مجتمع فى قالب

وائل السمرى
وائل السمرى
بقلم - وائل السمرى
غالبا ما تقاس أهمية المجتمعات وعبقريتها بمدى قدرتها على الابتكار، ومدى جرأتها على شق الطرق غير المأهولة لتتحول الأحلام إلى كيانات حقيقية من لحم ودم وقواعد وأساسات، لكننا مع هذا اليقين الثابت نجتهد طوال عمرنا لنضع مجتمعنا فى قالب واحد، لينتج نسخا متكررة من نسخ متكررة من نسخ متكررة، وفى النهاية لا ننتبه إلى أن كثرة الاستنساخ تصيب المجتمع بشحوب الألوان ثم تلاشيها وزوالها فزوالنا.

أذكر هذا لأننا منذ أيام نعيش فى أجواء «الثانوية العامة» التى مست غالبية البيوت المصرية بأفراحها وأحزانها، وفى الحقيقية فإنى أرى أن هناك مبالغة حقيقية فى اهتمام المجتمع بأمر الثانوية العامة، بالرغم من أنها حلقة متناهية الصغر فى رحلة الحياة الطويلة الممتدة والمليئة بالنجاحات والإخفاقات، لكن الأخطر من كل هذا هو سعى المجتمع المحموم لدفع الكثير من أخواتنا وإخوتنا من الطلاب إلى اختيار تخصص معين أو كلية معينة، باعتبارها طوق النجاة الوحيد وما دونها الضياع، ضاربين عرض الحائط بأهم شىء فى حياة الفرد العملية، ألا وهو الحب الشخصى لتخصص ما أو الاهتمام بمجال محدد.

عشرات الآلاف من الطلاب يهوون الأدب والفن والموسيقى، لكننا نخسرهم كل عام، لأن المجتمع تخيل أن هناك وصفة جاهزة للنجاح أو للحياة المثالية، وهى أن يصبح الطالب طبيبا أو مهندسا، وبهذا نخسر أدباء كثر وفنانين كبارا كل عام، لأن الموهوبين يبددون موهبتهم، فيما لا يهونه أو يفضلونه، ليستيقظ الواحد منهم فى نهاية الأمر وهو فى قلب «المعمل» محدثا نفسه: ما الذى أتى بى إلى هنا؟

عشرات الآلاف من الطلاب يهوون العمال اليدوية أو الحرفية، لكنهم يهجرون هذه الهواية، لأن المجتمع جعل «الاحترام» حكرا على أصحاب الجرافتات الخانقة، ولهذا يهرب الآلاف سنويا مما يحبونه ويفضلونه إلى ما يحبه المجتمع ويفضله، فنخسر سنويا عقولا شابة وأرواحا وثابة كان من الممكن أن تسهم فى اختراع آلة معينة أو تطوير أخرى، ليكتب اسم صاحبها بماء الذهب فى تخصصه، بدلا من أن يصبح رقما فى قائمة خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مثلا، مع كامل الاحترام لهذه الكلية المهمة.

للأسف نحن مرضى بالقالب، نسجن النجاح فى خيالات مرضية ونحرم المجتمع كل عام من ماء التجدد، فنجعل النجاح قاصرا على بضعة مجالات ضيقة، مثل الطب أو الهندسة أو كرة القدم أو التمثيل، ناسين أن بكل مهنة أو مجال من هذه المجالات عشرات الآلاف من الفاشلين الذين لم يحققوا أى نجاح يذكر، وناسين أيضا أن بالمهن الأخرى عشرات الآلاف أيضا من الناجحين الذين استطاعوا بصبرهم ومجهودهم ومثابرتهم وبحثهم أن يصبحوا علامة كبيرة فى حياتنا.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

البلوجر نور تفاحة.. فيديوهات مخلة تحرض على الفسق من أجل الربح أهم أسباب محاكمتها

تدهور الأوضاع الإنسانية في الفاشر.. 38% من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد.. انهيار خدمات المياه والصرف الصحي.. مخاوف من تفشى الأوبئة والأمراض.. والهجرة الدولية: نزوح أكثر من مليون شخص من المدينة هربا من القصف

موعد ودية الزمالك وأورانج تحت قيادة يانيك فيريرا

محاكمة "نور تفاحة" راقصة الساحل الشمالى بتهمة بنشر فيديوهات خادشة.. اليوم

تشييع جثمان سامح عبد العزيز بعد صلاة العصر من مسجد الشرطة ودفنه بالسويس


5 قرارات مهمة من النيابة العامة لكشف تداعيات حريق سنترال رمسيس

رئيس البرازيل يرفض تهديدات ترامب: لن أقبل أن أكون تحت إشراف أحد

أكرم القصاص يكتب: الرئيس والحكومة وإدارة الأزمات.. عقل الإدارة و«الجيل الرابع»

شاهد مراسم غسل الكعبة اليوم

الاتحاد السكندرى يواجه المصري بالسلوم اليوم في أولى ودياته


الزمالك يربط بقاء دونجا بتخفيض راتبه مع اقتراب نهاية عقده

شيرين رضا تشارك فى بطولة فيلم كراش بطولة أحمد داود والتصوير قريبا

الأهلي يرفض مُبالغة الأندية الأخرى في طلباتها لبيع لاعبيها خلال ميركاتو الصيف

غدا.. آخر فرصة للتقديم على وظائف فى البوسنة برواتب تصل 52 ألف جنيه شهريا

تفاصيل نظام البكالوريا المصرية الجديد × 15 معلومة

محمد عواد يرحل بنفس سبب وفاة أحمد عامر.. أزمة قلبية مفاجئة

وداعًا للطوابير.. تعرف على خطوات الاستعلام عن مخالفات السيارات أونلاين

زوجة تبحث عن بطلان عقد زواجها وتؤكد:" تحايل على بالغش والتدليس لإتمام الزواج"

وفاة المطرب الشعبي محمد عواد.. وأمينة والعيسوي ينعيانه بكلمات مؤثرة

انفوجراف.. آخر مستجدات التحقيق فى حريق سنترال رمسيس الرئيسى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى