة والحُكَّام من أجل إسعاد زوجاتهم وجواريهم بالباطل ودليلنا ما فعله المُعْتَمِد مع إحدى زوجاته: اشتهت زوجة المعتمد بن عباد أن تمشى فى الطين وتحمل القِرَب، فأمر المُعْتَمِد بن عَبَّاد أن ينشر المسك على الكافور والزعفران، وتحمل قربًا من طيب المسك وتخوض فيها تحقيقًا لشهواتها!! ولكن الله المعز المذل أراد أن تنقلب الأمور على المُعْتَمِد، فيؤخذ أسيرًا فى أغمات وتبقى بناته يغزلن للنَّاس يتكسبن، وفى ذلك يقول المُعْتَمِد وهو شاعر مجيد:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورًا/ فساءك العيد فى أغمات مأسورًا
ترى بناتك فى الأطمار جائعــة/ يغزلن للناس ما يملكن قطميـرًا

رابعًا: إلغاء الخلافة الأموية وبداية عهد الطوائف: لا شكَّ أن بداية الانهيار الفعلى فى الأَنْدَلُس بزوال الخلافة الأموية، ونشأ على أثر ذلك عهد السنوات الصعاب، كانت كلمة الأمة واحدة وخليفتهم واحدًا فأصبحت الأمة كما قال الشاعر:

مما يزهدنى فـى أرض أَنْدَلُـس/ أسـماء معتمد فيهـا ومعتضــد
ألقاب مملكة فى غيـر موضعهـا/ الهرَّ يحكى انتفاخًا صولة الأسد

ولم يكن حُكَّام الأَنْدَلُس أهلاً لقيادة الأمة فى عمومهم، واسمع إلى ابن حزم وهو يقول عن هؤلاء الحُكَّام: «والله لو علموا أن فى عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرب المُسْلِمِين، لعن الله جميعهم، وسلط عليهم سيفًا من سيوفه».

ويقول الدكتور عبدالرحمن الحجى عن هؤلاء الحُكَّام: «وهكذا وجدت فى الأندلس أوضاع يحكمها أمراء اتصف عدد منهم بصفات الأثرة والغدر، هانت لديهم معه مصالح الأمة، وتُركت دون مصالحهم الذاتية، باعوا أمتهم للعدو المتربص ثمنًا لبقائهم فى السُّلطة، ولقد أصاب الأمة من الضياع بقدر ما ضيعوا من الحظ الخُلقى المسلم، انحرف هؤلاء المسؤولون عن النهج الحنيف، الذى به كانت الأندلس وحضارته».

خامسًا: الاختلاف والتفرق بين المسلمين: كان الاختلاف والتَّفرُّق سمة من سمات عصر ملوك الطوائف، وكان بعضهم يستعدى النصارى على إخوانه، ويعقدون مع النصارى عهودًا وأحلافًا ضد إخوانهم فى العقيدة، ومِن أجل شهوة سلطة تُراق على أرض الأندلس دماء المصلين، حتى قال ابن المرابط واصفًا حال المسلمين:

ما بال شمل المُسْلِمِيـن مبدَّدٌ/ فيها وشمل الضـد غير مبـدد
ماذا اعتذاركم غدًا لنبيكـم/ وطريق هذا الغـدر غيـر مُمهَّد
إنْ قال لِمَ فرَّطتم فى أُمَّتـى/ وتركتمـوهم للعـدو المعتـدى

ولما سقطت طُلَيْطِلَة كان من العجيب أن بعض ملوك الطوائف وقفوا جامدين لا يتحركون لنجدة طليطلة، وكأن الأمر لا يعنيهم، فاغرين أفواههم جبنًا وغفلة وتفاهة! بل إن عددًا منهم كان يرتمى على أعتاب ألفونسو ملك النصارى طالبًا عونه، أو عارضًا له الخضوع، بذلّةٍ تأباها النفوس المُسلِمة، تغافلوا عن أن ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وغيرها من القواعد الأندلسية! لكن العجب يزول إذا تذكَّرنا نزعتهم الأنانية والعصبية.

سادسًا: تخلى بعض العلماء عن القيام بواجبهم: لا شكَّ أن حياة الأمة فى حياة علمائها، فهم تاجها ومنارتها، وهم روحها ومادة حياتها، فكلما كان علماء الأمة ربَّانيين كان أمر الأمة فى طريقه نحو العزة والرِّفعة والكرامة، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية وتثاقلت نفوسهم إلى الأرض، وحرصوا على مصالحهم الذاتية، خبا نور الأمة، ودبَّ فى الأمة الضعف والجهالة.

«فحين كانت الأمة تغرق فى الأندلس بسبب الاجتياح النصرانى المتلاطم، انصرف عدد من العلماء إلى العناية المبالغة بالفقه المذهبى وفروعه، ونسوا وتناسوا واقع الأمة وآلامها» وبعض هؤلاء هم ممن قال فيهم ابن حزم- رحمه الله-: «ولا يغرَّنك الفُسَّاق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المُزيِّنون لأهل الشرِّ شرهم، الناصرون لهم على فسقهم».

وللحديث بقية.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الخارجية الأمريكية: ترامب يواصل مساعيه لإنهاء النزاع في أوكرانيا

ريال مدريد يطير إلى نيويورك استعدادا لخوض قمة باريس سان جيرمان.. صور

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

بنك الاستثمار الأوروبي يضخ 150 مليون يورو لدعم التمويل الأخضر في كرواتيا

الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025


ترك أعمالا مميزة واعتزل التمثيل فى الستينيات.. ذكرى ميلاد حسين صدقى

أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. استشهاد 3 فلسطينيين فى قصف للاحتلال غرب خان يونس.. إيران تستلم بطاريات صواريخ أرض جو من الصين.. وزارة الصحة بغزة: ارتفاع مقلق فى حالات الإصابة بالحمى الشوكية

الزمالك يكرم الجهاز المعاون لأيمن الرمادى وطبيب الفريق

إحباط تهريب 300 كائن حى نادر بمطار القاهرة.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراضا وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصالا لها.. وتتسبب فى خسائر فى الثروة الحيوانية

حياة كريمة تغير حياة المواطنين فى سوهاج.. تشغيل مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي.. 3 محطات مياه و7 صرف صحي بتكلفة 400 مليون جنيه.. تجهيز المحطات بأنظمة متطورة.. ومواطنون : نشكر الرئيس على المبادرة.. صور


وزير الإتصالات: سنترال رمسيس لم يعد صالحا فى الوقت الحالى حتى تتم أعمال التبريد

رئيس وزراء قطر: توجه لزيادة الاستثمارات القطرية فى مصر

سقوط 5 شهداء في قصف إسرائيلي على حي الزيتون بقطاع غزة

سجل بياناتك لتصلك نتيجة الثانوية العامة 2025

إيلون ماسك يخسر 15.3 مليار دولار من ثروته بعد إعلان تأسيس حزب أمريكا

الزمالك يستعد للموسم الجديد بـ8 تدعيمات قوية.. وحسم موقف الراحلين قريبا

جاريث بيل يعود إلى كرة القدم من بوابة كارديف سيتي.. اعرف التفاصيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى