الموت على قوائم الانتظار.. حجز ركن داخل العناية المركزة حلم يراود آلاف المرضى.. خروج حالات قبل استكمال علاجها لاستضافة مرضى أكثر خطورة.. سرير واحد لكل 10 آلاف حالة داخل مستشفيات مصر

العناية المركزة - صورة أرشيفية
العناية المركزة - صورة أرشيفية
تحليل يكتبه – خالد سنجر
خالد سنجر

رن جرس الهاتف.. صوت يصرخ: الحق يا محمد بابا تعبان أوى واتصلنا بالإسعاف.. محمد: دقايق أكون عندكم.

لا يدرى محمد كم من الوقت استغرق فى تغيير ملابسه، ولا كيف وصل لمنزل الأسرة الذى يبعد عنه دقائق بسيطة، لكنه كل ما يعرفه أنه وجد أهالى المنطقة، والجيران، يحتشدون أمام سيارة الإسعاف التى وصلت لنقل والده الموظف بالمعاش إلى المستشفى بعد إصابته بذبحة صدرية.

صعد محمد درجات السلم، قفزا كأنه كائن كانجارو يهرب من براثن أسد مفترس، ودلف لداخل الشقة ليجد المسعفون وقد حملوا والده وسط صراخ شقيقته الوحيدة ووالدته المسنة.

يصر الشاب على الصعود داخل سيارة الإسعاف.. عيناه لا تفارقان والده.. السيارة تشق الطريق المزدحم.. يشعر كأن الزمان قد توقف فى تلك اللحظة.. تقتحم الإسعاف باب المستشفى.. الاستقبال يعلن عن حالة بحاجة للعناية المركزة.... لابد من نزول أحدهم... وبعد عشر دقائق كاملة.. يأتى مسئول العناية ليتحدث إلى الشاب الملتاع كل أريحية: احنا اسفين يا أستاذ ما عندناش مكان متاح للحالة.. ممكن نحط اسمه على قائمة الانتظار.

محمد.. شاب مثل ملايين الشباب الذين وقفوا عاجزين فى مثل هذا الموقف المأساوى، لا يقدرون على التصرف ولا يملكون الاختيارات أمام أزمة عجزت عشرات الحكومات عن إيجاد حلول لها، على مدار عشرات السنوات، حيث أصبح الحصول على سرير داخل غرفة عناية مركزة بإحدى المستشفيات الحكومية، حلما صعب المنال إن لم يكن من قبيل المستحيل.

مثلها مثل إعلانات شهر رمضان، تدمع عيناك من البؤس والشقاء على الفقراء وأصحاب الحالات العصيبة ممن يحتاجون إلى المساعدة، فيصدمك الإعلان عن مدن سكنية جديدة تتوافر فيها كل وسائل المتعة والرفاهية، تشعر بفقدان الاتزان حال شاهدت الفارق بين غرفة العناية المركزة فى إحدى المستشفيات الحكومية أو المجانية - حال نجح فى الحصول عليها، وبين سرير العناية فى إحدى المستشفيات الخاصة، فإذا كنت فقيرًا فإن ملاذك غرف الرعاية الصحية المتهالكة والأراضى المتسخة والحشرات التى تملأ الغرف، أما إذا كنت من أصحاب الأموال فأنت فى الحفظ والصون خدمة طبية جيدة وراحة واطمئنان أنك ستتعافى.

ومن هنا، ظهر الاختلاف فى الخدمة الصحية المقدمة للمريض، فكلما كثرت الأموال تحسنت الخدمة المقدمة فالمريض يدفع تكاليف المعاملة والوضع الصحى مختلف، فهناك تعقيم كامل للغرف واهتمام بطرق مكافحة العدوى بحيث لا يتم نقل العدوى أو البكتيريا والفيروسات من وإلى المكان بالإضافة إلى طريقة التعامل مع المرضى التى بها أقصى درجات الاهتمام سواء كانت من التمريض أو من الأطباء.

وإذا ما أردنا تسليط الضوء على أزمة نقص أسرة العناية المركزة فى مصر فلابد من استعمال لغة الأرقام للتبسيط، حيث كان الدكتور مصطفى النويهى، مستشار وزير الصحة السابق للحالات الحرجة والعاجلة، قد أكد أن مصر بدأت خطة عاجلة لزيادة أعداد أسرَّة العناية المركزة من 10 آلاف إلى 13 ألف سرير، للوصول إلى المعدل العالمى، وهو سرير لكل 7 آلاف مواطن، ولا يوجد حصر فعلى بتصنيف تلك الأسرة، من حيث توافر الإشراف الطبى المتخصص أو الإشراف التمريضى أو التجهيزات الطبية، ناهيك عن حالة البنية التحتية وتجهيزاتها والمستلزمات الطبية ومدى توافرها من عدمها.

وإذا نظرنا إلى آخر النسب الدولية لعدد أسرة العناية المركزة بالنسبة للتعداد البشرى للدول المختلفة فسنجدها سرير لكل 4000 مواطن فى أمريكا ولكل 6000 مواطن فى إنجلترا ولكل 7000 مواطن فى تركيا، وطبقا لآخر تعداد سكانى لمصر 90 مليون نسمة فمصر فى حاجة إلى سرير لكل 10000 مواطن، أى أن هناك عجز فى عدد الأسرة يصل إلى 80 الف وهنا تكمن المشكلة !!.

بجانب من سبق، هناك العديد من الحالات التى تستدعى عناية ولا يمكن استمرارها بالعناية المركزة لفترات طويلة بسبب عدة عوامل ( التكلفة المالية- الاحتياج للسرير لحالات أكثر خطورة - التعرض للعدوى ببعض الميكروبات بطول فترة الاقامة بالعناية المركزة)، ناهيك عن نقص خطير بأطباء العناية المركزة على جميع المستويات من استشاريين وإخصائيين وأطباء مقيمين مما يتسبب فى قصور فى أداء خدمة العناية المركزة فى العديد من المستشفيات بمختلف أنواعها.

حجم الكارثة يظهر بشكل أكثر حدة بعد اعتماد موازنة الدولة للسنة المالية 2016 – 2017، والتى خفضت من مخصصات الصحة مليارين لتصل إلى 62 مليار جنيه، بالرغم من أن المادة "18" من الدستور نصت على أن على الدولة "تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية"، كما تلتزم الدولة "إقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض"، وينظم القانون فى سبيل ذلك "إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم".. لا عزاء للفقراء.


موضوعات متعلقة..


- مستشفى حميات فاقوس فى الشرقية بدون عناية مركزة والمرضى يفترشون الأرض.. المدير: نخدم 3 ملايين مواطن بـ 33 سريرا منذ العهد الملكى.. يؤكد لـ"اليوم السابع": الحل فى المبنى المتعثر منذ 15 عاما
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

500 جنيه غرامة للمتخلفين عن التصويت دون عذر.. اعرف التفاصيل

مصر تتأهب لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 فى موعدها الدستورى.. ضوابط صارمة لضمان النزاهة وتعزيز المسار الديمقراطى وسط التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.. سقوف مالية صارمة وعقوبات رادعة لضمان التكافؤ

أكثر الفرق تحقيقًا لكأس العالم للأندية عبر التاريخ

بعد خسارة نهائى مونديال الأندية.. السوبر الأوروبي ينتظر باريس سان جيرمان

393 مليون دولار عالميا لفيلم براد بيت الجديد F1: The Movie


الاحتلال ينسف مبانى وسط مدينة خان يونس

موعد غلق باب القيد الصيفي للأندية بالدوري المصري

خمسة لاعبين إيطاليين على أعتاب تغيير أنديتهم قبل كأس العالم 2026

فقرة فنية وتقسيمة للاعبى الزمالك تحت قيادة فيريرا

محمد خطارى يشارك فى مران الإسماعيلى بعد التعافى.. وظهور أفارقة


رسميا.. الأهلى يعلن انضمام محمد شكرى 5 مواسم

الشركة المتحدة تطلق "بلادى" أغنية وطنية عصرية تعكس جمال مصر.. فيديو

الأهلى يتوصل لاتفاق على انضمام محمد ياسر إلى سيجما أولوموتس التشيكى

نوال الدجوى تكسر الصمت وتظهر رسميا لأول مرة منذ اشتعال أزمة الأحفاد.. صور

ترامب: أعتقد أننا سنتوصل لحل بشأن سد النهضة.. حياة المصريين تعتمد على المياه

9 قتلى و30 مصابا آخر حصيلة لضحايا حريق دار رعاية مسنين فى أمريكا.. فيديو

لويس إنريكي يوضح موقفه بعد "الاعتداء" مع جواو بيدرو في نهائي مونديال الأندية

رئيس الوزراء يصدر قرارا بتشكيل المجلس الأعلى للثقافة.. تعرف على الأسماء

الرجل الطائر صانع البهجة.. تفاصيل مصرع محمود عبد الغنى لاعب الفلاى بورد بالغردقة خلال استعراضه بحمام سباحة.. اختل توازنه أثناء أداء إحدى الحركات واصطدم بالرخام.. ونقل جثمانه لمسقط رأسه بالمنوفية.. صور

الإعلان عن قبول دفعة جديدة للالتحاق بالمعاهد الصحية للقوات المسلحة 2025/2026

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى