أحلام من الزبالة

سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم سامح جويدة

- لم نشهد فى الدراما الرمضانية هذا العام عالما فذا



كل كلامه يمين وكل حركاته شمال، فزورة شهر رمضان التى تتضخم كل عام، مجتمع تائه بين التقوى والفجور وبين التهجد والتبلد، بين المسلسلات والصلوات بين الصيام والإسراف، بين الغناء الفاحش والفقر الفاجع، يتباهى بقناع الفضيلة والحكمة والرحمة، ويتلذذ بفعل العكس فى كل سلوكه، مجتمع يجعل من الرذيلة عادة، ويدعو الله ما (تنقطعلنا) عادة، فالكل يطنطن بالشباب ودور الشباب وتنمية الشباب وحرية الشباب، وكل سلوكيات المجتمع تدوس على كل هذه الصفات بالجزمة، فماذا نصنع بالشباب ونحن نحقن عقولهم بثقافة مدمرة تجعل من القتل بطولة، ومن سفك الدماء أكل عيش، ومن البلطجة أسلوب حياة، وبدلا من أن يكون حلم المراهقين أن يصبحوا أطباء مرموقين أو علماء نوابغ أو رجال أعمال محترمين، تجدهم الآن يتدرعون إلى الله أن يوفقهم، ويجعلهم من كبار تجار السلاح أو الآثار أو المخدرات أو خلطة إجرام من كل ذلك.

هذا هو الطريق الوحيد السالك فى دروب مصر للوصول إلى البطولة والسعادة والمال، سيطرت الدراما الرمضانية على عقول المراهقين والشباب بل والكبار الناضجين، وغسلت أدمغة الجميع حتى انبهرنا بقصص المجرمين واللصوص والقتلة، وأصبحوا الأبطال المشهورين والقدوة المنشودة، فهذا إنسان متفوق ظلمته الأيام والظروف والدولة، فأصبح من كبار تجار السلاح، والآخر خرج إلى الدنيا بجريمة قتل وقهر الفقر والناس منذ طفولته، فأصبح «حوت» من تجار الآثار، والآخر يتاجر فى كل الممنوعات لأن الحرام مثل الشطة فى الطعام، والثالث يتاجر فى المخدرات لأنه فشل فى علاقاته النسائية، مبررات عجيبة تجعل من الجريمة حاجة لطيفة، وتجعل من المجرم «حد كيوت وجميل» وتشجع أى مراهق على أن يرسم أحلامه بسهولة، وينتظر الفرصة لكى يقتلك ويسرق ما معك.

لم نشهد فى الدراما الرمضانية هذا العام عالما فذا أو رجل أعمال وطنيا أو موظفا صاحب هدف أو طبيبا عبقريا أو مبدعا مجتهدا، كل ما قدمناه لشبابنا هذا العام هو بطولات من الزبالة، بعض الناس تستخف بأثار هذه الدراما فى الشباب والمراهقين، ولكن إحصائيات منظمة الصحة العالمية أكدت أن الأفلام والمسلسلات هى السبب الأول فى انتشار التدخين وارتباطه بمفاهيم القوة والذكورة والقدرة على قهر المستحيل، بمجرد سحب النفسين، ونفس الوضع بالنسبة للمخدرات والخمور وارتباطها بتغيير الحالة المزاجية إلى الأفضل، وضحك ورقص وفرفشة وآخر انبساط، لذلك نحن نقدم للشباب البلطجة والإجرام كمنتج جديد بجانب السجائر والخمور والمخدرات حتى تكتمل رباعية الضياع، وفى نفس الوقت نعاقب المجتهدين والمتميزين على اجتهادهم ونسرب الامتحانات، حتى تصبح البلطجة جزءا من المنظومة التعليمية، وحتى يؤمن كل مجتهد بأنه فى مجتمع يستحق الحرق، وأن كل كلمات الفضيلة والشرف مناديل ورق نمسح بها ونرميها، شباب لا يرى إلا إعلانات الشحاتة وإعلانات المنتجعات، فلا هو قادر على أن يتبرع بجنيه، ولا يستطيع أن يحلم بأن يشترى شقة 100 متر بمليون جنيه، شباب تائه بين دعوات الحكومة بالإنتاج والتحدى والأمل، وبين فشله فى توفير فرصة عمل، بين الخطب السياسية وكلمات الحرية والمشاركة، وبين أسماء المعتقلين وأحكام السجون فى كل مواجهة، شباب مرتاب فى كفاءة تعليمه وقدرات معلميه، معدوم الثقة فى إمكانياته الشخصية، فهو لا يمتلك إلا الواسطة والمحسوبية للحصول على عمل أو الحظ للوصول إلى «لقمة عيش» أو حلم الهروب للخارج، ولو انتهى الحلم بجثة يأكلها ملح البحر.

الآن نعطيهم بدائل جديدة وأحلاما سعيدة مع البلطجية والقتلة وتجار المخدرات والسلاح والآثار، لتصبح كل الطرق تؤدى إلى خراب روما وضياع أولادها، لذلك ستشهد المرحلة المقبلة إقبالا منقطع النظير على الأعمال المنافية للقانون والسلوكيات الحيوانية، وسيتباهى الشباب بهذا الإجرام وهذا العنف وهذه الحياة، ووقتها سنتساءل: هل الكوارث الاجتماعية التى تلاحق أولادنا بسبب التجاهل أم الترصد أم الدراما وسوء الفهم مع سوء الظروف؟
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب: أمريكا ستدعم ضمانات أمنية أوروبية لأوكرانيا لإنهاء الحرب مع روسيا

الكنيسة تواصل صوم العذراء مريم وسط أجواء روحية.. معجزات تحيط بحياه أم النور.. أقدم كنائس باسمها تعود للعصر الرسولي فى فيلبي.. ظهوراتها فى الزيتون تجذب الأنظار.. ومعجزاتها تؤكد مكانتها فى القلوب

صحتك بالدنيا.. بعد وفاة تيمور تيمور.. هل يمكن أن تؤدى الصدمة النفسية للوفاة؟.. طرق للتخلص من دهون الخصر.. إرشادات جديدة من جمعية القلب الأمريكية لعلاج الضغط.. وخطوات عملية لحماية عينيك ودماغك فى عصر الشاشات

مصادر مصرية للقاهرة الإخبارية: إسرائيل تسلمت مقترح الوسطاء بعد موافقة حماس

بدء العد التنازلى لتطبيق قانون الإيجار القديم.. أول سبتمبر تحصيل أول زيادة رسميا.. 250 للسكنى و5 أمثال للمحال التجارية.. وبدء تلقى طلبات الحصول على وحدات بديلة وكبار السن والزوجة والمرأة المطلقة والمعيلة أولوية


الداخلية تضبط لص يسرق أحذية المساجد بالجيزة

نقل مباراة الأهلي وبيراميدز إلى السلام بعد غلق استاد القاهرة الدولي

زيزو يواصل التألق.. حصاد الجولة الثانية للدوري فى أرقام "إنفوجراف"

محمد صلاح يتربع على عرش الجولة الافتتاحية فى الدوري الإنجليزي.. إنفوجراف

بيرس بروسنان وهيلين ميرين يؤكدان ضرورة بقاء بطل جيمس بوند رجلا


امتحانات الثانوية العامة الدور الثانى.. الطلاب يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الأولى.. وزارة التعليم تتابع التفاصيل الخاصة بسير اللجان.. وتؤكد: تصحيح كراسات الإجابة أولا بأول لإعلان النتيجة بعد انتهاء الاختبارات

تأكد غياب 5 لاعبين عن الإسماعيلى أمام الاتحاد السكندري

دفاع متهمى حادث مطاردة طريق الواحات يشكك فى أقوال المجنى عليهما أمام المحكمة

بيراميدز: قدمنا شكوى ضد أمين عمر.. ولا نقبل إرهاب يورتشيتش

رئيس اتحاد الجودو: دينا علاء لاعبة سابقة وتواصلنا مع سموحة لتقديم العزاء

حجز شاب وزوجته متهمين بالتعدى على زوجة شقيقه بالشرقية لحين ورود التحريات

كولومبوس يخطر الأهلى بوصول القسط الأول من صفقة وسام أبو علي اليوم

قانون التعليم.. الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها

تعرف على ترتيب هدافي الدوري المصري قبل انطلاق الجولة الثالثة غداً

وصول المتهمين في حادث مطاردة فتيات بطريق الواحات لمحكمة جنح أكتوبر

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى