أمريكا تاريخ من العنصرية يدفع ثمنه السود.. أوباما يجمع أوراقه بعد ولايتين من الفشل فى تحقيق مساواة بين البيض والملونين.. ميراث مارتن لوثر كينج فى مهب الريح.. وشبح الحرب الأهلية يطارد المجتمع الأمريكى

الرئيس الأمريكى أوباما
الرئيس الأمريكى أوباما
تحليل يكتبه: صابر جودة

- -- اليوم السابع

"العنصرية" سياسة رسمية أساسها التفرقة فى المعاملة بين "السود" و"البيض"، بدأت تلك السياسة القرن الماضى فى المستعمرات الأمريكية، حينما اعتمد المزارعون الأوروبيون على شراء أصحاب البشرة السمراء من الأفارقة للعمل بمزارعهم، لأنهم الأقدر على تحمل مشقات العمل وحرارة الجو المرتفعة، وراجت تجارة العبيد فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، بسبب اكتشاف مناجم الذهب فى أمريكا، وإصدار قانون يُنظّم هذه التجارة من قبل الحكومة الأمريكية، ومارست ضدهم جميع أنواع الاضطهاد والظلم.

ظهرت حركة إلغاء الرق فى أمريكا، والتى اكتسبت قوة فى شمال الولايات المتحدة بقيادة السود الأحرار، مثل فريدريك دوغلاس وأنصار البيض مثل وليام لويد جاريسون، مؤسس صحيفة جذرية، وهارييت بيتشر ستو، الذى نشر الرواية الأكثر مبيعا على العبودية ” Uncle Tom’s Cabin” (1852، تحولت فئة العبيد إلى أرض خصبة للثورات، وباتت شرارة لاندلاع العديد من الحروب، وأشهرها تلك الحرب التى استمرت نحو أربعة أعوام بين الشمال والجنوب وانتصر فيها الشمال، المتفوق عددياً، وأعلن المؤتمر الاتحادى إلغاء الرق بولايات الاتحاد 1862 وإدخال تعديل فى الدستور ينص على إلغاء الرق إلغاءً تاماً فى الولايات المتحدة، وقرر المؤتمر فيما بعد منح العبيد نفس الحقوق السياسية التى يتمتع بها البيض.

تحولت ظاهرة العبودية فى أمريكا إلى حالة من البؤس يعيشها هؤلاء المواطنون، ويحكى المؤرخون قصصاً يشيب لهولها الجبين، حول الحرائق الجماعية للغزاة البيض وإقامة الكمائن حولها، فإذا خرج هؤلاء من أكواخهم هاربين من النيران يجدون رصاص البيض فى انتظارهم ليحصد أرواحهم، فضلاً عن تقطيع الأطفال إلى أجزاء وإلقائها فى النيران أمام أعين أمهاتهم، وغيرها من القصص المفجعة التى تلخص أحوال ما وصلت إليه أوضاع هذه الطائفة المضطهدة.

يوماً بعد يوم تتجدد جراح السود فى أمريكا بنيران الشرطة الأمريكية، التى انتهجت سياسة التفرقة فى المعاملة بين المواطنين، وبالرغم من صدور قانون "تحرير العبيد" عام 1862 إلا أنه لم يستطع إنهاء معاناة هذه الفئة على أرض الواقع، وزادت حدة الأزمة فى عهد الرئيس الحالى باراك أوباما، صاحب الأصول الأفريقية، ما جعل البعض يطرح سؤال ماذا قدم أوباما للأمريكيين السود؟، خاصة أنه يستعد لجمع أوراقه ومغادرة البيت الأبيض عقب انتهاء ولايته الثانية.

حمل "أوباما" أملاً كبيراً للأمريكيين من أصول أفريقية فى إنهاء ذلك الانقسام العرقى والتاريخى الذى استمر عقوداً من الزمن، وظنوا أنه جاء لاستكمال مسيرة "مارتن لوثر كينج"، أحد أهم الزعماء المدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان ونبذ التفرقة بسبب اللون والجنس، وصاحب مقولة، "نحن لا نصنع التاريخ.. بل التاريخ هو الذى يصنعنا.. الفصل العنصرى جريمة زنا محرمة بين الظلم والخلود"، إلا أن أحلام الأمريكيين سرعان ما تبخرت فى الهواء، فالسود ما زالوا يُقتّلون ويُعذّبون على أيدى الشرطة الأمريكية، دون أى ذنب سوى أنهم أصحاب بشرة سوداء، فى الوقت الذى يكتفى الرئيس الأمريكى ببيانات التنديد مطالباً بالإصلاحات.

صمت أوباما أثار استغراب العديد من المحللين، وهو الرئيس الذى حمل أحلاما وردية للطائفة السوداء فى الانتخابات قبل ثمانى سنوات، وصفق له العالم بأسره، إلا أنه بعد قرب انتهاء فترة ولايته الثانية فشل فى تحريك هذه القضية خطوة إلى الأمام، بل الأنكى من ذلك زادت وتيرة تلك الأزمة، وهو ما كشفته صحيفة واشنطن بوست فى دراسة لها، عن مقتل حوالى ألف شخص على يد الشرطة فى 2015، مؤكدة أن هذا الرقم أكثر من ضعفى متوسط الرقم السنوى الذى أعلنه "إف بى أى" فى السنوات السابقة، مشيرة إلى زيادة تلك الحوادث بنسبة 6% فى النصف الأولى من 2016، وتعرض عدد أكبر من الضباط للقتل أثناء أدائهم واجبهم، وكذلك ملاحقة مزيد من الضباط قضائياً لتورطهم فى عمليات إطلاق نار، الأمر الذى يضع المجتمع الأمريكى على فوهة بركان ويجعله أرضاً خصبة لاندلاع حرب أهلية فى أى وقت.

ويبدو أنه بعد مرور قرن ونصف من الزمن مازال الأمريكيون يعانون التفرقة العنصرية فى بلادهم بسبب اللون والجنس، ورسخت حقيقة أن العنصرية فى أمريكا آفة يصعب القضاء عليها، كما أن طريقة تعامل الشرطة الأمريكية واحدة وإن تعددت وسائل القمع.

وكشفت واقعة دالاس الأخيرة، التى شهدت مقتل خمسة من أفراد الشرطة على يد قناص فى ولاية تكساس الأمريكية، خلال مظاهرة احتجاجاً على مقتل شاب أسود على يد الشرطة، أنها لن تكون الأخيرة، وأنها شهدت تحولاً كبيراً فى استراتيجية التعامل مع الأزمة من الجانبين، وفشل الرئيس الأمريكى، الذى يستعد للخروج من البيت الأبيض فى التعامل مع الأزمة والقضاء على العنصرية فى بلاده، كما أن أوباما خذل أهله وعشيرته من أصحاب البشرة السمراء، وحنث فى وعوده الانتخابية التى سرعان ما تبددت عقب فوزه بالانتخابات الأمريكية، الأمر الذى وصفه البعض بأنه يعيش أسوأ لحظات حياته، حيث يستعد للخروج من البيت الأبيض ولم يقدم تقدماً يذكر فى محاربة العنصرية ببلاده، وما زال السود يضطهدون ويدفعون ثمن لون بشرتهم.


موضوعات متعلقة:


أحداث "دالاس" تكشف وجه أمريكا العنصرى.. "القومى لحقوق الإنسان": الولايات المتحدة تفرط فى استخدام القوة وتخالف المعايير الدولية.. ومجلس النواب: واشنطن ترتكب الجرائم ولا يحاسبها أحد
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الرئيس السيسى يوجه بزيادة الإنفاق على برنامجى "تكافل وكرامة" وقطاعي الصحة والتعليم

رئيس الوزراء يكلف المحافظين بالبدء فى تشكيل لجان حصر وحدات الإيجار القديم

أبرزهم الشناوي والشحات.. 5 لاعبين خارج حسابات أهلي ريبيرو بعد مباراتين بالدوري

ميسي: لامين يامال يذكرني بنفسي

مقتل 11 إرهابيا في عملية مشتركة للمخابرات الصومالية والشركاء الدوليين


جينيفر أنيستون تحوّل منزلها الفاخر إلى واحة هادئة بعيدًا عن صخب هوليوود.. صور

بدء اجتماع مجلس المحافظين لمتابعة لجان حصر المناطق المختلفة بقانون الإيجار القديم

وزارة التعليم: حظر تحصيل أية مبالغ مالية من أولياء الأمور

وزارة التعليم: تسجيل غياب الطلاب يوميا بالعام الدراسى الجديد 20 سبتمبر

هدف ودموع ووفاء.. محمد صلاح يتألق فى ليلة استثنائية بالدوري الإنجليزي.. ملك ليفربول يواصل تحطيم الأرقام القياسية ويدخل نادي عظماء البريميرليج أمام بورنموث.. ويقترب من إنجاز تاريخي غير مسبوق للأجانب


فيديو جديد لـ "شهاب بتاع الجيزة" لحظة إنقاذه فتاة المنيب

غلق شارع 26 يوليو لتنفيذ مونوريل وادى النيل -6 أكتوبر.. اعرف تحويلات المرور

ليوناردو دي كابريو: أشعر أنني في الـ32 رغم بلوغي سن الخمسين

أشرف داري يواجه شبح الرحيل عن الأهلي خلال ميركاتو الشتاء

طبيب الأهلى يكشف موعد مشاركة إمام عاشور في المباريات

البيت الأبيض: ترامب يجرى اتصالاً بقادة الناتو بعد مكالمة مع زيلينسكى

مانشستر سيتي يتسلح بـ عمر مرموش في معركة استعادة عرش الدوري الإنجليزي

برشلونة يبدأ حملة الدفاع عن لقب الدوري الإسباني ضد مايوركا

بايرن ميونخ يصطدم بطموح شتوتجارت في نهائي السوبر الألماني 2025

مواعيد قطارات القاهرة أسوان والإسكندرية والعكس اليوم السبت 16-8-2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى