أهم يقسمون رحمة ربك

د. محمد على يوسف
د. محمد على يوسف
بقلم :د. محمد على يوسف
أتظنون أن يدخل الفقراء الجنة معنا؟! تفتكروا يكونوا زيهم زينا كدة ما فيش فرق بيننا ؟! مستحيل طبعا.. الجنة دى للعلماء أمثالنا ولو الفقراء دخلوها فلكى يكنسوها وينظفوها لنا !!

كانت هذه الكلمات الحادة فى وقاحتها وجرأتها وتأليها على الله هى ما فاجأنا به ذلك العالم المخضرم والذى قرر تشريفنا أيام الدراسة الجامعية بمحاضرة قيمة أبهرنا خلالها فعلا بعلمه الغزير وسعة اطلاعه وقدرته على عرض المعلومات الطبية المعقدة بطريقة سهلة ممتعة. الحق يقال؛ الرجل بالفعل كان رائدا فى مجاله وكان يعد فى تلك الأيام من أهم علماء تخصصه وكان تمكنه يظهر فى كل لحظة من محاضرته، لكن تلك الكلمات الأخيرة التى ختم بها المحاضرة وهو يرقب بتفاخر أعيننا عديمة الخبرة والمنبهرة بعلمه، كانت كلمات صادمة حقا! أيمكن للعلم أو للترقى فى أى من أبواب الدنيا أن يصل بالإنسان لهذه الدرجة من الكبر والتى تجعله يتصور أن من حقه تقسيم الخلق كيف يشاء بهذه الجرأة ؟!

"وقالوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" هكذا تساءل المشركون معترضين على نزول القرآن على النبى محمد صلى الله عليه وسلم وهل كانت هذه هى المشكلة ؟ هل كانت كل قضيتهم أنه ليس من زعماء المجتمع أو من عظماء ماديتهم السطحية؟! والأهم.. هل هم من يقررون ويقسمون رحمة الله ؟! أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ" نفس المنطق المريض فى كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر، حكم يرسخه نمط من الخلق لا يلتفت انتباهه إلا للمظاهر المبهرة ولا ينجذب بصره إلا لزينة براقة أو زخرف لامع، قوم يقيسون الحق والباطل فقط من خلال مقياس العظمة الدنيوية والمكانة المادية والمنصب الضخم والنسب الفخم والثراء الفاحش والنعيم الزائل، إنه النمط الذى تبهره زينة قارون وقوة عاد وعلو النمرود، النمط الذى يستخفه فرعون ومنطقه المعروض فى نفس السورة "الزخرف" إذ ينادى ويقول: يا قوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى هذا هو ما أرادهم أن ينتبهوا إليه ثم سألهم أَفَلا تُبْصِرُونَ، هو إذاً ترسيخ للحكم البصرى المظهرى والتقييم القائم على أساس الرؤية الخارجية والمقاييس المادية وحسب..لذلك كان القياس الذى ظنه فرعون منطقيا "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِى عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أو جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِين" لقد قاس على نفس المعيار الذى ينبهر به خفيفو العقول فى كل زمان، معيار المظهر الخارجى وزخرف الفعل والقول ومن يقيس على هذا الأساس يستحق بجدارة أن يتسلط عليه فرعون وأمثاله فهم ممن قال الله فيهم فى السورة نفسها: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. قوم فاسقون بمعيارهم الفاسد وحكمهم المنقوص وتصورهم المريض الذى هيأ لهم ولأمثالهم أنهم يقسمون رحمة ربك يعطونها لمن أعجبهم ويمنعونها من حقروه ولم تبهرهم زينته وتخطف أبصارهم لمعة نسبه ومكانته.

وبنفس الفكر وصل صاحب الجنتين الذى ذكر الله قصته فى سورة الكهف إلى تلك القناعة الغريبة والمعتقد البشع حين أعجبته ثروته وأسكرته جنته فدخلها وهو ظالم لنفسه وقالَ "مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا" من أين عرف ذلك وكيف وصل إلى هذا المعتقد؟!

الإجابة ببساطة هى نفس الاغترار بالمظهر الزائف والزخرف الزائل وما يفعله بالنفس من استكبار وغى، ومن هنا أيضا أقسم بعض أهل النار يوما أن لن ينال الطائعون رحمة " وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ"، ولقد نسى أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات وأن.. "رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".



Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يستطلع رأي ريبيرو بشأن عروض الإعارة لـ محمد عبد الله

مسيرة فنية كبيرة.. 19 عاما على رحيل النجم عبد المنعم مدبولى

متى يتم طرد المستأجر .. شروط قانونية يجب توافرها

الطقس اليوم الأربعاء 9-7-2025.. أجواء شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء

انطلاق خامس أيام الترشح لمجلس الشيوخ.. اعرف المستندات المطلوبة


محاولات أهلاوية لإعارة محمد ياسر في الدوري المحلي ..اعرف التفاصيل

منة القيعى بين "يا بخته" مع الهضبة و"كلام فارغ" مع أصالة

قمة إفريقية أمريكية مصغرة.. ترامب يستضيف قادة 5 دول أفارقة فى البيت الأبيض.. واهتمام متزايد لواشنطن بمنطقة الساحل الإفريقى.. وقانون النمو والفرص مطروح للنقاش.. والأولويات هى الحد من التطرف والهجرة غير الشرعية

بعد ملاحقة إبراهيم سعيد للحجز على ممتلكاته.. اعرف المستندات اللازمة للدعوى؟

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة


بيلينجهام: مواجهة سان جيرمان صعبة.. وفخور بالمائة مباراة مع ريال مدريد

اعترافات المتهم بقتل زميله داخل مطعم فى كرداسة

ترامب يعلن حضور نهائى كأس العالم للأندية 2025

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

رادار المرور يلتقط 1109 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025

ترك أعمالا مميزة واعتزل التمثيل فى الستينيات.. ذكرى ميلاد حسين صدقى

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

المعمل الجنائى يعاين موقع حريق سنترال رمسيس

"فتش فى دفاترك القديمة" شعار صفقات الأهلى فى الميركاتو الصيفى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى