نشوى رجائى السماك تكتب: "صبا"

فتاة
فتاة

ازدادت قتامة اللون الأزرق الذى اكتسى به جسد الطفلة النحيل، منذرا باقتراب تمكن الموت من هذه النبتة البشرية التى لم يمهلها الوقت أن تزهر. لقد ولدت "صبا" تلك المولودة الجميلة وجسدها الصغير يئن بمرض يخنق خلاياه كى يسلبها الحياة. قال طبيب المدينة العجوز أن الصغيرة تعانى من عيب خلقى فى قلبها الوليد وأنه لا يستطيع بما أوتى من علم  أن ينقذ حياتها. اعتصر الألم قلب والدها الذى ود لو هجر ضلوعه ليحل بين ضلوعها فيمنحها فرصة جديدة للحياة. وقبل أن يهم الرجل بالمغادرة حاملا فلذة كبده المريضة، دخل إلى حجرة الطبيب شاب يلهث، لا يستطيع التقاط أنفاسه المتلاحقة، متلهفا إلى قول شىء يبدو خطيرا ولكن أنفاسه لا تسعفه حتى يستطيع أن يخرج الكلمات من فمه.

 

أسرع الطبيب العجوز إلى الشاب اللاهث وربت على كتفيه قائلا:

 "التقط أنفاسك يا بنى" بينما عيناه تتسعان تساؤلا ولهفة تريدان أن تسألاه عن الخبر الخطير الذى قد جاء به.

كان هذا الشاب هو أحد تلامذة طبيب المدينة العتيق وهو أقرب مساعديه إليه. استطاع بعد أن التقط بعض أنفاسه أن يصيح مخبرا أستاذه فى حماس وفرحة:

"لن تصدق يا سيدى.. لقد جئتك بخبر من مختبر عالم الفلك المجنون".

 

تعلقت أنظار الطبيب والأب به دون أن يحاولا أن يقاطعاه، ثم استطرد قائلا:

 "إنها تلك العاصفة النيزكية المباركة التى حدثتنا عنها مخطوطات أجدادنا القدماء.. لقد عادت من جديد لتزور مدينتنا بعد أكثر من ألف عام".

 

لازال الطبيب العجوز ينظر إليه فاغرا فاه، بينما ينتقل الأب بعينيه المتسائلتين بين الطبيبين لعله يستطيع أن يفهم ما الأمر. ثم صاح العجوز بتلميذه:

 " أمتأكد هو؟!!!.. كيف ومتى ستأتى؟.. أجبنى".

ابتلع الشاب ريقه قائلا:

 "نعم الخبر مؤكد والرجل فى مختبره قد ازداد جنونا أكثر مما كان عليه وأمرنى أن أخبرك أنه قد استطاع بالفعل أن يستطلعها وأن علينا أن ننتظرها خلال ليلتين".

 

قفز العجوز بفرحة وكأن روحا خفية قد دبت فى أوصاله المتهالكة، والأب ينظر إليهما ولا يفهم ماذا يعنى هذا الخبر العجيب.

 

ثم صاح العجوز بتلميذه وهو يحاول أن يستجمع شيئا من جديته:

" فلتعلمهم أن يجمعوا جميع مرضى المدينة استعدادا للعاصفة المباركة"

صاح بهما الأب محاولا أن يستفهم ما الأمر وما علاقة تلك العاصفة بالمرضى وما سبب هذه الفرحة. فى هذه اللحظة بدأ الطبيب العتيق أن يدرك مجددا تواجد الطفلة ووالدها، فحاول أن يستجمع شيئا من وقاره وهيبته ثم قال بجدية لا تخلو من الحنان والتعاطف:

 

"هذه ظاهرة لا تتكرر إلا كل ألف عام، لم نعرف عنها سوى من مخطوطات أجدادنا القدماء. هى نيازك مباركة يرسلها لنا الإله الواحد الأعظم تحمل معها معجزات من لدنه وبركات يرسلها إلى الأجساد المريضة فيصيب برحمته من يشاء منها فتعود صحيحة".

 

تلعثم الأب وهو يرى يد الله تمتد إليه لتنقذ ابنته من المرض، قائلا:

- "صبا يا سيدى.. هل ستشفى ابنتى صبا بهذه الظاهرة المباركة؟ "

صمت العجوز لبرهة، ثم قال:

"علميا لا نستطيع أن نجزم إذا ما كانت النيازك المباركة ستختار ابنتك أم لا، ولكننى أوقن أن إلهنا الرحيم لن يخذل نظرة الأمل التى أراها فى عينيك الآن".

ثم استطرد قائلا:

 "ما جاءت به المخطوطات القديمة أن العضو المريض تصيبه بركة مضاعفة عن سائر الأعضاء، حيث أصابت الظاهرة المباركة ذات مرة جسد مريض مصاب بالشلل فصار يمتلك قوة هائلة فى أطرافه وقيل أن هذا الرجل هو الذى قام وحده بحمل الأحجار أثناء بناء المعبد الأكبر الموجود حاليا فى وسط المدينة. وتشير المخطوطات أنه فى حالات  أمراض القلوب تحديدا يعود القلب ببركتها إلى خضاره الغض ولا يلوثه غبار السنين ولا تغيره قسوتها".

 

جاءت الليلة المنتظرة حيث جمع مرضى المدينة فى ساحة المعبد الأكبر ثم أقبلت العاصفة النيزكية المباركة توزع الشفاء على أجساد أرهقتها الأوجاع واختارت قلب "صبا" لتهمس فيه "لقد جئنا من أجلك أنت وبسببك أنت جاء الشفاء إليهم اليوم". لملم اللون الأزرق قتامته وكآبته راحلا عن جسد الطفلة لتشرق بخلاياه الحياة من جديد. كم بدا جميلا هذا الوجه الصغير والشمس تطل من ثغره المبتسم لتعانق الأمل.

مرت السنون وقلب "صبا" الغض الأخضر لا يتغير ولا يقسو ولا يشيب، يفوح بعبير البراءة التى تستكين إليها وحوش القفار ولكنه – كعادة القلوب الغضة -  كان الأوفر حظا فى تجرع مرار الخذلان وطعنات الغدر والحقد. ضاقت الفتاة الطيبة بالآلام فتناولت بيدها خنجرا زادته دموع عينيها المنهمرة عليه لمعانا ثم وجهته إلى قلبها لتخلصه من الألم نهائيا ولكن شيئا لا يمكن تصديقه أبدا قد حدث. لقد قبّل الخنجر خضار قلبها ثم انحنى تقديسا له فإنه لا يستطيع أن ينفذ إلى هذا القلب بسوء أبدا.

أشرقت الشمس من ثغر "صبا" الباسم لتعانق الأمل من جديد وإلى الأبد.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يستطلع رأي ريبيرو بشأن عروض الإعارة لـ محمد عبد الله

مسيرة فنية كبيرة.. 19 عاما على رحيل النجم عبد المنعم مدبولى

متى يتم طرد المستأجر .. شروط قانونية يجب توافرها

الطقس اليوم الأربعاء 9-7-2025.. أجواء شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء

انطلاق خامس أيام الترشح لمجلس الشيوخ.. اعرف المستندات المطلوبة


محاولات أهلاوية لإعارة محمد ياسر في الدوري المحلي ..اعرف التفاصيل

منة القيعى بين "يا بخته" مع الهضبة و"كلام فارغ" مع أصالة

قمة إفريقية أمريكية مصغرة.. ترامب يستضيف قادة 5 دول أفارقة فى البيت الأبيض.. واهتمام متزايد لواشنطن بمنطقة الساحل الإفريقى.. وقانون النمو والفرص مطروح للنقاش.. والأولويات هى الحد من التطرف والهجرة غير الشرعية

بعد ملاحقة إبراهيم سعيد للحجز على ممتلكاته.. اعرف المستندات اللازمة للدعوى؟

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة


بيلينجهام: مواجهة سان جيرمان صعبة.. وفخور بالمائة مباراة مع ريال مدريد

اعترافات المتهم بقتل زميله داخل مطعم فى كرداسة

ترامب يعلن حضور نهائى كأس العالم للأندية 2025

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

رادار المرور يلتقط 1109 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025

ترك أعمالا مميزة واعتزل التمثيل فى الستينيات.. ذكرى ميلاد حسين صدقى

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

المعمل الجنائى يعاين موقع حريق سنترال رمسيس

"فتش فى دفاترك القديمة" شعار صفقات الأهلى فى الميركاتو الصيفى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى