لم يكن حبا فى المنفى

 سهيلة فوزى
سهيلة فوزى

مر ثلاثة أعوام تقريبا على ما حدث، كان اليوم يعبر عاديا أقرب إلى الملل كبقية الأيام لا يختلف عنها فى شئ، حتى استيقظت من نومى مفزوعة على صوت طلقات الرصاص، وانفجارات لا أدرى إن كانت قنابل تسقط أم بيوت تنهار، التفت حولى بعد أن فتحت عينيا أبحث عن مصدر الطلقات كى أتجنبها، ظننت نفسى ما زلت عالقة مع صُنع الله ابراهيم فى بيروت، ولكنى أدركت أنى مازلت فى غرفتى بقلب القاهرة، ويفترض أن أشعر بالأمان كنت انتهيت ليلتها من قراءة روايته "بيروت بيروت" ثانى تجربة لى مع الحرب الأهلية اللبنانية بعد "اعترافات" ربيع جابر التى قررت بعدها ألا أقرأ مجددا عن الحرب، لأنى لم احتمل كل هذا الموت، ولكنى خالفت وعدى لنفسى، وقرأت "بيروت بيروت" كنت أتوقع مادمت أقرأ عن الحرب أن تزدحم الأحداث بالقتلى، أن تتناثر الجثث فى أرجاء الرواية، أليست حرب؟ ولكنى لم أتوقعها بهذه القسوة، أكره الموت فى الروايات، أكره أن يقتل الكاتب أبطاله لزوم "الحبكة" تمنيت كثيرا أن يأتى يوما يضع فيه الأدباء تنويها بسيطا كتلك التى توضع على الأفلام التى تتضمن مشاهد عنف، ولو سطرا واحدا فى بداية الرواية: "اطمئن عزيزى القارئ لن أقتل احد" أو أن يكتب مثلا "ربما أقتل اثنين أو ثلاثة على الأكثر، اطمئن الرواية مليئة بالشخصيات..لن تفتقد الموتى" سطرا لن يضره فى شئ، ولكنه سيفيد مثلى ممن يتجنبون مواجهة موت أعزاء، اختبرت مواجهته من قبل وقت رحيل أبى، وقررت ألا أذهب إليه راضية ثانية ألا أواجه فقد أحباب ثانية حتى لو جاء الموت ليخطف منى بطل رواية تعرفت عليه منذ ساعات أو أيام قليلة لكنه صار حبيبا.


صحيح أن الموت فى رواية عن الحرب كان متوقعا، ولكنى فى كل مرة أفشل فى توقع حجم الوجع المترتب على قراءتها، تنويهاً فى البداية عن حجم القتلى قد يكون رادعا لعدم قرائتها، وقد يكون ذلك سبب تجنب الأدباء مثل تلك التنويهات حتى الآن.


 أدركت بعد هاتين الرواتين أن أى قراءة عن الحرب الأهلية فى لبنان لن تكون تجربة سهلة، لذلك قررت ألا أخوض تجربة القتل على الهوية من جديد أن تُقتل فقط لأنك مسيحى أو أن تُقتل فقط لأنك مسلم.. كفى موت.


قبل أيام قليلة نصحنى أستاذى سعيد الشحات مدير تحرير اليوم السابع بقراءة رواية "حب فى المنفى" لبهاء طاهر، قال لى أنها مناسبة جدا لأجواء هذه الأيام، ولم أدرك ما يعنى إلا بعد أن قرأت، كنت انتظر قصة حب رومانسية تزينها المناظر الطبيعية الخلابة لأوروبا، لم أتوقع موتا، ولا حربا، فقط حب قد يتخلله بعض الوجع لأنه فى المنفى، ولكن من قال أن الحب فى الأوطان لا يسبب جروحا، هكذا كنت أتصور، ولكنى بعد صفحات قليلة وجدت أنى ذهبت بإرادتى إلى ملاقاة عدة انكسارات متتالية لبطل الرواية تحول بعضها إلى انكسار شخصى، انكساره بعد أن تحول إلى مراسل فى دولة أوربية بعيدة فى عهد السادات بعد أن كاد يكون رئيسا للتحرير فى عهد عبد الناصر، انكساره لتحول الأشخاص من حوله حتى أبنائه وطليقته -حب عمره فى الوطن- حيث تحولات الانفتاح الشهيرة، بعدها وجدت نفسى وسط آلاف الجثث فى صابرا وشاتيلا، وسط مقابر الجير الحى، وشهادات حول ما دار فى مخيم عين الحلوة قتل واغتصاب، وتمثيل بالجثث كل ما كنت أهرب منه فى روايات الحرب الأهلية اللبنانية وجدته أمامى مُضاعفا.
انكسار البطل أمام تخاذل العرب حول ما يجرى، انكساره أمام تحول الصحافة من صاحبة الجلالة إلى عاهرة تسند رأسها إلى صدر الرجل الأقوى فى عهد مضى، أو الأغنى فى عهود أخرى.

 

انكسارات متوالية، تخيلت البطل مثلنا أحلام صعدت به إلى سابع سماء أيام عبد الناصر حتى جاءت النكسة، وهوت بالجميع على جدور رقابهم، تماما كما صعدنا بأحلامنا بعد ثورة يناير، طموحات ناطحت السحاب حلمنا بها لأيام، ثم تلاشى كل شئ أحلام بغد ليس كالأمس، ليس كتلك الأيام التى إتعدنا أن تمضى متشابهة بلا روح.


الرواية حزينة رغم قصة الحب التى يحاول البطل أن يسرقها ليواجه بها انكساراته، الحزن يخيم على كل أرجاء الرواية بداية من قصة تعذيب بيدرو موت أخيه فى تشيلى، التى استهل بها بهاء طاهر مأساة "الحب فى المنفى" مرورا بقتلى مخيم عين الحلوة، وحُفر الجير الحى المعبأة بمئات الجثث، وأشلاء الأطفال التى شُقت بطون أمهاتهم بالسكاكين ليخرجوا إلى الدنيا قبل أوانهم، وجريمة صمت الصحافة عن ما جرى فى صبرا وشاتيلا، وهى التى مهمتها قول الحقيقة.


كانت صابرا وشاتيلا وعين الحلوة بالأمس، أما اليوم فأصبحت حلب وبغداد وصنعاء وطرابلس، ومن قبلهم غزة، ومازال الصمت هو سيد الصحافة والعرب.


لا أدرى إذا اعتبرت عزيزى القارئ ما كتبته هو دعوة لقراءة الرواية أم دعوة لتجنب قرائتها، ولكنها أجمل وأقسى من أن تفوتك قراءتها.


سقطت قصة الحب فى المنفى، وبقى فى الذاكرة مذابح صابرا وشاتيلا، وعين الحلوة، وتخاذل الصحافة، ووضاعة العرب، سقط الحب صريعا فى المنفى البعيد، وبقيت أشلاء اللاجئين الفلسطينين تسد الحارات فى المنفى القريب.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

رئيس الوزراء: 25% من مساحة مصر تصلح للزراعة ولكن المشكلة فى المياه

فرصة أخيرة للفنان محمد رمضان بعد تأييد حبسه عامين بسبب أغنية رقم 1 يا انصاص

من حريق شقة بطلة فيلم اللى بالى بالك لكل بيت مصرى.. تحذيرات أمنية لا تحتمل التأجيل.. الخبراء يضعون روشتة لمواجهة الحرائق.. الحذر أثناء استخدام وسائل التدفئة.. ويشددون على كواشف الدخان والتأكد من سلامة الأسلاك

إصدار عملة تذكارية ذهبية وفضية بمناسبة 150 عاما على إنشاء هيئة قضايا الدولة


حكاية مكالمة حزينة جمعت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم قبل وفاة الأخيرة

تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص

مجلس الوزراء يهنىء الرئيس بمنحه أرفع وسام من الفاو

شرط محمد صلاح للبقاء مع ليفربول بعد أزمة سلوت

صور أثار حريق شقة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية


على ماهر يعيد 5 لاعبين لتشكيل سيراميكا أمام الأهلى فى كأس عاصمة مصر

الزمالك يكشف تطورات شكوى زيزو فى اتحاد الكرة

فريق النيابة يعاين حريق شقة الفنانة نيفين مندور بعد وفاتها بالإسكندرية

حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار خلال الساعات المقبلة

نيابة المنتزه تحقق فى مصرع الفنانة نيفين مندور داخل شقتها بالإسكندرية

نيفين مندور.. عاشت حياة مليئة بالأزمات ورحلت فى نهاية مأساوية

بعد مصرع الفنانة نيفين مندور.. خطوات لتجنب حرائق الشقق السكنية.. تعرف عليها

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها

نهائى كأس العرب 2025.. تفوق عرب أفريقيا على آسيا فى النهائيات

زيادة 15٪ سنويا.. قانون الإيجار القديم يضع قواعد جديدة للأجرة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى